ومما صنف في ذلك لأهل مذهبنا: مجموع زيد بن علي، والسير للنفس الزكية ـ ومنها أخذ محمد بن الحسن الشيباني ـ وأحاديث كتب الإمام الأعظم القاسم بن إبراهيم وهي نحو العشرين، وقد اشتملت على أحاديث كثيرة، ومصنفات علامة الشيعة ومحدثهم، محمد بن منصور، وهي عديدة، من أجلها: كتاب علوم آل محمد بزياداته.
قلت: أما الزيادات فقد وقع فيها دسّ، كما وقع في زيادات الجامع الكافي، وقد سبق الكلام.
قال: ويعرف بأمالي أحمد بن عيسى.
إلى قوله، حاكياً لقول محمد بن إبراهيم الوزير: هو أساس علم الزيدية، ومنتقى كتبهم، ويذكر فيه الأسانيد.
ومصنفات الإمام الهادي (ع)، وهي ثمانية وأربعون كتاباً، منها: تفسير القرآن ستة أجزاء، ومعاني القرآن سبعة أجزاء، وكتاب السنة.
ومصنفات الإمام الناصر (ع) كالإبانة، والمغني وغيرهما، وقد اشتملت على غرر الأحاديث.
ومصنفات الإمامين: المرتضى وصنوه الناصر، وهي عديدة مشهورة بين الشيعة، نافعة ومفيدة.
ومصنفات الإمام القاسم بن علي العياني، وولده الحسين بن القاسم، وقد بلغت مصنفاته إلى السبعين؛ وكذا مصنفات غيرهم من الأئمة وأتباعهم.
...إلى قوله: ومن الشائع على الألسنة، أن يحيى(ع) كثيراً ما يوافق أبا حنيفة، والناصر (ع) كثيراً ما يوافق الشافعي؛ وممن ذكر ذلك الفخر الرازي في كتابه الشجرة، الذي صنفه في أنساب العترة المطهرة؛ وليس كذلك؛ وإنما الهادي (ع) يوافق قوله قول أهله الذين بالكوفة، ويعتمد على ما رووه، وأبو حنيفة كثيراً ما يوافقهم؛ لاتحاد البلد والسند، وقد عدّه قوم من جملة علماء /291(2/291)
الزيدية.
...إلى قوله: وكان الشافعي يرجح أقوال أهل الحجاز على أقوال أهل العراق أخباراً ومذهباً، وغيره على عكس ذلك.
وروى السيد العلامة أحمد بن مير الحسني، القادم من جيلان بكتاب الجامع إلى اليمن، في زمان الإمام المهدي علي بن محمد (ع)، أن أبا الطاهر أحمد بن عيسى بن عبدالله كان يناظر علماء المدينة، ويقول بقول علماء الكوفة، فقال بعضهم: يا أبا الطاهر لا تفعل، فإن الوادي من هاهنا سال، فقال: أجل، من هاهنا سال؛ لكنه استنقع عند أولائك، وبقيتم أنتم بغير شيء ـ يعني بالوادي علياً (ع) ـ.
قال: ونظير هذا ما روي أن رجلاً من أهل الحجاز قال لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم.
فقال: نعم، ثم لم يعد إليكم.
وكذلك كتب السادة الهارونيين: السيد الإمام أبي العباس أحمد بن إبراهيم، والسيدين الإمامين أبي الحسين المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وصنوه الناطق بالحق أبي طالب يحيى بن الحسين؛ فقد أحاطت بالجملة أحاديث الأحكام، سيما التجريد وشرحه، والتحرير وشرحه، ومنه اختصر القاضي زيد بن محمد تعليقه المعروف بشرح القاضي زيد.
قلت: عندي نسخة منه، نسخت غرة الحجة، عام ثلاثة وأربعين وأربعمائة، فيكون لها إلى عصرنا هذا عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف من الأعوام، تسعة وعشرون وتسعمائة عام، ألف سنة إلا واحداً وسبعين عاماً، وهي مع هذا أقوى من نسخة تنسخ في العصر بياضاً وكتابة؛ ونسخة التحرير من شعبان، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، ونسخة الإفادة على مذهب الإمام المؤيد بالله (ع) أحسبها من ذلك العصر، إلا أن الكاتب لم يؤرخها. /292(2/292)
ومن تهذيب الحاكم الجشمي - رضي الله عنه - في التفسير، نسخت في رجب، عام خمسة وثمانين وستمائة، ولايقدر أن يمكن تحصيل ما يقاربها في القوة، وإتقان الخط وحسنه، ولو اجتهد أن ينسخ في الزمان هذا على أبلغ الوجوه لم يعد بجنبها في شيء؛ والله أعلم إلى أي حين تبقى، فسبحان من لايفنى.
وبهذا يعلم فضيلة القلم على الطبع، الذي قد رغب فيه، ومال إليه، كثير من أهل هذه الأعصار، لقرب انتواله، واستغنوا به عن النسخ الخطية، بل صار بعضهم لا يلتفت إليها مهما وجد المطبوعة، ولم ينظر إلى سرعة ذهابها.
وقد وقعت العناية ـ بحمد الله ـ في تنسيخ كثير من مؤلفات آل محمد النافعة العزيزة، كشرح التجريد، والشافي، والاعتصام، وأنوار التمام؛ والمرجو من الله التيسير، وتحصيل الطيب الكثير.
وهذا لحث أولي العلم المحتسبين للأعمال المقبولة، والآثار المكتوبة ـ إن شاء الله تعالى ـ ولأمر ما تَمَدَّحَ العليم الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم؛ والحمد لله على ما أنعم.
قال السيد صارم الدين (ع)، والكلام في شرح القاضي زيد: وأودعه محاسن الأخبار، وجواهر الآثار.
...إلى قوله: وكتاب أصول الأحكام، للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)، وعليه يعتمد أهل المذهب الشريف، في أحاديث التحليل والتحريم بلا نزاع منهم، من زمانه (ع) إلى وقتنا؛ لتقدمه وشهرته، واستيفائه لحججنا وحجج المخالفين، والرد عليهم؛ وجملة أحاديثه ثلاثة آلاف حديث، وثلاثمائة واثنا عشر حديثاً.
[الرد على من انتقد الآل في الاستدلال]
قلت: ومن لا رسوخ لقدمه في مجال علوم الآل، ولا عرفان لحقائق قواعدهم، يكثر الانتقاد عليهم في الاستدلال، وذلك في نحو تقديمهم لتأويل الخاص، أو حمله على النسخ على بنائه على العام، ولم يفقه أن ليس ذلك إلا/293(2/293)
لوجوه صحيحة؛ وهي إما أن يكون الخاص ضعيفاً عندهم، أو لم يثبت إلا من طريق الخصم، فيجارونه بذلك على فرض الثبوت؛ إذ هو أدعى إلى القبول من الرد، أو لقوة العام؛ إذ قد يكون من المنزل الرباني، والكلام القرءآني، أو المتواتر النبوي، والخاص بخلافه، أو روي بطريق أصح، ومذهبهم تقديمه كما صرح به في شرح التجريد في بحث الخضراوات، وفي الشفاء في الصلاة في الأوقات المكروهة، وغير ذلك.
أو لأنه لايبنى الخاص على العام مع جهل التاريخ؛ فهي مسألة مختلف فيها؛ والمختار البناء مع جهل التاريخ، ومع كونه من القرآن أو متواتر السنة في الفروع، خلاف ما كنت ذكرته في فصل الخطاب لما صح عندي.
وما أحسن قول السيد العلامة، عبدالله بن علي الوزير:
يُبنى العموم على الخصوص بأربع .... صور على القول الأجل فقل أجلْ
مع جهل تاريخ وعند تقارن .... وتفارق زمناً يضيق عن العملْ
وكذا بمتسع يكون خصوصه .... متقدماً والعكس نسخ لم يزلْ
وليس للخصم أن يلزمهم بمذهبه، والعمدة الدليل؛ وقد استوفيت الكلام على هذا بحججه في فصل الخطاب، والله الموفق للصواب.
أو يراهم يستدلون بالعام أو المطلق، على الخاص أو المقيد، وإنما ذلك اكتفاءاً منهم وإحالة على ما عرف من التخصيص والتقييد، المصرح به في غير ذلك المقام، فيقصدون أنه دلّ مع الخاص أو المقيد على ذلك.
وعلى الجملة، إن معظم الخبط والزلل من عدم التحقيق، وثبوت القدم، في علوم أئمة العلم والعمل.
وابن اللبون إذا ما لز في قَرَنٍ .... لم يستطع صولة البُزْل القناعيسِ
فكيف يحسب أن أولئك الأئمة الأعلام ـ نجوم الإسلام، وهداة الأنام، الذين خضع لعلومهم وتحقيقهم أرباب العقد والحل، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولوا الفضل ـ لا يعلمون ما وقف عليه في مختصرات الأصول، ومدارس الابتداء، وهم أولوا الحل والإبرام؟
وما أحق الجواب على هؤلاء /294(2/294)
الأفدام بقوله:
فقل لمن يدّعي في العلم معرفةً .... حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ
وهذا عارض لقصد النصح، وبيان الحق لذوي الأحلام، لا مجاراة الطغام، كما يعلم الملك الخبير، وهو حسبنا ونعم المولى ونعم النصير.
قال السيد صارم الدين (ع): وكتاب شمس الأخبار للشيخ العالم علي بن حميد بن أحمد القرشي، وهو كتاب نفيس؛ وكتاب شفاء الأوام للأمير الكبير، المكنى بأبي طالب الصغير، الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى ابن الهادي إلى الحق، وهو كتاب جليل محتو على ما في أصول الأحكام.
قلت: وما في غيره، وقد التزم تصحيح ما فيه، إلا أنه قد صرح بقبول المتأول؛ فمع حذف الأسانيد، فالتصحيح عند من لم يقبلهم لا يفيد إلا أنه قد جمع فأوعى، وأتى بالكثير الطيب من الأخبار والأقوال، المضافة إلى نجوم أئمة العترة وعيون علماء الشيعة، من كتبهم المعلومة؛ وفيه من إعمال الأدلة، والحجج القيمة ما يشفي العلة، وينقع الغلة.
قال صارم الدين (ع): وهو غاية ما يعتمده أهل الزمان من أهل المذهب.
قال مولانا عز الدين محمد بن إبراهيم: ولا شك في كفايته للمجتهد، وهو في كتب الزيدية مثل كتاب سنن البيهقي في كتب الشافعية، الذي قال في حقه الجويني: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي، فإن المنة منه على الشافعي.
يعني بعنايته بأحاديث مذهبه، والكلام على أسانيدها وتصحيحها، وذِكْر شواهدها وتنقيحها، على طرائق المحدثين، لا على طرائق الفقهاء الخلص، كما فعل الجويني في كتابه النهاية، وتلميذه الغزالي في كتابه /295(2/295)