نفسه؛ فالانتقاد على ابن الصلاح في خلط الرد عليهما، ونسبته الإطلاق إليهما، من هذه الجهة.
وأما قول الأمير: فهذا رد على الخليلي.
وأما الحاكم: فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لايقبل، بل ذكر معناه، ولم يذكر حكمه، فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه، وتلقي الزين، ثم المصنف، لما أورده عليه، بالقبول؛ فليتأمل؛ فعجيب!.
ونقول: قد تأملنا، فوجدنا كلامك غير مصيب، فكلام الحاكم في بيان الشاذ، وقد حكم على ما ذكره بالشذوذ، والشاذ عنده وعندهم غير مقبول؛ وإنما الخلاف في تعريفه، ومتى ثبت فالحكم فيه عند الجميع معلوم غير مجهول؛ ولم أنتقد فيما لا ثمرة فيه، نحو: قوله في أول الباب في تعريف الشاذ: هو: لغة: الانفراد؛ فعرف اسم الفاعل بالمصدر، وحمله عليه، وهو لا يصح عند ذوي النظر؛ ومع هذا فالأفهام سهام، تخطئ وتصيب.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها؟ .... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبه
ولم أورد ـ والحمد لله تعالى ـ شيئاً إلا ما فيه نفع في المقصود، وفائدة للمطلع لمقصد ـ بفضل الله تعالى ـ صالح، وغرض صحيح؛ ولم أبالغ رعاية لمنصب هذين العالمين، الذين جعلا أقصى مرامهما الانتقاد، حتى طرقا السبيل لمن جرى ذلك المجرى إلى هذه الغاية؛ والمعامل الله سبحانه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[بيان أن التفرد غير قادح]
ونرجع إلى تمام كلام ابن الصلاح.
قال: بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه، فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء، نظر فيه؛ فإن كان مخالفاً لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط، كان ما تفرد /338(2/338)


به شاذاً مردوداً.
وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو، ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد؛ فإن كان عدلاً ضابطاً موثوقاً بإتقانه وضبطه، قُبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه.
وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به، فإن انفراده به خارماً له، مزحزحاً عن حيز الصحيح.
قلت: هكذا في كتابه بنصب خبر إن وهو شاذ، وقد استشهد له بورود شيء قليل، متأول في كتب النحو، وفي التنقيح نقلاً عنه: كان انفراده به...إلخ.
وعن مرتبة الصحيح، قال ابن الصلاح: وهو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوته، بحسب الحال فيه.
فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده، استحسنّا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف.
وإن كان بعيداً من ذلك، رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد، الذي ليس في راويه من الثقة والضبط، ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ، من النكارة والضعف؛ والله أعلم.
قلت: وقد أطال في تفصيله، ولم يزد في الشاذ على معنى كلام الشافعي السابق، وهو المخالف.
وأما غير المخالف:
فالأول منه: صحيح غريب.
والثاني: حسن لذاته غريب.
والثالث: ضعيف.
فإن وجد ما يقويه، فهو حسن لغيره، وقد أتى بمعنى هذا الأمير في التوضيح؛ وهو صحيح. /339(2/339)


قال الوزير في التنقيح: أما من تفرد عن العالم الحريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه، ولذلك العالم كتب معروفة، وقد قيد حديثه فيها؛ وتلاميذه حفاظ، حراص على ضبط حديثه وكتبه، حفظاً، وكتابة؛ فكلام المحدثين معقول ـ قلت: أي كلام الرادين بالتفرد.
قال:ـ لأن شذوذه ريبة، قد توجب زوال الظن، على حسب القرائن؛ وهو موضع اجتهاد.
وأما من شذ ـ قلت: أي الشذوذ اللغوي.
قال:ـ بحديث عمن ليس كذلك، فلا يلزم رده؛ وإن كان دون الحديث المشهور في القوة، وإلا لزم قول أبي علي الجبائي: إنه لا يقبل إلا اثنان؛ وكان يلزم أيضاً في الصحابي إذا انفرد عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقول ابن الصلاح: إن التفصيل الذي أورده هو الأولى.
قلت: فيه تسامح، فلم يصرح بها اللفظ، لكنه يفهم من قوله، كما ذكر في التوضيح.
قال الوزير: فيه سؤال، وهو: أن يقال: تريد أن مذهبك هو الأولى، فذلك صحيح، وهو مذهب حسن؛ أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث، فيحتاج إلى نقل.
إلى قوله: والظاهر أن ابن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك ـ قلت: أي قول الخليلي، قال:ـ عن كثير؛ ولهذا قال في نوع المنكر ما لفظه: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ، موجود في كلام كثير من أهل الحديث؛ والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه.
قلت: المختار ما ذكره صارم الدين (ع)؛ لأنه وإن كان العالم وكتبه وتلاميذه على ما ذكره، فليس بممتنع أن ينفرد عنه، ولا موجب لرد خبر الثقة /340(2/340)


الحافظ، الذي ورد الشرع بقبول خبره؛ لمجرد الأوهام والشكوك.
وكان يلزمه في خبر الصحابي؛ لأن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حاله فوق جميع أحوال الخلق في النشر والإبلاغ، وحال الصحابة الملازمين له المتبعين لهديه أبلغ حال؛ وإن لم يكن لهم كتب في السنة، فحفظهم أعظم من كتب أولئك الرجال، فليس لما ذكره مساغ.
قال: فثبت بهذا أن قدح المحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل.
قلت: أي قدحهم بسبب التفرد كما تقدم، ويفيده السياق.
قال: وأكثره ضعيف، إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ، وقد يقع منهم في موضعين:
أحدهما: القدح في الحديث نفسه.
وثانيهما: القدح في راوي الشواذ والمناكير.
[انتقاد على المحدثين]
فإذا ثبت بنقل الثقة عن الحافظ أنهم يعيبون تفرد الثقة بالحديث، وإن لم يخالف غيره، فقد زادوا على الجبائي؛ فإنه اشترط أن يكون الحديث مروياً عن اثنين، ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى، بل وقف في قبول حديثه، حتى يرويه معه آخر، وهذا غلو منكر؛ وقد جرحوا كثيراً من أهل العلم بذلك، وما على الحفاظ إن حفظوا، وينسى غيرهم.
قلت: الحمد لله على موافقة الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير على الحق والإنصاف، وإفصاحه بما عليه أغلبهم من الحيف والاعتساف؛ وذلك أنه لم يكن حال جدال وخصام، وإلا فهو لا يزال يذب عنهم ويرد بكل ممكن في مقامات المنازعة والإلزام؛ وهكذا الحق يحمل على التصريح به بالرغم، وإن /341(2/341)


أبلغ صاحب الخلاف كل ممكن في الكتم، فلا بد من النطق به يوماً ما، وفي حال دون حال، ومقام دون مقام، فقد وضح الحق في خبطهم وجزافهم، وقلة إنصافهم، وسلوكهم غير الطريقة، وقدحهم بلا حجة ولا حقيقة؛ فأي وجه مع ذلك وغيره، يبقى في الاعتماد عليهم، في جرح من جرحوه، وتعديل من عدلوه، سواء أبانوا الوجه أم أجملوه؟
ومع هذا، فإنه جُرِح من جرح منهم بهذا، وهم له معتمدون، وعليه مكبون؛ فكتبهم بذلك مشحونة، كما أقروا بذلك وعلمه المطلعون، فهم في هذا وغيره يقولون ما لايفعلون.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ولا تراهم يشنون الغارة، ويرمون بالقدح والنكارة، في أغلب الأحوال، إلا الرجال الثقات، من أولياء العترة الأثبات، المعدلين بنصوص السنة وصريح الآيات.
وقد تطرف ـ بل تصلف ـ منهم من تصلف؛ ليتخلص عن التشنيع عند نفسه، وعلى مقتضى حدسه، بتحيله في تأصيله، أن التفرد غير قادح في من هو بالغ للرتبة التي زعموها، وأوهموا أنهم علموها؛ كلمة حق يراد بها باطل، فإنهم جعلوا ذلك طريقاً إلى الفرق بين جرح من أحبوا، وتعديل من شاءوا؛ ثم نالوا بذلك جماعة الأولياء، وعصابة الأتقياء.
وهذه قطرة من مطرة من طرائقهم المفارقة للصواب، الذي لا يخفى على أولي الألباب، والله ـ تعالى ـ نعم الحكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هذا، ثم اعترض على ابن الصلاح في قوله: إن حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) من الأفراد الصحاح، وإنه تبع في ذلك غيره، وحكى أن ابن حجر رواه عن عدد كثير من الصحابة، لكن من طرق ضعيفة؛ وقد جمع بين /342(2/342)

44 / 151
ع
En
A+
A-