لمجهول أو نحوه، بصيغة الجزم.
قلت: قوله: (مكلف) مستدرك لإغناء عدل عنه؛ ونحو المجهول: كثير الخطأ، والمجروح؛ ولابد في الأول بعد متصل السند من زيادة (بمثله) أو نحو ذلك، وصيغة الجزم نحو: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ والمراد ما يدل على عدم التردد في الرواية.
قال: والظاهر في صيغتي التمريض والبلاغ ونحوهما الإرسال.
قلت: صيغة التمريض: نحو روي، وذُكِرَ مغير الصيغة، والبلاغ: نحو بلغنا ونحوهما: كنقل، وغير ذلك، مما يفيد عدم الاتصال.
قال: ويتفاوت الصحيح بتفاوت صفاته؛ ومن ثم قدم جمهور أصحابنا أحاديث الأمالي، والجامعين.
قلت: هما المنتخب، والأحكام، لإمام الأئمة (ع).
قال: فإن خف الضبط، وكان له من جنسه تابع أو شاهد، فهو الحسن، وأدلة قبول الآحاد تشمله، وإن انفرد عند أئمتنا والجمهور خلافاً للبخاري، وإن توبع.
قلت: هذا قول البخاري، وأما عمله في كتابه، فقد تقدم ما فيه كفاية.
هذا، والبخاري هو: أبو عبدالله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة؛ كان المغيرة مجوسياً على دين قومه، أسلم على يد اليمان الجعفي ببخارى، فنسب إليه للولاء.
وأما ولده إبراهيم فلم يوقف على شيء من أخباره، هكذا أفاده ابن حجر؛ وقد تقدم ذكر وفاته، ووفاة مسلم، في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى، عند ذكر محمد بن منصور المرادي، في معرض كلام اقتضاه ذلك البحث.
نعم، فصاحب البيت أدرى بالذي فيه؛ فهل يغتر بصنيعهم إلا من ليس له لب أو أعمى البصيرة، أو أغلف القلب؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ وسيعلم/323(2/323)
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
قوله: (وإن توبع) قد تقدمت الإشارة في كلامه إلى معنى المتابعة، والمشاهدة، والاعتبار؛ ولا بأس بزيادة إيضاح معانيها؛ لكونها طريقاً إلى الترجيح، ومسلكاً إلى التقوية والتضعيف، ولكثرة تداولها في عبارات أهل التأليف.
فالمتابعة: أن يشارك الراوي غيره في رواية الخبر عن شيخه، وهذه متابعة تامة.
فإن لم يوجد إلا من يشاركه عن شيخ شيخه، أو من فوقه إلى الصحابي، فمتابعة ناقصة؛ وقد تسمى شاهداً.
فإن لم يوجد من يرويه عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا عن غير ذلك الصحابي الذي رواه عنه، فهي الشاهد؛ فإن كانت بلفظه، فشاهد باللفظ، أو بمعناه، فشاهد بالمعنى.
فإن لم يوجد متابع ولا شاهد، فالخبر من الأفراد، والنظر في وجود التابع أو الشاهد هو الاعتبار.
ونرجع إلى تمام كلام صارم الإسلام.
قال (ع): وبكثرة طرقه ـ قلت: يعني الحسن الذي تقدم قال:ـ يصح عند المجتهد.
قلت: اعلم أنهم اختلفوا في حقيقة الحسن، وفي ما حصلوه من كلام الترمذي على اضطرابه، وكلام غيره على اختلافه، فقال ابن الصلاح: وقد أمعنت النظر في ذلك البحث، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقح لي واتضح، أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لايخلو رجال إسناده من مستور.
قلت: فسروا المستور بتفاسير، قيل: من روى عنه أكثر من واحد، ولم /324(2/324)
يوثق، وقيل: الذي لم تتحقق عدالته ولا جرحه، وقيل: من نقل فيه جرح وتعديل، ولم يترجح أحدهما.
قال ابن الصلاح في تمام الحد: لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه.
قلت: قال في الديباج المذْهب للحنفي، وهو شرح رسالة الشريف الجرجاني: ولعله لو اكتفى بمستور لكفى؛ لأنه لو كان مغفلاً ـ أي منسوباً إلى الغفلة ـ لم يكن مستوراً، بل مجروحاً بوجه.
قال ابن الصلاح: ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا بسبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر.
قلت: أفاد في الديباج أن المثْل: يستعمل في الموافق في اللفظ والمعنى، والنحو: في الموافق في المعنى، فقط.
قال ابن الصلاح: حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه؛ فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
قلت: قال في الديباج: أورد عليه الضعيف، والمنقطع، والمرسل مثلاً؛ تدبر.
قلت: وقد أجيب بأنه يلتزم دخول ذلك في الحسن، على مقتضى كلام الترمذي، بالشرط الذي ذكره من روايته من وجه آخر...إلخ.
وقد ساق في التنقيح كلام ابن الصلاح هذا، وفيه مخالفة يسيرة، وأنا أعتمد نقله من أصل كتابه.
قال في التوضيح: قال الحافظ ابن حجر: إن المعرف عند الترمذي هو حديث المستور.
قال الأمير: ولا يعده أهل الحديث من قبيل الحسن، وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصوراً على رواية المستور، بل يشترك فيه الضعيف؛ /325(2/325)
بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالخطأ والغلط، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف؛ فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة، وهي: أن لايكون فيهم من يتهم بالكذب، ولا يكون الإسناد شاذاً، وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعداً.
قلت: ليس عنده إلا شرطان فقط؛ إذ روايته من وجه آخر...إلخ، تخرجه عن كونه شاذاً، أو منكراً، كما تقدم.
قال ابن الصلاح: القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكراً؛ ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً أو منكراً سلامة الحديث من أن يكون معللاً.
وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي.
قال: وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصراً كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل، معرضاً عما رأى أنه لايشكل، أو أنه غفل عن البعض وذهل. انتهى كلامه.
قلت: والأول يسمى عندهم الحسن لغيره، والثاني الحسن لذاته؛ وهذا القسم الثاني هو الذي عرفه ابن حجر.
قال الأمير: ومثله صنع المصنف في مختصره.
قلت: بل تعريفه هو تعريف السيد صارم الدين (ع)، وهو مخالف للجميع؛ لأنه اشترط مع خفة الضبط أن يكون له من جنسه تابع أو شاهد؛ فقد وافقهم في عدم الفرق بينه وبين الصحيح إلا بخفة الضبط، وخالفهم في الشرط هذا؛ فإنهم لم يشرطوا التابع أو الشاهد إلا في القسم الأول، /326(2/326)
وهذا اصطلاح وبابه واسع؛ ولا يسلم للأمير ما أورده عليه من أنه بصدد اصطلاحهم.
نعم، قال الأمير في التوضيح: ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه...إلى آخره؛ فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين، أي: رسم الصحيح، ورسم الحسن؛ وإنما اختلفت صفة خفته وخلافها، فقد تغايرا تغاير الخاص والعام؛ فكل صحيح حسن وزيادة، كما أن كل إنسان حيوان وزيادة...إلخ كلامه.
قلت: هذا خبط عظيم، وسهو عجيب، لايخفى على لبيب، بل تباينا تباين الفرس والإنسان؛ لانفراد كل واحد بفصل مناف للآخر؛ لأن شرط الصحيح تمام الضبط، كما صرحوا وصرح به، وشرط الحسن خفته؛ فكيف يجتمعان، ويوصف شيء واحد من جهة واحدة بالتمام والنقصان؟ هذا خلف من القول؛ وفيه من جنس هذا كثير قد علقت على بعضه في التوضيح، والله ولي التوفيق.
قال ابن الصلاح: ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجاً في أنواع الصحيح؛ لاندراجه في أنواع ما يحتج به.
قال: وهو الظاهر من تصرفات الحاكم.
قلت: ولا يخفى ما في هذه الرسوم من الانتقادات، والإحالات على المجهولات؛ ولا حاجة بنا إلى الإطناب، فهي لاتخفى على أولي الألباب.
قال السيد صارم الدين (ع): وما لم يجتمع فيه صفات أيهما.
قلت: أي الصحيح، والحسن.
قال: فهو الضعيف.
قلت: هكذا اتفقت عليه رسومهم؛ وقد أنهى أقسامه بعضهم إلى اثنين وأربعين، /327(2/327)