وعيسى، وأخويه إبراهيم بن الحسن، والحسن بن الحسن المثلث، وعيسى بن زيد، وموسى الكاظم، وعبدالله بن موسى، والحسين بن علي الفخي، والحسن بن محمد بن عبدالله، ومن لا يأتي عليه العدّ من سادات الآل.
وأما الشام، فإنها دار النصب التي انتصبت بعقوتها أصنامه، وعكف عليها جهاله وطغامه.
وأما الجزيرة وعمان، وديار ربيعة وسجستان، فديار الخوارج المارقين.
وأما سائر البلاد، والأمصار، فأخلاط، شيعة، وسنية، ونواصب، وخوارج.
[ذكر ما منَّ الله به على اليمن بإمامة الهادي إلى الحق (ع)]
ثم غلب التشيع بالمخلاف الأعلى من مخاليف اليمن الثلاثة، وهو: صنعاء وصعدة وذمار، وأعمال هذه المدن الكبار، إلى منكث وجيشان؛ وذلك ببركات إمام اليمن، الذي قال فيه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يخرج في هذا النهج رجل من ولدي، يحيي به الله الفرائض والسنن))، وتواترت بظهوره البشارات، عن أمير المؤمنين (ع)، وغيره من أكابر العترة الطاهرين؛ وهو الإمام الأعظم، وطود العترة الأشم، المشابه للوصي في خلقه وخلقه وشجاعته، ونصرته للإسلام وعلمه وبراعته، المخصوص بعلم الجفر وبذي الفقار، من بين سائر الأئمة الأطهار، عَلَم الأعلام والفواطم، الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (ع).
وإلى ما ذكرنا من خصائصه أشار الداعي /281(2/281)


الإمام، يحيى بن المحسن بن محفوظ في أرجوزته، حيث قال:
وأعلن القاسم بالبشارهْ .... بقائم فيه له أمارهْ
من الهدى والعلم والطهارهْ .... قد بثّ فيه المصطفى أخبارهْ
قلت: قد سبقت.
قال: وإلى الكتاب المذكور أشار أبو العلاء المعري بقوله:
لقد عجبوا لأهل البيت لما .... أتاهم علمهم في مسك جفرِ
وكان قدومه (ع) من الحجاز إلى اليمن، في عام ثمانين ومائتين.
قال الإمام المنصور بالله (ع): ودخل الإمام الهادي (ع) صنعاء، وكان أهلها جبرية، وفيهم سبعة آلاف عالم من علماء العامة، مبرزون في أنواع العلوم، وعلم الحديث بها حينئذ فتي الشباب، قشيب الثياب، ومن عيون حملته يومئذ جماعة من أصحاب المحدث الكبير، الإمام الشهير، عبد الرزاق، كإسحاق الدبري شيخ الإمام الشافعي، وإبراهيم بن سويد الشامي، وإبراهيم بن برة الصنعاني، والحسن بن عبدالأعلى البوسي، وغيرهم.
ومن أهل الفقه: كالقاضي يحيى بن عبدالله بن كليب النقوي.
وقصة اختيار علماء صنعاء للنقوي أن يراجع الإمام الهادي، ومراجعته له، وإفحام الإمام له في تسعة أحرف، كما حكاه الإمام المنصور بالله (ع) ـ مشهورة.
وقد أفردت في فضائله (ع) ومناقبه العلية، مصنفات جمة، من أحسنها: كتاب الفضائل اليحيوية.
وببركة دعوته وهدايته، وسعيه المشكور وحميد عنايته، وجهاده للقرامطة الملحدة، وبغاة الجفاتم ومن انضاف إليهم من المسودة، استقر المذهب الشريف باليمن، ودام سلطان أهل البيت إلى هذا الزمن؛ فمنته لأهل المذهب شاملة، وسحائب هدايته عليهم هاطلة. /282(2/282)


قال الإمام المنصور بالله: ليس أحد من أهل مذهبنا إلا وللهادي عليه منَّة.
وكذا قال الديلمي في كتابه التحقيق، والفقيه حميد في الحدائق.
ولم يزل من بعده من أئمتنا من أولاده وغيرهم يهتدون بمناره، ويقتفون على آثاره.
[ما منَّ الله به على طبرستان وجيلان وديلمان ببركة أئمة العترة]
وكذا ظهر سلطان التشيع واتسع، وعزّ جانبه وامتنع، بناحية طبرستان، وبلاد جيلان وديلمان، ببركة الإمام الولي، الناصر للحق الحسن بن علي، الذي قوي به الإسلام وظهر، وأسلم على يديه ألف ألف من عبّاد الشجر والحجر، واعتصمت ببركته من الطوفان، جبال جيلان وديلمان.
وقال في ذلك لنوح (ع) لما سأله عن ذلك الشأن: إنها مهاجر الشيخ الأصم، من ذرية من ختمت به النبوة، وبأمته الأمم.
وبعظيم جهاده، وقويم اجتهاده، بعد الداعيين، والمقتصدين الأكرمين: الحسن بن زيد، وأخيه محمد بن زيد (ع)، ألقى الإسلامُ جرانه في تلك البلاد، واستمر مذهب أهل البيت فيها إلى يوم التناد.
واليحيوية، والناصرية، هما فريقا الزيدية، وخلاصة أتباع العترة الزكية.
[أمر أهل البيت (ع) ظاهر رغم شدة وطأة عدوِّهم]
...إلى قوله: ولم يزل أمر أهل البيت في كل زمان ظاهراً، وسلطانهم الديني لسلطان عدوهم الدنيوي قاهراً، مع شدة وطأة خلفاء الدولتين: الأموية والعباسية، وميل السواد الأعظم إليهم من الخاص والعام، واستيلائهم على جميع ممالك الإسلام.
إلى قوله: وكانوا جميعاً مجتمعين على عداوة العترة وشيعتهم، وعلى المبالغة فيها.
إلى قوله: وكان عمالهم في جميع الأمصار، يعرضون الناس على البراءة من علي/283(2/283)


(ع) والسيوف مسلولة، والأنطاع ممدودة، لضرب أعناق من تخلّف عن البراءة؛ وكان جمهور الخلق لهم أتباعاً، ولا يستطيع أحد لأمرهم مخالفة ولا امتناعاً، وكان المؤمن التقي في تلك الأزمنة دينه التقيَّة، وهي الغالبة على من بقيت له فيه من الدين بقيَّة؛ ولقد كانت السنن في أيامهم باطنة خافية، والبدع ظاهرة فاشية، يسمونها سنناً، والسنن بدعاً؛ حتى أن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ لما أمر برفع اللعن في أيام خلافته، ونهى عنه في جميع مدائن الإسلام.
إلى قوله: فخطب أول جمعة، فقرأ مكانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...} الآية [النحل:90].
قلت: وقد سبق إلى جعل هذه الآية الشريفة الجامعة خاتمة للخُطَب، الوصي ـ صلوات الله عليه ـ كما رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في أماليه؛ فالعادل الأشج ـ أحسن الله مكافأته ـ متبع لأثره، ومهتد بنوره.
وقد اشتهر أن عمر بن عبد العزيز ـ تولى الله مكافأته ـ أول من وضعها، والأمر كما ذكرت لك؛ وإنما جدد سنة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بعد أن ضيعها من ضيعها، وأزال سنة أعداء الله وأعداء رسوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم.
قال في الكشاف: وحين أُسْقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ أُقيمت هذه الآية مُقامها؛ ولعمري، إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً؛ ضاعف الله لمن سنها غضباً ونكالاً وخزياً، إجابة /284(2/284)


لدعوة نبيه: ((وعاد من عاداه)). انتهى.
[المخذول عمرو بن شعيب ـ ومصرع ابن أبي البغل]
قال صارم الدين (ع): فقام إليه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: السنة السنة يا أمير المؤمنين.
فقال له عمر: اسكت قبّحك الله، فتلك البدعة.
ومضى في خطبته.
قلت: هذا مأثور مشهور؛ وقد روى الإمام المرشد بالله (ع) في الأمالي، وقوع آية للذي أراد جمع حديث عمرو هذا، فيه عبرة للمعتبرين؛ فبعداً للقوم الظالمين.
قال صارم الدين (ع): قال الذهبي في التذكرة: قال سعيد بن عبد العزيز: كان الزهري يلعن من حدث بحديث: ((وكنت نهيتكم عن النبيذ فاشربوا))، فقيل له: يرويه عمرو بن شعيب، فقال: إياه نعني.
قلت: وهو مقدوح فيه عند أهل الحديث، كما ذكره في الميزان، ومن روى عنه من أئمتنا فللاستشهاد والاحتجاج على الخصم، كما تقدم؛ وإلا فليس بعد تصريحه بالفسوق تصريح، فكيف يركن عليه، أو يثق به بعد علمه بما صنعه على رؤوس الأشهاد، وافتضح به عند الله وعند العباد ـ مَنْ له دين صحيح؟
قال: ولما رفع إلى عامل صنعاء بكتاب عمر، فتركه، فقام إليه ابن أبي البغل الصنعاني، فقال: والله لأركبن بغلتي إلى الشام لمراجعة عمر في قطع السنة، فإن أعادها، وإلا أضرمت الشام عليه ناراً.
ثم ركب، وخرج مغاضباً، فلحقه أهل صنعاء إلى المنجل (الموضع المعروف من غربيها) فرجموه بالحجارة حتى غمروه وبغلته، وهو الموضع الذي يرجم هنالك إلى الآن، كما يرجم قبر أبي رغال؛ /285(2/285)

33 / 151
ع
En
A+
A-