القولين بأنه من الأفراد باعتبار الطريق الصحيحة عندهم، ومروي بطرق من غيرها.
[الكلام على الحديث المنكر]
هذا، والمنكر: اسم مفعول فعله: أنكره، أي: جحده، أو لم يعرفه؛ قال في القاموس: والمنكر ضد المعروف، انتهى.
وهو مختلف فيه في الاصطلاح؛ فذهب إلى مرادفته للشاذ ابن الصلاح.
وذهب أهل النظر منهم إلى أنه قسمان:
القسم الأول: الذي انفرد بروايته الضعيف؛ لسوء حفظه أو جهالته، ولا متابع له، ولا شاهد.
قلت: هذا في التحقيق هو أحد قسمي الشاذ، على رأي ابن الصلاح، كما سبق.
والقسم الثاني: هو ذلك، بشرط المخالفة للأرجح؛ وهو الذي ذكره صارم الدين (ع)، وقد ردوا على ابن الصلاح في قوله بالمرادفة، وحكموا عليه بالغفلة عن التحقيق للمخالفة.
قال في التوضيح: قال الحافظ ابن حجر على قول ابن الصلاح: إنه ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ ـ ما لفظه: هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين؛ وإنما اختلافهما في مراتب الرواة، فالضعيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد، ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن، فهذا أحد قسمي الشاذ.
قلت: وهو القسم الثاني من المنكر، كما يتضح من كلامهم؛ فردهم عليه بعدم الترادف فيه لا وجه له.
قال في التوضيح، تتميماً لكلام ابن حجر: فإن خولف في ما هذه صفته مع ذلك، كان أشد شذوذاً، وربما سماه بعضهم منكراً؛ /343(2/343)


وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط، لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط، فهذا القسم الثاني من الشاذ، وهو المعتمد في تسميته.
قلت: وهذا هو المخالف للمنكر، فلا بأس في الرد فيه على ابن الصلاح.
قال متمماً لذلك الكلام: وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض، أو الضعف في بعض مشائخه، بشيء لا متابع له، ولا شاهد عليه، فهذا أحد قسمي المنكر.
إلى قوله: فإن خولف في ذلك، فهو القسم الثاني، وهو المعتمد على رأي الأكثرين؛ فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ، وأن كلاً منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد، أو مع قيد المخالف، انتهى.
قلت: أما الأول: فلم يأت بما يفصله عن القسم الأول من الشاذ؛ فقد جمعهما الانفراد والضعف، وعدم المتابعة والشاهد، وعدم المخالفة، وذلك تمام تعريفهما.
وليس المراد بالمستور هنا إلا من لم تعرف عدالته ولا جرحه، كما يتضح في سياق كلامهم الآتي، فهو من معاني الضعيف.
وقال في النخبة، وشرحها، وشرح شرحها، بعد ذكر نحو ما ذكره هنا ما لفظه: وعرف بما ذكرناه من التقرير، الدال على الفرق بين الشاذ والمنكر، أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه.
قلت: أما في القسم الأول، فهما بمعنى واحد، ولا عموم، ولا خصوص، لا مطلق، ولا من وجه. /344(2/344)


وأما الثاني: فبينهما تباين؛ لاشتراط الضعف في المنكر، وعدمه في الشاذ، وهما متباينان لا يجتمعان؛ وإنما غر ابن حجر وغيره اشتراكهما في المخالفة، ولكن ذلك لا يوجب العموم والخصوص الوجهي، وإنما يوجبه الاجتماع في مادة، مع انفراد كل واحد منهما بشيء؛ لكن لا يباين الآخر ويخالفه فيه، كالحيوان والأبيض، فإنهما يجتمعان في حيوان أبيض، وينفرد الحيوان بصدقه على حيوان أسود، وينفرد الأبيض بشيء أبيض غير حيوان كالحجر الأبيض مثلاً؛ فصدقا على شيء، وانفرد كل واحد منهما بشيء؛ واستقام ذلك، لما لم يشترط في أحدهما ما ينافي الآخر.
وبهذا يتضح لك أنهم لم يقفوا على التحقيق لمعنى العموم والخصوص الوجهي؛ وقد سكت على كلامه الأمير، وتأوله المحشي بما لايجدي، والصواب ما ذكرته لك.
ونسوق تمام كلامهم، ففيه زيادة إيضاح.
قال: وهو أنه يعتبر في كل منهما شيء لا يعتبر في الآخر، حيث اعتبر في كليهما مخالفة الأرجح.
قلت: وهذه المشاركة هي التي أوقعتهم في الغلط.
قال: وفي الشاذ مقبولية الراوي، وفي المنكر ضعفه.
قلت: وهذان الشرطان موجبان للمباينة؛ إذ هما متضادان، فلا يجتمعان، فكيف يصدقان على شيء واحد؟ كما هي قضية العموم، والخصوص الوجهي.
قال: لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة، وافتراقاً في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف، أي لسوء حفظه، أو جهالته، أو نحو ذلك، انتهى.
قلت: وبهذا يكونان كالإنسان والفرس مثلاً؛ إذ يجتمعان في الحيوانية، وينفرد الإنسان بالناطقية، والفرس بالصاهلية؛ وهذا واضح، /345(2/345)


وإنما أطلت بنقل كلامهم؛ لبيان مصطلحهم في ذلك، فهذا البحث من أهم المسالك.
[المتن والسند لغة واصطلاحاً]
قال السيد صارم الدين (ع): فأما اضطراب المتن، فغير قادح، كحديث الصوم، المروي عن عبدالله بن عمر، فإنه مضطرب المتن لا السند.
قلت: سيأتي الكلام على المضطرب ـ إن شاء الله تعالى ـ.
والمتن لغة يطلق على معانٍ عينية: كما صلب وارتفع من الأرض، ومتني الظهر مكتنفي الصلب.
ومن السهم: ما بين الريش إلى وسطه، وغيرها.
ومعنوية: كالضرب، والذهاب في الأرض، والمد، والإقامة بالمكان، وضرب الخيام، وغيرها.
واصطلاحاً: المنقول بالرواية من قول أو فعل أو تقرير، فهو نفس الدليل المروي.
والسند لغة: المعتمد، والمقابل من الجبل العالي عن السفح، وضرب من البرود.
واصطلاحاً: طريق المتن، والإسناد مصدر أسنده أي: رفعه، فهو الإخبار عن طريق المتن، ويطلق عند المحدثين على السند، والأول أوجه.
قال صارم الدين (ع): ثم المقبول، إن سلم عن المعارضة، فهو المحكم، وغالبه نص جلي، وظاهر، ومفهوم.
قلت: النص لغة: الظهور، واصطلاحاً ينقسم إلى: جلي، وخفي، ولم يتعرض للخفي بعض أهل الأصول، واتفقوا على ذكر الجلي.
قال في الفصول: هو اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بضرورة الوضع، اسماً، أو فعلاً، أو حرفاً. /346(2/346)


[الكلام على المنطوق والمفهوم]
قلت: محل البحث هذا علم الأصول، وأشير هنا إلى هذه الأقسام، على التحقيق بما يليق بالمقام، فأقول: مدلول القول المفهوم من الخطاب قسمان: منطوق، ومفهوم.
فالمنطوق: ما أفاده اللفظ من أحوال مذكور، والمراد بالأحوال: الأحكام؛ كذا في الغاية وشرحها، ومعناه في شرح العضد.
ولم يشمل التعريفُ المذكورَ الذي تعلقت به الحال، وهو منطوق، فيكون غير جامع.
وعرفه في الفصول، والمعيار، ومختصر المنتهى، بأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، فتدخل الحال، وصاحبها، لكن فيه دور.
وقد أجيب عنه بما فيه بُعْد كما في الطبري؛ فالأولى أن يزاد في الأول مع المذكور، أو يقال: هو المذكور، وحاله المستفادة من الخطاب، وسواء ذكرت الحال أم لا؛ فالشرط في حصول المنطوق ذكر ما له الحال، فإن ذكرت الحال، فصريح، كأقم الصلاة، فالوجوب حال مذكورة، وحكم للصلاة المذكورة؛ وهذا مثال الحكم التكليفي.
ومثال الحكم الوضعي، قوله عز وجل: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } [الإسراء:78]، فإنه دال على سببية الدلوك المذكورة، التي هي من الأحكام الوضعية؛ للوجوب المذكور.
والمراد من ذكر الحال ذكر ما يدل عليها، كالأمر في (أقم) الدال على الوجوب، واللام في الدلوك، الدال على التوقيت بالدلوك، المفيد لسببيته للوجوب؛ وإن لم تذكر الحال، فغير صريح.
فالصريح هو: ما يدل عليه اللفظ مطابقة، بأن يكون تمام المعنى الموضوع له، كعشرة على الخمستين؛ أو تضمناً، بأن يكون جزء المعنى، كدلالتها على الخمسة.
وغير الصريح هو: ما يدل عليه اللفظ بالالتزام، بأن يكون لازماً للمعنى /347(2/347)

45 / 151
ع
En
A+
A-