والتشيع ـ بحمد الله ـ بصنعاء قديم وحديث، يدين به أشرارها وأبرارها؛ ولذلك قال السلطان عمر بن علي بن رسول: صنعاء زيدية حتى أحجارها.
ولاختصاص عمر بن عبد العزيز بهذه الفضيلة، وغيرها من أفعاله الجليلة الجميلة، كردّ فَدَك على أولاد السبطين بعد زمان، وتصديقه لدعوى الزهراء بلا طلب حجة ولا بيان.
قلت: والحجة على صحة قولها معلومة، واليد قد كانت لها، ولو لم يكن إلا إجماع العترة الأربعة ـ صلوات الله عليهم ـ، فكيف وهي معصومة، وقد غضبت، والله يغضب لغضبها، ومعها سيد الوصيين، وهو مع الحق، والحق معه والقرآن.
قال صارم الدين (ع): قال فيه الباقر (ع): إن نجيب بني أمية يبعث يوم القيامة أمة وحده.
وقد كان من سبقه من سلفه، ولحقه من خلفه، إلا من عصم الله، يقتلون من اسمه علي، فعدل كثير ممن يحب التبرك بهذا الاسم إلى التسمية بعُلَيّ مصغراً؛ وكان العلماء لايفصحون باسمه (ع) في الرواية، ويكنون ولايصرحون بمذهبه لسائل؛ وكان الحسن البصري إذا حدث عنه يقول: قال أبو زينب؛ وكان غيره يقول: قال الشيخ.
وعن عبد الرزاق أنه قال: لو أن بني العباس جاروا كل الجور ما بلغوا جور بني أمية.
ثم إن الله تعالى أزال ملكهم، وقدر على أيدي بني العباس دمارهم وهُلكهم، وانقطعت دولة آل حرب وبني مروان، لنحو من ألف شهر من الزمان، وصار الملك ثابت الأساس، في ولد أبي الأملاك، علي بن عبدالله بن /286(2/286)


العباس.
...إلى قوله: حتى انقطع ملكهم عن ستة وثلاثين خليفة، بعد مضي مدة من الأيام، تنيف على ثلاثة وعشرين وخمسمائة عام، اتخذوا فيها مال الله دولاً، وعباده خَوَلاً.
قلت: وقد حَصَرْتُ الجميعَ في القصيدة المسماة عقود المرجان، صدرها:
عجباً لهذا الدهر من دهر .... ولأمّة مهتوكة السترِ
قال: فلما تفحش ظلمهم، وجار على العباد حكمهم، نابذهم أئمة أهل البيت (ع)، وأنكروا ما ارتكبوه من منكرات الأقوال والأفعال، وتفويضهم أمور المسلمين إلى جبابرة العمال؛ إذ كان من رأيهم الخروج على الظالمين، وعدم المداهنة في أمر الدين، سيَّما لمن فحش جوره، وعدى في الطغيان طوره، كأبي الدوانيق.
...إلى قوله: وتبعه في ذلك جميع أقاربه وعماله وأجناده، وكل من ولي الخلافة بعده من أبنائه وأحفاده وأهل سواده؛ فإنهم تَتَبعوهم قتلاً وأسراً وتطريداً، وعذبوهم في الحبوس المظلمة عذاباً شديداً؛ حتى كانوا لايعرفون أوقات الصلوات الخمس إلا بفراغ الأوراد، ونَكَؤُوهُم النكاية التامة، وصرفوا عنهم قلوب الخاصة والعامة، وأمروهم باتباع الفقهاء الأربعة، وبنوا لهم المدارس، وأجروا لهم الأموال وخلعوا عليهم الخلع النفائس، وغمروا ذوي المعارف منهم بالعوارف، وألقوا إليهم أزمة الأقضية والوظائف، وعظّموهم ورفعوا من قدرهم، واتخذوهم لهم بطانة في جميع أمورهم، وألبسوهم السواد الذي هو شعارهم، وجعلوا لهم مقامات يجتمعون فيها في الحرم الشريف، والجوامع الكبار، ويصلون فيها أربع جماعات بأربعة أئمة في وقت واحد، خاصة في صلاة المغرب، كما حكاه الدامغاني؛ فهي إلى الآن بدعة ثابتة، يفتخر بها أخيارهم /487(2/287)


وأشرارهم؛ ونفروهم عن مذهب أهل البيت ومحبتهم، والاشتغال بعلومهم ومعرفة أقوالهم؛ فلا تجد لهم في كتبهم ذكراً، ولا تسمع لهم في مصنفاتهم خَبَراً ولا خُبْراً، وتراهم يذكرون مذاهب جميع من على وجه الأرض من سعيد وشقي، وعدوّ وولي، ويتركون ذكر ذرية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وينسبونهم وأتباعهم إلى البدعة، ويسمونهم الرافضة، وينكرون على من قلّد غير الفقهاء الأربعة، ويعدون ذلك غاية الجهل والضعة؛ حتى قال الذهبي في تاريخه: إن الناس صاروا على خمسة مذاهب، خامسها مذهب الداودية؛ وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز واليمن؛ لكنه معدود في أقوال أهل البدع كالإمامية. انتهى كلامه.
[الإشارة إلى تقلص المذهب الشريف الزيدي وانقباضه]
ولو ذكرنا كثيراً من كلامهم، وما يصدر عنهم من الأقوال القبيحة في حق أهل البيت (ع) لطال في ذلك الشرح، ولنكأنا الجُرْح بالجرح؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، والله المستعان على ما يصفون.
ولا شك أن للدول تأثيراً عظيماً، وضرراً ونفعاً جسيماً، في طي المذاهب ونشرها، وخِذلان أربابها ونصرها؛ وهذا أمر معلوم بالوجدان، لكل إنسان، جار في الألسنة مسموع في الآذان، مدرك بالعيان.
وبالجملة، فما قام لأهل البيت إمام، ولا استقر لمذهبم نظام، إلا بالسيف المسلول، والقتال لفريق النصب المخذول، بعد إبطال شبههم المضمحلة، والاستظهار عليهم بظواهر الحجج وقواطع الأدلة؛ وكفى دليلاً على ما أراد الله من تأييد دينه ببقائهم، والرجوع في متشابهات الكتاب والسنة إلى علمائهم؛ إذ هم أحد الثقلين، المأمور بالتمسك بهما.
...إلى قوله: ظهور علومهم، مع سعي خصومهم في طمسها وإخفائها، ونماء ذريتهم، مع اجتهاد عدوّهم في استئصالها وفنائها، وأن أضدادهم مع ملكهم /288(2/288)


لأقطار البلاد، واستمالتهم ببذل الرغائب لقلوب العباد، لا يذكر لهم علم ولا أهل، ولا يعرف لهم بعد الموت أتباع ولا نسل؛ فيا عجبا من تمالي المسوِّد والمسُوْد، كأنهم خرجوا من وراء السد المسدود، كما قال قائلهم في المعنى المقصود:
لقد مال الأنام معاً علينا .... كأن خروجنا من خلف ردمِ
قلت: وهو من قصيدة للإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقبله:
فعدّ عن المنازل والتصابي .... وهات لنا حديث غدير خمِّ
فيا لك موقفاً ما كان أسنا .... ولكن مرّ في آذان صمِّ
...البيت، وبعده:
هدينا الناس كلهم جميعاً .... فكم بين المبيّن والمعمي
فكان جزاؤنا منهم قراعاً .... ببيض الهند في الرهج الأحمّ
هموا قتلوا أبا حسن علياً .... وغالوا سبطه حسناً بسمِّ
وهم حظروا الفرات على حسين .... وما صانوه من نصل وسهم
وزيد أوردوه ظبا المواضي .... فكم جرم أتوه بعد جرم
وأولاد الهمام الشيخ منّا .... هداة الناس من ظُلَم وظُلْم
ولم أر هالكاً كقتيل فخٍ .... فيا لك من وسيع الباع ضخم
أئمة أمة جهلت هداها .... بخدعة مارق وشقاق غتم
هموا قدحوا زناد النار فينا .... فقاموا عن خديج غير تمِّ
وكم متشيعٍ عادٍ علينا .... بآنس أو ديار بلاد قمّ
وجبري ينازعنا هدانا .... كذي خَطَل يعرفني بإسمي
أنخطي رشدنا وتصيب رشداً؟ .... كمن يقضي على علم بوهم /289(2/289)


أطيعي مرشديك وشايعيهم .... فإن ساعدتني فَخَلاك ذمي
هموا جهلوا سبيل الرشد فينا .... فأعقبهم بها غماً بغم
ومنها:
أخي من كان يهديني لرشدي .... وليس أخي هو ابن أبي وأمي
ومنها:
تشابه أهل ملّتنا علينا .... فلم يدر الأخص من الأعم
ينازعني أناس أمر ديني .... وهَمُّهُمُوا لعمرك غير همِّي
وقد أرشدتهم وطلعت شمساً .... لهم في ليل خطبٍ مُدْلهمّ
...إلى آخرها.
قال: ولكم سعوا في خفض منارهم، وإطفاء معارفهم ومحو آثارهم، ومضى على ذلك منهم القرون، واستمر عليه الأولون والآخرون، وأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولم يزل العلماء الأعلام، من فضلاء أمة محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - مقبلين على علمي الكتاب والسنة، ومعملين في نصرهما لسيوف الاحتجاج ومواضي الأسنة؛ والمتقون منهم البررة، معترفون في ذلك لعلماء العترة المطهرة، مغترفون من علومهم الزاخرة، مقتبسون من أنوار معارفهم الزاهرة، مقدّمون لهم في الدراية، ومستكثرون في النقل عنهم وصارفون إلى محفوظاتهم العناية.
ولقد حكي عن جابر الجعفي أنه كان يحفظ عن الباقر (ع) ثمانين ألف حديث.
وعن الحافظ ابن عقدة أنه كان يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم.
إلى غير ذلك مما يطول الكلام بذكره.
[إشارة إجمالية إلى بعض مصنفات أئمة العترة واشتمالها على الكنز الثمين من السنة]
ثم بسط في بيان كتب الحديث.
...إلى قوله: /290(2/290)

34 / 151
ع
En
A+
A-