ذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا إشارة إلى خبر العرض، وقد تكلمت فيه بما وفق الله ـ تعالى ـ إليه في فصل الخطاب، وفي الحجج المنيرة.
[تعداد تفاسير الأئمة ـ وإشارة إلى ما طرأ على السنة من الدسِّ]
قال: وقد اعتنى علماء القرابة، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، بتفسيره وتأويله، وبيان محكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وحلاله وحرامه، وسائر أحكامه؛ فمنهم المقصر والمطول، والمتوسط والمعتدل؛ وليس أحد من أئمتنا وعلمائنا إلا وله تفسير كامل، أو كلام على كثير من الآيات؛ فللقاسم (ع) تفسير، وللهادي (ع) تفسير سبعة أجزاء، وللناصر الكبير (ع) تفسير، وكذلك للمرتضى، وأخيه الناصر، ولعلي بن سليمان بن القاسم، وللحسين بن القاسم، وللناصر الديلمي، وللمنصور بالله (ع) تفسير الزهراوين، ولغيرهم من علماء أهل البيت (ع)، وشيعتهم كمحمد بن منصور من المتقدمين، وغيره ممن يطول ذيول الكلام بذكره من الأولين والمتأخرين.
ولقد حكى الذهبي في ترجمة الإمام العلامة محمد بن يوسف القزويني الزيدي مذهباً، أحد تلامذة القاضي عبد الجبار، أنه جمع تفسيراً كبيراً لم يسمع في التفاسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، وهو سبعمائة مجلد كبار، وأنه فسر قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ }...الآية [البقرة:102]، في مجلد، والفاتحة سبعة أجزاء؛ وحكى الذهبي أيضاً: أنه دخل عليه الغزالي، فوقف بين يديه، وتتلمذ له. /276(2/276)


وأما السنة النبوية، والأحاديث المصطفوية، والآثار الصحابية، المروية عن سادات السلف، وعيون قادات الخلف؛ فإن الملاحدة وغيرهم من المبتدعة، ممن شرد على الله، وافترى الكذب على رسوله، وأهل بيته وأصحابه، وخلفهم الصالح، من موارق الخوارج، وعتاة النواصب، وغلاة الروافض، وطغام الجبرية، والمشبهة، وهمج القصاص، والوعاظ، والحشوية، وأغتام الظاهرية، والكرامية، والخطابية، وغيرهم من أهل الاعتقادات الردية، والمقالات الفرية ـ استرسلوا في وضع الأحاديث والآثار، حتى طار ما اختلقوه كل مطار، وانتشر ذلك في الأنجاد والأغوار، وسار في ديار الإسلام ما لم يسر قمر حيث سار، وكاد يغلب في الكثرة ما يعتمد عليه من صحيح الأخبار، وجعله ذريعة إلى الباطل كثير من الأشرار، وسواد عظيم ممن ليس له معرفة بالحديث من الأخيار، من عوام المتفقهة، ونساك المتعبدين والمتصوفين، والذاهبين إلى قبول المجهولين؛ تصديقاً للحديث النبوي: ((إنه سيكذب عليَّ)).
ولقد قال شعبة: لم يفتش أحد على الحديث تفتيشي، فوجدت ثلثي ما فتشت منه كذباً.
...إلى قوله:
ولما أظهر الله دين نبيه على سائر الأديان، وأنجز ما وعده في محكم القرآن، وملكت أمته جميع ممالك الأمم، وحكمت فيهم بالسيف والقلم، واتسع نطاق دين الإسلام، وبلغت الدعوة المحمدية أقصى ممالك الشرق والغرب واليمن والشام، ووقع في الأصول والفروع، والمعقول من المعلومات والمسموع، وانتشرت المذاهب في الآفاق، وقامت حرب المناظرة والمناضلة على ساق، وتعصبت كل طائفة لمن تقدم من أسلافها، وتفرقت/277(2/277)


الأمة إلى نيف وسبعين فرقة لسبب تباين العقائد واختلافها، وظهر الدَّغل في الأخبار، والدخل في الآثار ـ شمّر حفاظ الحديث من جميع الطوائف، شيعة وسنية، في انتقاده، والكشف عن رجال إسناده.
[ذكر أنواع الحديث]
وتكلموا فيه تعديلاً وتجريحاً، وتكذيباً وتصحيحاً، ووضعوا في ذلك الكتب البسيطة، والجوامع المحيطة، والمختصرات العديدة، المتقنة المفيدة، وعلقوا فوائده، وضبطوا شوارده، وحققوا صحيحه وحسنه، ومسنده ومرسله، وعاليه ونازله ومتصله، ومنقطعه ومعضله، ومعلومه ومشهوره، وغريبه ومعروفه، ومنكره وضعيفه، وآحاده ومتواتره، وشاذه ومعلّه، ومختلفه ومدرجه، وموضوعه، ورجال إسناده، تقوية وضعفاً، وأنساباً وتاريخاً ووصلاً، وتدليساً واعتباراً ومتابعة، وزيادة الثقات، وتفسير المبهمات؛ لوقوعها مفسِّرة في بعض الروايات، وما خولف فيه الأثبات، ومعرفة الصحابة وتابعيهم وسائر الطبقات، وغير ذلك من علومه المدونات.
...إلى قوله: وأما المعتنون بذلك من الشيعة، فجمّ غفير، وخلق كثير، سنتبرك بذكر جمع منهم يسير، من غير توسيع بذكر الأئمة الكرام، ومشاهير شيعتهم الأعلام، استغناء عن ذكرهم باشتهارهم.
قلت: وسأفرد في مؤلفنا هذا لوامع الأنوار - إن شاء الله تعالى - في ذلك فصلاً، يتضمن المختار، ممن عليهم المدار، على ترتيب الحروف؛ ليكون أيسر للباحث، مع ما سبق من أعلام العصابة، والله تعالى ولي الإعانة والتسديد للإصابة.
قال: وإن كانوا أعرف من القمر، وأشهر من ابن داره، عند من عرف الأخبار وكان له في العلم أثارة؛ وإنما خفي أمرهم على كثير من أهل/278(2/278)


عصرنا، وعلماء قطرنا؛ لبعد زمانهم عن زماننا، وانتزاح ديارهم عن ديارنا، وقد كان معظم ظهور التشيع قديماً في العراق، لاسيما في الكوفة، فإنها بذلك معروفة موصوفة، حتى قال الذهبي:
إنها تغلي بالتشيع وتفور، والسني فيها طرفة، والخارجي طير غريب. انتهى كلام الذهبي.
وفي الأصل بعده: (قلت).
ولكن قد اخترت أن تكون هذه العبارة في هذا الكتاب المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ لما يقوله المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد المؤيدي - عفا الله عنهما - للتمييز لكثرة النقول، فليعتبر ذلك المطلع، وأجعل مكان ما في كتب المؤلفين من لفظ: (قلت): (قال)، والله والموفق.
[في فضل الكوفة]
قال: وإنما اختصت بهذه الخصيصة الشريفة؛ لبركة دعاء الأنبياء، وصلواتهم بمسجدها، وإقامة الوصي أيام خلافته بعقوتها، وموته ودفنه بتربتها.
...إلى قوله: ولذلك قال الصادق (ع):
قفْ إذا جئت الغريا .... وابك مولانا عَليا
وقال غيره:
مدينة الكوفة تيهاً على .... مدائن الأرض معاً تفخرُ
ولو أراد الله سوءاً بها .... ما كان مدفوناً بها حيدرُ
ولم تزل مستوطناً لبعض أهل البيت وأشياعهم، ودار إقامة لبعض، كالحسنين، وكزيد بن علي، وابنه يحيى، وأولاده، كالحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد ـ وكان عامة الزيدية بالكوفة على مذهبه ـ وأحمد بن عيسى بن زيد، وموسى بن جعفر، وكالقاسم بن إبراهيم، وأخيه محمد بن إبراهيم، /279(2/279)


وأحمد بن عيسى بن عبدالله، وإدريس بن محمد بن عبدالله ، ويحيى بن عبدالله، وكثير من كبراء آل محمد، وكالحسن بن صالح، وأخيه علي بن صالح، ومحمد بن منصور بن يزيد المقري المرادي، وتلميذه محمد بن سليمان الكوفي جامع المنتخب، ومصنف كتاب المناقب، وغيرهم من الأعيان، ممن لا يحصرهم عدّ ولا ديوان.
[اختلاف النِّحل واشتهار أهل كل مصر من المسلمين بنحلته]
وأما البصرة، فالأغلب على فقهائها وعلمائها النصب، ورأي الخوارج؛ وذلك لأنه وليها من عمال بني أمية ثلاثة: عبدالله بن عامر، ثم زياد بن أبيه، ثم الحجاج بن يوسف؛ مع ما كان في قلوبهم على أمير المؤمنين (ع) من الضغن؛ لقتل أسلافهم يوم الجمل.
وأما مكة المشرفة، والمدينة المقدسة، فإن أمر التشيع كان فيهما ضعيفاً؛ لغلبة دهماء قريش والأنصار عليهما، مع انحراف سوادهم عن العترة، رغباً ورهباً، وأحقاداً تشتعل نارها لهباً، وعداوة موروثة أباً فأباً، تميز بها القلوب غيظاً وتتقد غضباً؛ حتى قال علي بن الحسين: ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا.
وقد كان بالمدينة النبوية جلّة أكابر العترة كالحسنين (ع)ـ وأكثر أولادهما كزين العابدين، والحسن بن الحسن، وأخيه زيد بن الحسن، والباقر محمد بن علي، وأخيه زيد بن علي، وجعفر بن محمد، وعبدالله بن الحسن، وأولاده: محمد، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس، وموسى، /280(2/280)

32 / 151
ع
En
A+
A-