فالأول ضروري بنفس الخبر كالمتواتر لفظاً، أو معنى، أو بغيره كالموافق لضروري.
قال السيد الإمام، صلاح الإسلام: وهو الخبر عن البديهيات، نحو: الواحد نصف الاثنين.
إلى قوله: فلولا تقرره في عقولنا لما علمنا صدق من أخبر به.
قال المؤلف: واستدلالي عقلي، كخبره تعالى.
قال صلاح الإسلام: وهو عند أهل العدل أن الله عدل حكيم لايفعل القبيح.
قلت: لقبحه، وغناه تعالى عنه، وعلمه بهما؛ وفعله لو فرض مع ذلك خلاف الحكمة ضرورة، تعالى الله سبحانه عن ذلك.
قال: وقبح الكذب معلوم ضرورة.
قلت: مع عدم الحاجة إليه، والحكيم يتعالى عز وجل عنها؛ وإنما طوى هذا للعلم به.
قال المؤلف (ع): وخبر رسوله.
قال صلاح الإسلام: دليل صدقه عند أهل العدل أن الله تعالى أظهر المعجز عليه، تصديقاً له، ودليلاً على عصمته، والله تعالى لايصدق الكاذب؛ لأن ذلك قبيح، والله لايفعل القبيح.
قلت: والبرهان عليه ما تقدم.
وشرعي: كخبر الأمة والعترة، وكذا موافقهما.
قلت: ومن المعلوم صدقه ما ذكره بعد هذا البحث، في قوله:
(فصل) وما أخبر به واحد.
قال صلاح الإسلام: أو ما في حكمه إلى الأربعة، بل حاصله مالم يفد التواتر.
قال صارم الدين (ع): بحضرة خلق كثير.
قلت: ضابطه جماعة لايكذب مثلها. /318(2/318)
قال: علم أنه لو كان كذباً لعلموه، ولا حامل لهم على السكوت، فهو صدق قطعاً للعادة؛ وكذا ما أخبر به بحضرة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مما يتعلق بشريعته أو معجزاته، أو نحو ذلك.
قال صلاح الإسلام: كأن يكون مما لايعلم إلا من جهته، كأخبار الآخرة؛ ولم ينكره.
قلت: والأحسن في تحقيقه ما ذكره ابن الإمام (ع) بقوله: ومنه في الأصح ما أخبر به بحضرته (ع) مع دعوى علمه به مطلقاً، أو عدمها، إن كان دينياً لم يعلم خلافه، أو علم ويجوز تغيره، أو دنيوياً لايخفى عليه، ولم ينكره، انتهى.
قال صارم الدين (ع): والثاني: ـ قلت: أي ما يعلم كذبه. قال:ـ نقيض ما علم صدقه.
والثالث: ـ قلت: أي ما يحتملهما. قال:ـ خبر الواحد.
قلت: أي الآحادي، سواء كان واحداً أو أكثر، مهما لم يقطع بصدقه؛ وكثيراً ما يطلقون خبر الواحد، والمراد ذلك، وهذا القسم محرر في علوم الحديث، فيرجع إليه.
[الكلام على الآحادي وأنواعه]
قال: وإن لم يعلم صدقه فهو الأحادي، وقد يظن صدقه كخبر العدل، أو كذبه كخبر الكذاب، أو يشك كالمجهول؛ والعمل به ـ قلت: أي بخبر العدل. قال: واجب لحسن العمل بالظن عقلاً.
قلت: ليس الدليل هذا على قبوله، وإلا لزم قبول خبر بعض الصبيان، وكافر التصريح وفاسقه، الذين يظن صدقهم؛ والعقل إنما يدل على حسن العمل بالظن في جزئيات، يكفي فيها أدنى منبّه، ولو خبر صبي أو كافر صريح، أو أي أمارة ضعيفة لخطر الإقدام، وعدم الضرر في الإحجام، كالإخبار بسمّ الطعام، وقد حققتُ المختار في ذلك بدليله، في الرسالة الموسومة بإيضاح الدلالة، بل المعتمد /319(2/319)
في الدليل على القبول ما أوضحه بقوله: ولإجماع الصحابة المعلوم، ولإرساله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الآحاد، وتقريره المسلمين على قبوله.
قلت: ومتى كان هذا الدليل على القبول، وهو المعلوم، فلا يقبل إلا من كان على صفة من أرسلهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ووقع الإجماع على قبولهم، من أولي العدالة والثقة المحققة، لا ذوي الكفر أو الفسق لا الصريح ولا التأويل؛ لعدم الدليل، بل للدليل على المنع، نحو قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ]} [هود:113]، و {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، ولا يصلح ما ادعوه من الإجماع على قبول المتأول لتخصيص الآي ولا تأويلها؛ لعدم البرهان عليه، وإنما هي حكايات معارضة بحكايات مثلها في الرد.
ومما يبين أنها دعاوى مجردة، أنهم لم يأتوا بقضية واحدة عن أهل الإجماع الذي زعموا في الصدر الأول، تفيد قبول خصم لخبر خصمه أو شهادته؛ ولقد استرسلوا لتكثير الروايات، حتى قبلوا عن المصرح بالكفر أو الفسق المجمع على ردّ روايته، إلا من عصم الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فالراجح البقاء على الأصل الأصيل، الذي هو مقتضى الدليل، وهو الأحوط في الدين؛ كيف، وهو عز وجل يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء:36]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]؟ ولا وجه للتأويل، وإخراج العلم عن حقيقته، وهو عام لايخرج منه إلا ما خص بدليله، وإن كان قد كثر في هذا /320(2/320)
التهويل، والقعقعة بنقل الأقاويل، فالمعتمد الدليل.
قال: ولأن من رده.
قلت: أي الأحادي.
قال: من الإمامية، والبغدادية، والظاهرية، والخوارج، تمسكوا في رده بالظن؛ وإنما فروا منه، ويعمل به في العملي مطلقاً.
قلت: لعله أراد بالإطلاق فيما تعمّ به البلوى وغيره كما ذكر في الأصول.
قال: لا في العلمي كالمسائل الإلهية، ولا في العملية العلمية كأصول الشرائع إلا مؤكِّداً.
قلت: والحجة على ذلك الأصل:
أولاً: أن المطلوب العلم؛ بدلالة نحو قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء:36]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الحج:8]، وكم صدّر الحكيم، في الكتاب الكريم، الأمر باعلم واعلموا، مع ما كرر ـ عز وجل ـ من إبطال الظن، والذم لأهله: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [يونس:36]، وإنما خصصت تلك العمومات بما تقدم من بعث الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والإجماع، وليس ذلك مجمعاً عليه إلا في العمليات الفرعيات؛ فيقر حيث ورد.
ثانياً: أن الله ـ تعالى ـ نهى عن الاختلاف في الدين، وحرمه على العالمين، وتوعد عليه بنصوص الكتاب والسنة، فلا بد من نصب دلالات عليه قطعية؛ لقيام الحجة، وإلا لَعُذِر المخالف فيه، كما في المسائل الاجتهادية الفرعية؛ لخفاء /321(2/321)
الأمارات الظنية، واختلاف الأنظار في المآخذ الاجتهادية، وهو خلاف النصوص القرآنية، ومعلوم السنة النبوية، وإجماع من يعتد به من الأمة المحمدية.
ثالثاً: أن هذه الأصول مما تتوفر الدواعي إلى نقلها، كما قرر في الأصول.
قال (ع): خلافاً لبعض المحدثين، والبكرية؛ وإن خالفهما، رُدّ، إلا أن يمكن تأويله؛ واتفقوا على وجوب العمل به في الفتوى والشهادة؛ فإن رواه فوق اثنين، فهو المشهور، والمستفيض، والاثنان فهو العزيز، أو الواحد فهو الغريب؛ فإن لم يوافقه غيره، فهو الفرد المطلق، كخبر مس الذكر، وإلا فهو الفرد النسبي؛ فإن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد؛ وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار.
قلت: ولهم في تفصيل هذه الأقسام ونحوها، وتحصيلها، كلام طويل، وحصول النفع بالاشتغال به والتكثير منه قليل، بعد معرفة ما سبق من المردود والمقبول، وما يفيد منها قوة أو ضعفاً، أو يحتاج إليه عند الترجيح، لا يخفى على ذي بصيرة كما هو محقق في الأصول؛ وهي في موضوعاتهم قريبة الانتوال، كثيرة الأمثال؛ وقد أصاب المؤلف ـ رضي الله عنه ـ في عدم توسيع الدائرة في ذلك، فلنعد إلى سياق ما هنالك.
[ذكر الصحيح والحسن]
قال (ع): ثم الصحيح من الآحادي عند من لايقبل المرسل: ما نقله مكلف، عدل، تام الضبط، متصل السند، غير معلّ بعلّة قادحة.
والصحيح عند قابله: ما نقله مكلف، عدل، غير مغفَّل، ولا قابل /322(2/322)