السلام ـ وادعوا للذين قاتلوا علياً (ع) أنهم قاتلوه على وجه التأويل، وأنهم أخطأوا في الاجتهاد، وأنه خفي على من يضرب المثل بدهائه منهم كمعاوية وعمرو، كونهم مبطلين، وتعاموا عما يدل على خلاف ذلك مما رواه الثقات منهم، ووقروهم وعظموهم، ورضّوا عنهم؛ حتى تجاسر بعضهم على تعديل عمر بن سعد، قاتل الحسين (ع).
قال العجلي فيه: تابعي ثقة، روى عنه الناس.
وقال الذهبي في عبيد الله بن زياد: الشيعي لايرضى منا إلا بسب هذا وذويه، ونحن لا نسبه ولا نحبه.
[بيان: السنة والجماعة والرافضة]
واحتجوا على إمامة من تقدم على الوصي (ع) بأحاديث، لا تدل على مطلوبهم المخصوص، وبظواهر لاتقوى على دفع ما دلّ على إمامته من قواطع النصوص، ومَنْ خالفهم في ذلك فهو عندهم مبتدع رافضي؛ لرفضه لإمامة المشائخ الثلاثة، مردود الحديث، سيما إذا كان داعياً إلى مذهبه، وجزموا بأن اعتقاد ذلك أعلى مراتب الطاعة، وسمة يعرف بها أهل السنة والجماعة؛ فإذا وقف على ذلك الشيعي المغرب عن الآثار، هجر الحديث المودع في كتبهم، أو طرت عليه شبهة من شبههم؛ لقصوره عن حلّ الشبه، وعدم اطلاعه على ما ذكره علماؤنا في جوابها؛ وإذا جمع بين طرق الأحاديث، وذكر جواب شبههم في دعوى التأويل والتقديم، اندفع باطلهم بالحق اليقين، كما فعل أصحابنا في علم الكلام وغيره مع سائر المخالفين.
وقد أجاب الشيعة على تسميتهم لهم رافضة، بأن هذا الاسم إنما هو لمن رفض إمامة زيد بن علي (ع)، فمن لم يقل بإمامته فهو رافضي؛ وهذا هو المعروف في هذا الاسم، والسبب في إطلاقه، فهم حينئذ أولى به؛ لأنهم ممن رفض إمامته. /306(2/306)
قلت: وقد تقدم ما يكفي.
وأجابوا عن تسميتهم أنفسهم بأهل السنة والجماعة، بأن تلك هي سنة معاوية وجماعته؛ لأن الحسن (ع) لما تخلى عن الأمر، وهو الإمام المعصوم، حقناً للدماء، وتسكيناً للدهماء، عام إحدى وأربعين من الهجرة، أخذ معاوية البيعة على الناس وسماه عام الجماعة، ومراده عام جماعته في الرضى بإمامته.
ولما أمر بلعن علي (ع) على المنابر في الجمع والأعياد، عام تسعة وأربعين، سماه عام السنة، وقال: والله لأجرينه سنة حتى إذا قُطِعَ، قيل: قُطِعَتْ السنة.
فصار أتباعه إلى يومنا هذا يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة، ويوهمون أن المراد سنة النبي، وجماعة أصحابه، ويأبى عليهم ذلك ما علم مما ذكرنا، ومحبتهم لأعداء العترة، والمناضلة عن خصوم الأسرة.
قلت: وقد سبق ما فيه الكفاية.
قال: الثامن: وهو المهم الأعظم، والخطب الأطم، الذي هلك فيه أهل الزيغ الجاهلون، ولم ينج من الغرق في يمه إلا العلماء الراسخون، أن المحدثين قد أودعوا كتبهم من أحاديث الصفات وغيرها، مما ظاهره التشبيه والتجوير والتحديد، ما يحتاج إلى التأويل الشديد، والحمل على مقتضى قواعد العدل والتوحيد؛ فمن الناس من حملها على ظاهرها فشبه وجوّر، ومنهم من نفاها فعطل وكدر.
قلت: أما من نفى ما لايقبل التأويل، مما عارض حجج العقول، وصريح الكتاب والمتواتر عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقد أصاب الحق، ومقتضى الدليل القاطع المقبول؛ وما لم يكن كذلك فلا بأس بتأويله، مع صحة طريقه وتحقيق دليله؛ فعلى هذا ينبغي حمل كلام صارم الدين (ع)، والله/307(2/307)
الهادي إلى سبيله.
قال: ومنهم من ردها إلى ما قضى به العقل ومحكم الكتاب والسنة، فسلم من ذلك كله؛ وهؤلاء هم العلماء الراسخون، الذين جمعوا بين علمي المعقول والمنقول، وعرفوا حقائق الإعجاز، وحققوا علم المعاني، ودققوا في فهم لطائف الحقيقة والكناية والمجاز، ومنحوا فهماً ثاقباً، وعلماً نافعاً واسعاً، وملكة في التعبير، وقدرة على الاهتداء إلى وجوه الحذف والتقدير، ورد المتشابه إلى المحكم المنير؛ فتجد هذه الأحاديث في أكثر كتب القوم عارية عن التأويل، أو محمولة على تأويل لايصح؛ وتجدهم يسمعونها العوام، والكبار والصغار في المساجد والجوامع، فيوقعون المستمعين في اعتقادات فاسدة، أو تأويلات لا تجري من الأصول المقررة على قاعدة.
ثم ساق فيما لا تعلق له بما نحن فيه، من التحسر على فوت هذا المطلب، والتأسف لموت أعيان الأعلام، وأمان الأنام، والانفراد عمن أدركهم من النجوم الكرام.
...إلى قوله:
ما في الزمان أخو وجد أطارحه .... حديث نجد ولا صب أجاريه
وأقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، والقضية الغادية بالرائحة، وإلى الله سبحانه المشتكى، وحسبنا الله وكفى، وهو نعم المستعان على حوادث الأيام، والمسؤول لحسن الختام.
ولنعد إلى سياق المختار من كتابه، مع الكلام على ما لاغنية عنه في أثنائه، إلى آخر علوم الحديث، لشدة مناسبته للمقصود، وهو حقيق بإفراد فصل معقود. /308(2/308)
الفصل السابع شيء من الفلك الدوار في علوم الحديث
قال (ع): ولنتكلم قبل الشروع في المقصود على مقدمتين وخاتمة لهما.
المقدمة الأولى: في تعيين الأمهات الموعود بالجمع بينها من كتب العترة والمحدثين، والطريق إلى كل منها.
أما طرق أهل البيت (ع) التي أستند إليها، وأعتمد في الرواية عليها، فطريقي في مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وأمالي حفيده الأكرم أحمد بن عيسى بن زيد، التي اعتنى بجمعها علامة الشيعة ومحدثهم، محمد بن منصور بن يزيد المرادي الكوفي، وفي كتاب أصول الأحكام، لمولانا الإمام، الصوام القوام، المتوكل على رب الأنام، أحمد بن سليمان (ع)، وهي قراءتي لها على مولانا السيد الإمام، شيخ العترة الكرام في زمانه، ومفسرها ومحدثها ومفتيها، والمعتني بعلومها، الصلاحي صلاح الدين، بركة أهل البيت المطهرين، عبدالله بن يحيى بن المهدي بن قاسم الحسيني الزيدي نسباً ومذهباً، وطريقته في المجموع هي الطريقة الآتية بالسند الآتي في أصول الأحكام، إلى القاضي جعفر ـ رحمه الله تعالى ـ.
ولي فيه طريق أخرى إليه.
قال رحمه الله: وأنا أروي أصول الأحكام بقراءتي له على حي والدي السيد العالم المتألّه يحيى بن المهدي، بقراءته له على السيد الإمام، الواثق /311(2/311)
بربّ الأنام، المطهر بن محمد، بقراءته له على والده الإمام، محدث العترة الكرام، المهدي لدين الله محمد بن المطهر، بقراءته له على والده الإمام الأعظم المتوكل على الله المطهر بن يحيى، بقراءته له، على الفقيه العلامة، المذاكر الفهّامة، محمد بن أحمد بن أبي الرجال، بقراءته على الإمام الشهيد، السعيد الحميد، أحمد بن الحسين (ع)، بقراءته له على الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، بقراءته على الشيخ العلامة محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، بقراءته له، على مصنّفه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)؛ ولم يبقَ فيه لأحد سماع غيري فيما أعلم.
ثم أورد طريق الأمالي من طريق الشريف عمر بن إبراهيم العلوي، وطريق الجامع الكافي إلى الغزال، وطريق أمالي المرشد بالله، وطريق شفاء الأوام، وطريق أحاديث الإبانة وزوائدها، عن الفقيه العالم الواصل من جيلان، الملاّ إبراهيم.
قال: وهو يروي ذلك بالسند إلى مصنفها ـ رحمه الله ـ هذا لفظه: وطريق كتاب الوافي في أحاديث الفرائض، بقراءته على الشيخ العلامة إسماعيل بن أحمد النجراني.
قال: وهو يرويه بسنده إلى مصنفه العلامة الحسن بن أبي البقاء.
قلت: وقد سبق جميع ذلك مستوفى، والحمد لله.
قال: وطريقي في الذي أرويه من غير هذه الكتب من مصنفات علمائنا، الإجازة الصحيحة.
[طريق السيد صارم الدين إلى الأمهات الست المتضمن لها كتاب جامع الأصول]
وأما طريقي في كتب المحدثين من غير أهل البيت (ع)، فطريقي في الستة التي هي: الموطأ، والبخاري، ومسلم، وسنن النسائي، وأبي داود، /312(2/312)