بمعالم الدين، وإحياء فرائض رب العالمين.
ومنها: الإحالة بالمراسيل في مقام على ما علم لهم من الأسانيد الصحيحة في غير ذلك المقام، وغير ذلك مما لا يذهب عن أفهام المطلعين الأعلام.
فهذا الذي ترجح لدي في هذا الباب، والله الموفق للصواب.
وما أحسن كلام نجم الأعلام الحسين بن الإمام (ع)‍! حيث قال: فمرسلات الأئمة المعروفين بالأمانة والحفظ، كالهادي (ع)، ومن في طبقته من أئمة أهل البيت (ع) وغيرهم، مقبولة؛ وذلك لأن من ظاهر أحواله الثقة والدين والأمانة، يبعد أن يروي الأخبار الواردة في العبادات والأحكام الشرعية، عمن لا يثق به، من دون أن ينبه على ذلك ويدل عليه؛ لأن الغرض من روايتها الرجوع إليها، والعمل بموجبها.
وأما المرسلات، التي تجدها في كتب المتأخرين من أصحابنا وغيرهم، فإنا إذا فتشنا عن أسانيدها، وجدنا المجروح فيها كثيراً، إلا أن يقال بقبول خبر المجهول، ولا قائل به على الإطلاق، انتهى.
قال صارم الدين (ع): وأدلة قبول الآحاد تشمله، ولحمل رواته على السلامة.
المنصور: ولمشاركته المسند في علة القبول وهي: العدالة، والضبط.
قلت: قد سبقت الإشارة إلى الحجة على قبول المرسل.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة: والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أن الصحابة اتفقوا على العمل بالمراسيل اتفاقهم على العمل بالمسانيد.
وساق في الشافي كلاماً شافياً، وبياناً وافياً، وبرهاناً كافياً.
وقال الإمام المهدي (ع) في المعيار، بعد حكاية الخلاف: لنا إجماع الصحابة على قبوله كالمسند؛ قد أرسلوا، ولم ينكر، ومنه قول البراء: ليس كلما أحدثكم به سمعته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا أنا لا نكذب؛ /368(2/368)


وأرسل ابن عباس ((إنما الربا في النسية))، ولم ينكر، وقول النخعي: وإن سمعت من جماعة، قلت: قال ابن مسعود، انتهى.
قال في الغاية وشرحها: أطبق الصحابة والتابعون على القبول من غير نكير.
ثم ساق...إلى قوله: قلنا: ما ذكرتموه من الاحتجاج صحيح، ولكنه لا يفيد تعميماً وشمولاً لكل من وقع منه الإرسال، كما هو المدعى.
قلت: يعني لأهل الإطلاق.
قال: وذلك أن من عددتموه من الصحابة، ومن بعدهم من التابعين والأئمة، لا يرسلون إلا عمن ارتضوه في دينه وضبطه.
قلت: وهذا هو الحق، وهو أعدل الأقوال؛ وقد بسط الكلام على الرد والقبول في الأصول.
[بحث في الصدق والكذب]
قال صارم الدين (ع): وقد يرد الحديث للطعن فيه بكذب الراوي في غير ما روى بإقراره، أو بالقرائن عامداً، وهو الموضوع؛ وقد يطلق على غير العمد.
قلت: وإطلاق الكذب على غير العمد هو مختار الجمهور، في كونه مخالف الواقع مطلقاً؛ فإن كان عن عمد، فهو الافتراء، وإن لم فهو الخطأ.
وأما الإثم فليس إلا في العمد اتفاقاً، والأقوال وحججها مستوفاة في مباحثها.
والمختار تفصيلٌ حسن، وهو: أن الصدق، والكذب يوصف بهما /369(2/369)


الخبر والمخبر.
فإن نظر إلى جانب الخبر، فالصحيح كلام الجمهور من أنه مخالف الواقع، سواء خالف الاعتقاد أم لا.
وإن نظر إلى جانب المخبر، فالصحيح كلام أهل المذهب والنظام من أنه مخالف الاعتقاد، ولا يطلق الكاذب إلا على المفتري، وهو المخبر بخلاف ما يعتقده؛ ويؤيده أنه اسم ذم، فلا ينبغي إطلاقه على المؤمن المخطيء، المخبر بما يعتقده صدقاً، كما أن الصادق اسم مدح، فلا يجوز إطلاقه على الكافر المخبر بخلاف ما يعتقده، وإن كان خبره المطابق للواقع حقاً.
فقول المؤمن مثلاً: (زيد في الدار) معتقداً لذلك؛ والحال أنه ليس فيها، كذب لمخالفة الواقع، وهو صادق باعتبار معتقده، والواقع عنده؛ ورسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ صادق في قوله: ((كل ذلك لم يكن)) وهو ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في جميع أخباره سيد الصادقين.
وقول المنافق مثلاً: (الإسلام حق) صدق، وهو كاذب كما هو ظاهر النص القرآني من غير تأويل، في قوله ـ عز وجل ـ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [المنافقين]، باعتبار معتقدهم.
وإن فرض أن العربية تقتضي تسمية المخبر بخلاف الواقع كاذباً، والمخبر بموافقه صادقاً مطلقاً، فلا مانع أن يقضي بخلاف ذلك الشرع، فقد منع من أسماء كثيرة ورد بها الوضع، فبهذا يتم الجمع بين الأدلة؛ وقد أشار إلى معنى هذا بعض المحققين، ولا ريب أنه التحقيق، والله سبحانه ولي التوفيق.
[أسباب الوضع]
قال (ع): وأسبابه ـ أي الكذب ـ الإلحاد في الدين، أو تقرب إلى سلطان، أو انتصار لمذهب، أو ترغيب أو ترهيب، أو رواية بما يتوهم أنه /370(2/370)


المعنى، ونحو ذلك.
قلت: ولأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وباب مدينة علم الرسول الأمين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ في أحوال الروايات والرواة، كلام متين مرشد للأمة إلى سبيل النجاة، صدره: إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وخطأ ووهماً؛ وقد كُذب على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على عهده، حتى قام خطيباً.
إلى أن قال: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق، مظهر للإيمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ متعمداً؛ فلو علم الناس أنه منافق كاذب، لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله؛ ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله، رءاه وسمع منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله؛ وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك.
ثم بقوا بعده (ع)، فتقربوا إلى أئمة الضلال، والدعاة إلى النار، بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا؛ وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله.
إلى آخره، وهو في نهج البلاغة، ومؤلفات أولاده، أئمتنا الهداة ـ صلوات الله عليهم ـ.
وكذا لولده باقر علم الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ كلام قويم، أوله: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس؛ إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قبض، وقد أخبرنا أنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتى أخرجت الأمر من أيدينا، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا.
....إلى قوله (ع): ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً، فتقربوا به إلى أوليائهم، وقضاة السوء /371(2/371)


في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث المكذوبة الموضوعة.
...إلى قوله (ع): وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعله يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تعظيم بعض من قد سلف من الولاة؛ ولم يخلق الله شيئاً منها، ولا كانت، ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق...إلخ.
قال السيد الإمام، إسحاق بن يوسف ابن الإمام المتوكل على الله (ع) في تفريج الكروب: هذا الأثر المنقول عن أبي جعفر، قد نقله أهل السير والتواريخ، وقد رواه ابن أبي الحديد في سياق الأحاديث الموضوعة.
وأقول: هذا الفصل من كلام الباقر قد اشتمل مع اختصاره على ملخص سيرة أهل البيت، وهو ـ بلا شك ـ كلامه، وهو أصح من أن يصحح؛ إذ هو وصف لما في مصادر الأيام مرقوم، وعلى ألسنة العالمين وفي قلوبهم منطوق ومفهوم؛ فلا يرتاب من له أدنى نظر في السير، أن كل فصل منه من أصح ما نقل في الأثر.
ويحسن أن ننقل هنا ما نقله المدائني، وهو كالشرح لكلام أبي جعفر.
روى أبو الحسن، علي بن محمد سيف المدائني، في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.
...إلى قوله: وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الآفاق: ألا تجيزوا لأحد من شيعة علي، وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا مَنْ قِبَلَكم من شيعة عثمان، ومحبيه وأهل ولايته، الذين يروون مناقبه وفضائله، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه، واسم عشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه.
....إلى قوله: فلبثوا بذلك حيناً، ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في /372(2/372)

50 / 151
ع
En
A+
A-