والترمذي، قراءتي لجميع كتاب جامع الأصول المشتمل على هذه الكتب؛ فأكثره على مولانا صلاح الدين عبدالله بن يحيى ـ رحمه الله تعالى ـ، واستجزت منه الباقي، وقرأت ذلك البعض على حي والدي، واستجزت منه أيضاً الباقي، فصح لي قراءة وإجازة كله.
ومولانا صلاح الدين يرويه بقراءته عن حي جدي السيد الإمام جمال الدين، الهادي بن إبراهيم، ووالدي يرويه عن حي صنوه محمد بن إبراهيم، فكل منهم يرويه بطريقه إلى مصنفه، كما ذلك مذكور على اتصاله في كتبهما، ومبيّن في إجازات العلماء لهما.
قلت: وقد اكتفيتُ عن إيراد إسناد الكتب الستة، وغيرها من كتب المحدثين، بما أوصلتُ من السند إلى شافي الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، فأسانيدها فيه مفصلة، وكذا بإيصال السند إلى رواتها من أئمتنا (ع) في جميع مروياتهم، كوالدنا الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، والمؤلف السيد صارم الدين، والإمام شرف الدين، والإمام القاسم بن محمد (ع)، وهم يروونها بطرقهم إلى مؤلفيها، وقد اشتملت على ذلك كتب الإجازات، وسنورد السند إليها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وجامع الأصول هذا مؤلفه: أبو السعادات، المبارك بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الجزري الموصلي، المعروف بابن الأثير، المتوفى عام ستة وستمائة، افتتح جامع الأصول بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي أوضح لمعالم الإسلام سبيلاً، وجعل السنة على الأحكام /313(2/313)


دليلاً، وبعث لمناهج الهداية رسولاً، مهد لمشارع الشرائع وصولاً...إلخ.
وهو صاحب النهاية؛ وكتاباه: الجامع والنهاية، معتمدان في النقل عند أهل الرواية، والعمدة على ما صحّ بالطريق على التحقيق عند أرباب الدراية.
وما أحسن كلام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير حيث يقول:
فابن الأثير الوزير لايوازي يحيى بن الحسين الهادي، في علمه وورعه وتقواه وجهاده، ودعائه العباد إلى الله، وإن لم يكن له (ع) مصنف في غريب الحديث والأثر، مثل النهاية؛ لأنه اشتغل بما هو أهم من ذلك. انتهى كلامه.
قلت: أراد لم يكن له (ع) على سبيل الاستقلال المجرد في ذلك الفن؛ ولكن له في علمي المعقول والمنقول من الكتاب والسنن، ما أحيا الله ـ تعالى ـ به معالم الإسلام على أقوم سنن.
ولله المؤلف صارم الدين (ع) حيث يقول:
وفي إمام الهدى الهادي المتوّج بالـ .... ـعلياء أكرم داع من بني مضرِ
من خُصّ بالجفر من أبناء فاطمةٍ .... وذي الفقار ومن أروى ظما الفِقَرِ
وصاحب المذهب المذكور في اليمن الـ .... ـمشهور من غير لا إفك ولا نكرِ
وفي ابن فضل ومن لبّى لدعوته .... وفي مسوّدة تدعو إلى سقرِ
قضت بتسعين مع تسعين معركة .... غرّ كبدر وأوطاس وكالنهرِ
...الأبيات.
نعم، ثم أورد طائفة من مسموعاته في كتب الحديث؛ والأمر كما ذكرت لك من الاعتماد على ما سبق، ولنعد.
قال: المقدمة الثانية: فيما لايسع طالب الحديث جهله، من علومه واصطلاحات أهله، وبيان مذهبنا فيه، مع زيادات فوائد وقواعد، يحتاج إليها /314(2/314)


الشيعي العدلي، ويناضل بها الخصوم في المقام الجدلي.
قلت: أما المعتمد عليه، فقد أحاطت به أصول الفقه بأدلته، وقد سبق طرف نافع من ذلك؛ وأما غيره مما لابرهان عليه، فأجل فائدة في معرفته الرد على مبتدعه، وتجنب طريقته كما أشار إليه.
[حقيقة علوم الحديث]
قال: وأنا أسال الله الإعانة والتوفيق، والسلامة من وعثاء هذه الطريق، فأقول: علوم الحديث هي: القواعد التي تعرف بها أحوال الحديث، وأحوال رواته، وما يتصل بذلك.
قلت: المراد بالحديث والخبر هنا: ما نقل عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من السنة، الشاملة للقول، والفعل، والترك، والتقرير؛ ويطلق على ما نقل عن غيره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أثر؛ وبعضهم يعمم، وبعضهم يفصل؛ فالحديث خاص بما هو عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والخبر عام، إلى غير ذلك من الاختلاف؛ وكل ذلك مرجعه الاصطلاح، ولا حاجة هنا إلى الكلام على معناهما، وبيان أقسامهما، فله مقام آخر هو أخص به.
[المتواتر ومفاده]
قال: ثم إن الحديث، إما إن تعلم صحته بكثرة رواته كحديث الغدير والمنزلة، وقتل عمار، وإمامة الحسنين، فهو المتواتر.
قلت: وهو لغة: المتتابع من الأمور شيئاً بعد شيء بفترة لايتخلل زمان كثير فيكون منفصلاً، ولا قليل فيكون متصلاً، مأخوذ من الوتر.
واصطلاحاً: خبر عدد لا يكذب عادة.
قال: وهو ضروري عند أئمتنا والجمهور، خلافاً للبغدادية، والملاحمية، وبعض الأشعرية.
قلت: فعندهم أنه /315(2/315)


معلوم استدلالاً، والحجة عليهم أنه لو كان استدلالياً لتوقف العلم به على نظر الدليل، ولما حصل لمن لم يكن من أهل النظر كالصبيان، والبُله، والعوام؛ والمعلوم خلافه؛ وإمكان ترتيب الدليل لايوجب الاحتياج إليه، فإن صورة الترتيب ممكنة في كل ضروري، نحو: الاستدلال على أن الأربعة زوج بما صورته الأربعة منقسمة بمتساويين، وكل منقسم بمتساويين زوج؛ وغير ذلك.
قال: وتوقف الموسوي، والآمدي.
ولاتنحصر تلك الكثرة في عدد مخصوص، وأقلها خمسة في الأصح.
قلت: قال المؤلف في الفصول: وضابطه ما حصل العلم عنده.
إلى قوله: الجمهور خمسة، وهو المختار، انتهى.
قال: أو بقرائن تنضم إليه كالإخبار لملك بموت ولد له مدنف مع صراخ، وانتهاك حريم، ونحو ذلك؛ فهو المعلوم بالقرائن، وأنكره الجمهور، ويعز وجوده في الشرع، وقيل: بل يعدم.
قلت: في الفصول، وشرحه، للسيد الإمام صلاح بن أحمد المؤيدي (ع) ما لفظه: المؤيد بالله، والمنصور بالله في رواية رواها عنه القاضي عبدالله، والإمام يحيى، وغيرهم من علمائنا، كالإمام محمد بن المطهر، والسيد محمد بن جعفر، والحفيد في تعليقه، وإليه ذهب إمامنا المنصور بالله ـ أي القاسم بن محمد ـ، وبعض الأشعرية كالرازي، والسبكي، والبيضاوي، وابن الحاجب، والآمدي: يحصل العلم بخبر العدل؛ لكن مع قرينة زائدة على ما لاينفك التعريف عنه.
إلى قول الشارح في حجتهم: بأنا نجد العلم بخبر الواحد مع القرينة من أنفسنا وجداناً ضرورياً لايتطرق إليه الشك، انتهى المراد.
[المتلقى بالقبول]
قال: أو بالنظر، وهو ما حكم بصحته المعصوم كالأمة، أو العترة، فهو /316(2/316)


المتلقى بالقبول، ومختار أكثر أئمتنا، وبعض الأصوليين، والمحدثين، أنه معلوم كالمتواتر.
قلت: البعض من الأصوليين: أبو هاشم، والقاضي عبد الجبار، والغزالي؛ ومن المحدثين: ابن الصلاح، وغيره؛ والمراد بكونه كالمتواتر في القطع بصحته، وإن كان المتواتر ضرورياً، والمتلقى نظرياً.
قال في الفصول: فعلمُ صحته بالنظر.
قال الشارح: بأن يقال: لو لم يكن صدقاً بأن كان كذباً لكان استنادهم إليه خطأ، وهم معصومون؛ ولله درّ المؤلف حيث يقول:
وإن التلقي بالقبول على الذي .... به يستدل المرء خير دليلِ
وما أمّة المختار من آل هاشم .... تلقّى حديثاً كاذباً بقبولِ
قلت: وتفسيره هذا للمتلقى بالقبول أوضح من تفسير غيره.
وأما القسم الذي ذكره ابن الإمام (ع) في الغاية، بقوله: ومنه خبر الواحد إذا أجمع على العمل بمقتضاه للعصمة عن الخطأ، وقيل: مع الحكم بصحته، انتهى. فغير متضح؛ لأنه إن أراد العمل بمقتضاه مع الاستناد إليه، فهو هذا؛ إذ ليس المراد من الحكم إلا العلم بالاستناد إليه، وإن أراد من دون استناد إليه، فغير صحيح، لاحتمال أن يجمعوا على معناه مستندين إلى غيره، كما أشار إليه السيد الإمام المحقق في شرح الفصول؛ ولا يلزم ما ذكره ابن الإمام (ع) من لزوم تخطئتهم في الاستناد؛ لأن المفروض خلافه.
[انقسام الخبر إلى معلوم الصدق والكذب]
نعم، والأكمل في التقسيم ما ذكره المؤلف في الفصول بقوله:
(فصل) وينقسم الخبر إلى ما يعلم صدقه، وإلى ما يعلم كذبه، وإلى ما يحتملهما، /317(2/317)

39 / 151
ع
En
A+
A-