[تتمة لأسباب العلة]
قال ابن الصلاح ـ ومثله في رسالة الشريف ـ ما لفظه: ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب، القادحة في الحديث، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به، على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح، بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح.
وسمى الترمذي النسخ علّة من علل الحديث.
قلت: وقد قيل عليه: إنه إن أراد أن النسخ علة في العمل، فصحيح؛ وإن أراد أنه علة في الصحة، فغير صحيح.
قال ابن الصلاح: ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجود الخلاف، نحو: إرسال من أرسل الحديث، الذي أسنده الثقة الضابط.
حتى قال: من أقسام الصحيح: ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح: ما هو صحيح شاذ؛ والله أعلم، انتهى.
قلت: فهذا تحقيق لكلامهم، الجامع لما تفرق في مؤلفاتهم، وأكثر إعلالهم عليل، كما سبق القول فيه والحق واضح لمتبع الدليل.
هذا، وأما الشاذ والمنكر، فقد سبق الكلام عليهما.
[الحديث المضطرب]
وأما المضطرب (بكسر الراء: اسم فاعل من الاضطراب افتعال، أبدلت التاء طاء مهملة؛ لاستثقال اجتماعها مع الضاد المعجمة، كما هي القاعدة الصرفية في مثله) فهو لغة المختل المختلف، الفاسد النظام، والكثير الحركة؛ ومنه: اضطراب الموج.
واصطلاحاً: ما اختلفت الرواية فيه، فيروى مرة على وجه، وأخرى على وجه مخالف؛ وقد يكون في المتن، وقد يكون في السند، وقد يكون في رواية /383(2/383)
واحد، وقد يكون في رواية جماعة، وهو موجب لضعف الحديث؛ لإشعاره بعدم الضبط.
وإنما يسمى مضطرباً إذا تساوت الرواية المختلفة.
أما إذا كان بعضها راجحاً، فالحكم له، والمرجوح مطرح.
فهذا حاصل ما تكلم فيه أهل المصطلح؛ وقد ذكروا له أمثلة كثيرة، ومن وقف على حقيقة التحصيل، فهو مستغن عن التطويل.
ومن الأمثلة الواضحة لاضطراب المتن والسند: ما أورده نجم الأئمة الهداة، الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد، حيث قال (ع) ـ بعد أن ساق السند في أخبار القلل ـ ما نصه: هذه الأخبار قد رويت؛ ولكن فيها وجوه من الكلام، منها: أن في سندها اضطراباً يدل على ضعفها.
إلى قوله (ع): فأما ضعف الإسناد، فلأن بعض الرواة قال: محمد بن عباد بن جعفر بن الزبير.
وبعضهم قال: محمد بن جعفر.
ومنهم من قال: عبدالله ـ قلت: أي بالتكبير ـ ومنهم من قال: عبيدالله بن عبدالله.
قلت: أي الأول بالتصغير، والثاني بالتكبير.
قال (ع): فدل على ضعف إسنادها، وأنه لم يضبط حق الضبط.
فإن قيل: لا يمتنع أن يكون خبر الواحد يرويه جماعة؛ فيكون هذا الخبر رواه محمد بن عباد بن جعفر، ومحمد بن جعفر، وعبدالله بن عبدالله ـ قلت: بتكبيرهما، قال(ع):ـ وعبيدالله بن عبدالله ـ قلت: بتصغير الأول، وتكبير الثاني. قال الإمام(ع):ـ فلا يجب أن يجعل ما ذكرتم طعناً فيه.
قيل له: نحن لم ندّع أن هذا الخبر ورد على وجه يستحيل أن يرد الخبر عليه؛ ولو كان كذلك، لقطعنا على أنه كذب وأسقطناه.
وإنما لم نقل ذلك، وقلنا: إنه يدل على /384(2/384)
اضطراب سنده؛ للاحتمال الذي ذكرتموه.
ثم ساق (ع) السند الدال على اضطراب المتن...إلى قوله: عن عبدالله بن عمر، عن أبيه، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثاً لم ينجسه شيء)).
وروي عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إذا كان الماء أربعين قلة لم يحمل الخبث)).
وروي في بعض الأخبار: ((إذا كان الماء قلة أو قلتين)).
فبان بما ذكرناه تعارض هذه الأخبار؛ لأن هذا القول عند المخالف خرج مخرج التحديد.
وكيف يجب أن يحد مرة بالقلة، ومرة بالقلتين، ومرة بثلاث قلال، ومرة بأربعين قلة؟
ألا ترى أن التحديد بكل واحد من ذلك ينافي التحديد الآخر؟
...إلى قوله (ع): لأن الاضطراب في المتن كالاضطراب في السند، في باب الدلالة على ضعف الخبر.
ثم ساق (ع) التأويل والمعارضة، وترجيح الأدلة، على مذهب إمام الأئمة، الهادي إلى الحق (ع)، بأوفى كلام، وأقوى نظام.
وأما ما أورده من الأمثلة، التي بسط أكثرها صاحب التنقيح والتوضيح وغيرهما، فمن تصفحها اتضح له في أغلبها عدم المطابقة لذلك المقام؛ والله - تعالى - ولي الإنعام.
[المدرج من الحديث]
قال السيد صارم الدين (ع): وقد يرد بالمخالفة؛ فإن كانت بتغيير السياق، مثل: أن يذكر رجلاً لم يذكر في الإسناد، في موضع رجل أسقطه من أهل الإسناد؛ إما لأنه عرض ذكر ذلك الرجل المذكور، بدلاً عن الساقط في طريق الحديث، أو في حديث اشترك جماعة في روايته بالجملة، وتفرد كل منهم بأمر؛ أو يكون /385(2/385)
بينهم اختلاف فيمن روى عنه، أو نحو ذلك؛ فهو مدرج الإسناد.
أو بإدراج موقوف بمرفوع، فهو مدرج المتن.
قلت: المدرج (بضم الميم، وفتح الراء) يطلق على مجموع الخبر، الذي وقعت الزيادة فيه؛ فعلى هذا هو مدرج فيه، اسم مكان لا اسم مفعول.
وقد يطلق أيضاً على الزيادة الواقعة في الخبر، وعلى ذلك فهو اسم مفعول.
وقد مثلوا له بأمثلة كثيرة، منها: ما ذكره محمد بن إبراهيم الوزير، وابن الصلاح، وغيرهما، في خبر التشهد، المروي عن ابن مسعود؛ ولفظه في التنقيح:
الأول: ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض رواته إما الصحابي، أو من بعده.
إلى قوله: كحديث ابن مسعود، وقوله بعد التشهد: ((فإذا فعلت ذلك، فقد تمت صلاتك)).
قلت: تمامه ـ كما رووه ـ: ((إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد)).
قال: هذا موقوف على الصحيح.
قلت: يعني من قوله: فإذا فعلت...إلخ من كلام ابن مسعود ـ كما ذكروه ـ.
قال: وقد أدرجه بعضهم في الحديث.
[ترجمة زهير بن معاوية بن حُديج، وعبد الملك بن جريج]
قلت: أخرجه ـ على ما ذكروه ـ أبو داود، من رواية زهير بن معاوية.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية من الطبقات، فقال: زهير بن معاوية بن حديج (بضم المهملة الأولى مصغراً، وآخره جيم) الجعفي، أبو خيثمة.
قلت: في جامع الأصول: بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء، تحتها نقطتان.
قال السيد الإمام: الكوفي، حدث بالجزيرة.
وساق فيمن روى عنهم، ومن رووا عنه...إلى قوله: قال في الكاشف: حجة حافظ.
وقال ابن عيينة: ما بالكوفة مثله.
وقال أحمد بن زهير: ثبتٌ فيما روى عن المشائخ؛ بخٍ بخٍ.
وقال /386(2/386)
النسائي: ثقة ثبت.
وقال الخطيب: حدث عنه ابن جريج، وعبد الغفار الحراني، وبين وفاتيهما بضع وستون سنة.
مولده سنة مائة، وتوفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
خرج له الجماعة، وأئمتنا الثلاثة السادة، انتهى باختصار.
قلت: ابن جريج المذكور، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
روى عن عطاء ومجاهد وغيرهما.
وعنه محمد بن منصور المرادي، والسفيانان، والليث، وخلق.
توفي سنة خمسين ومائة، وقد جاوز المائة.
قال أبو زرعة: هو من الأئمة.
خرج له أئمتنا الأربعة والجماعة؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وغيره.
[ترجمة الحسن بن الحر والقاسم بن مخيمرة وعلقمة بن قيس]
(رجع) عن الحسن بن الحر.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية: الحسن بن الحر ـ ضد الرق ـ بن الحكم النخعي، عن أبي أمامة، وأبي الطفيل.
إلى قوله: وفي الكاشف: ثقة، نبيل؛ توفي سنة ثلاث ومائة.
خرج له أبو داود، والنسائي، ومحمد بن منصور المرادي.
(رجع) عن القاسم بن مخيمرة.
قلت: هو الهمداني، أبو عروة، المتوفى عام مائة؛ روى عن أبي سعيد، وعلقمة.
وعنه: الحكم، وسلمة بن كهيل، والأوزاعي، وغيرهم.
خرج له الأئمة: المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله (ع)، ومسلم، والأربعة.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية، وأفاد هذا.
ومخيمرة بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية بعدها ميم، فراء، فتاء التأنيث. /387(2/387)