يارب، أصحابي؛ فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟)).
إلى قوله: فانظر في أمر معاوية، هل أحد من أصحاب رسول الله أحدث في الإسلام مثل ما أحدث؟ فإنك لاتجده، فإنه الذي هدم أركانه.
...إلى قوله في الكتابة: فليست بقاضية لكل من نالها بالصلاح والفلاح؛ بل قد كان من بعض الكتاب للوحي ما كان، من ردّة وغيرها.
وأما الوجه الثاني: وهو تحسين الظن بمعاوية، واعتقاد أنه أقدم على البغي اجتهاداً منه، فلو ادعيت الضرورة في خلاف ذلك لم تُعدَّ مجازفة؛ فإن معاوية لم يكن من أهل البله والجهل بحال نفسه وحال غيره، بل من أهل الدهاء والنكر.
...إلى قوله: وحاشا لله، أن يعتقد في نفسه أنه أحق بالخلافة، وأصلح للمسلمين، وأنفع في أمر الدين، من أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأفضل أمة النبي الأمين؛ وأن يعتقد أن ما كان منه من البغي والعدوان، وإثارة الفتن المفضية إلى سفك الدماء الواسعة، وإتلاف الأموال في طلب الرئاسة، ومنازعة الأمر أهله، وما سنه في الدين من سنن الجبارين، وسلاطين الظلم، كان أصلح في باب الدين، وأعود نفعاً على المسلمين؛ وقد كان يظهر على لسانه، وفي فلتات كلامه، الاعتراف الصريح بحاله، وحال من عارضه، والإقرار بفضل أمير المؤمنين، ومحله.
...إلى قوله: وهذا ـ والله ـ كلام من رفع التعصب عن نفسه، ووفى النظر حقه، وقصد إلى السلوك في منهج الإنصاف، كما بنينا عليه كتابنا هذا من أوله إلى آخره.
...إلى قوله: قال ـ أي الفقيه حميد الشهيد ـ: والعجب من هؤلاء الجهلة، الذين لو سمعوا رجلاً يسب أبا بكر وعمر، وكذلك عثمان، على كثرة أحداثه، لما تمالكوا عن الحكم بتفسيقه، بل وربما يتعدى ذلك إلى قتله وقتاله؛ ولم يحتفلوا /256(2/256)


بما فعله معاوية الضال، من حرب أمير المؤمنين وسبه، ولا فسقوا بذلك.
...إلى قول الإمام (ع)، في قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - لعمار: ((ستقتلك الفئة الباغية)): هذا الحديث مما لاشك في صحته، وإطباق الأمة عليه، وهو في البخاري من رواية أبي سعيد، وقد ذكر بناء المسجد، قال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين، فرآه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: ((ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار))، فانظر إلى عدم إنصاف الفقهاء وأهل الحديث، مع موافقتهم على صحة هذا الخبر وروايتهم له.
...إلى قوله: ولأنه كان يقول بالجبر ويعتقده؛ بل لعله رأس أهل الجبر، وإمامهم فيه، ونقل أنه قال على المنبر: أنا خازن من خزان الله، أعطي من أعطاه الله، وأمنع من منعه الله؛ فقام أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ فقال: كذبت يا معاوية، إنك لتعطي من منعه الله، وتمنع من أعطاه الله.
فقال عبادة بن الصامت: صدق أبو ذر؛ وقال أبو الدرداء: صدق عبادة.
وروي عنه أنه قال: لو كره الله ما نحن فيه لغيّره.
قال في العمدة: فاعتقد أن الله لايكره شيئاً إلا ويغيره، مظهراً بذلك أن الله قد أراد ماهو عليه، من الأفعال القبيحة.
إلى قوله في خبر ((لايحبك إلا مؤمن ولايبغضك إلا منافق)): هو مما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن علي (ع)، أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي إليّ، أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.
وهذا الحديث متمسك من ذهب إلى أن معاوية منافق؛ وكذلك ما روي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي بحبك يعرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون))، ومن المعلوم ضرورة أن معاوية في نهاية البغض له (ع).
...إلى قوله (ع): /257(2/257)


وأما معاوية فإنما سلك مسلك كسرى وقيصر، وفرّط في النظر للمسلمين وقصر، فاختار يزيد ابنه مع علمه بأنه لايصلح أن يتأمر، وأن استخلافه أمر منكر؛ فلا بورك فيهما من خلف وسلف، ولا شكر سعيهما في التعدي والسرف.
إلى قوله (ع) في الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ: مما ورد فيه عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((يُقْتل ابني الحسين بظهر الكوفة؛ الويل لقاتله وخاذله ومن ترك نصرته)).
وعن معاذ بن جبل قال: خرج علينا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ متغيّر اللون، فقال: ((أنا محمد، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا ذهب بي، فعليكم بكتاب الله ـ عز وجل ـ أحلوا حلاله، وحرموا حرامه؛ أتتكم الموتة، أتاكم الروح والراحة، كتاب من الله سبق، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم، كلما ذهب رَسَل جاء رَسَل، تناسخت النبوة، وصارت ملكاً، رحم الله من أخذها، وخرج منها كما دخلها، أمسك يا معاذ وأحص)).
فلما بلغت خمسة، قال: ((يزيد لا بارك الله في يزيد)) ثم ذرفت عيناه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((نُعي إلي ولدي الحسين، وأُتيت بتربته، وأُخْبرت بقاتله؛ والذي نفسي بيده، لايقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه، إلا خالف الله بين قلوبهم، وسلّط عليهم شرارهم، وألبسهم شيعاً)).
ثم قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((واهاً لفراخ آل محمد، من خليفة مستخلف، فاسق مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف)).
قلت: قد أشار في الخبر بعدد الخمسة، إلى المتولين من غير أهل بيت النبوة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، ويزيد؛ وجعلهم في سلك واحد.
وقد ذكر معنى /258(2/258)


هذا الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي عند روايته.
ثم ساق إلى قوله: والله ولي التوفيق، ومولى التحقيق، وهو حسبنا وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى؛ وهذا ختام الكتاب، والحمد لله الوهاب.
[السند إلى مؤلفات ومرويات السيد صارم الدين الوزير، وترجمته]
وأروي بالأسانيد المتكررة في سند المجموع وغيره، إلى السيد الإمام حافظ اليمن، وسيد بني الحسن، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير (ع) جميع مروياته، ومؤلفاته، منها: الفصول في أصول الفقه، وهداية الأفكار في فقه الأئمة الأطهار، وهي كالمستدرك على الأزهار، والبسامة في أخبار أئمة العترة (ع)، والفلك الدوار، ويسمى علوم الحديث، والتخليص على التلخيص في المعاني والبيان، وجميع ماله في فنون العلوم، من المنثور والمنظوم؛ وقد سبق ذكره في ترجمة الإمام محمد بن القاسم الزيدي (ع) من التحف الفاطمية .
وقد ترجم له الأعلام، منهم: السيد الإمام في طبقات الزيدية، والقاضي الحافظ في مطلع البدور؛ ونسوق من ذلك ما يحتمله المحل مما ذكراه في الكتابين، وما يختار إيراده مما يوفق الله له ويليق ـ إن شاء الله تعالى ـ بالمقام، فنقول:
هو السيد الحافظ، إمام المحققين، صارم الدين؛ مولده عام أربعة وثلاثين وثمانمائة، قرأ في صنعاء وصعدة في الأصولين، والعربية، والفروع الفقهية، والأخبار النبوية، والتفاسير، والسير، وجميع الفنون في سائر العلوم.
فمن شيوخه: السيد الإمام المبرز، جمال الدين، علي بن محمد بن /259(2/259)


المرتضى بن المفضل، جد الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى ـ قلت: ولم يذكروا وفاته ـ ومنهم: السيد الإمام، فخر الإسلام، أبو العطايا عبدالله بن يحيى، ومنهم: الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان، ومنهم: والده السيد الإمام محمد بن عبدالله بن الهادي (ع)، والفقيه العلامة المحقق، أحد الأعلام، المطهر بن كثير الجمل.
[ترجمة القاضي المطهر بن كثير الجمل]
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: هو أحد تلامذة السيد العلامة، أحمد بن محمد بن إدريس بن الإمام يحيى بن حمزة، مؤلف جامع الخلاف؛ عاجله الأجل قبل إتمامه، فأتمه الفقيه المذكور.
وقال القاضي: هو العالم الكبير، والفاضل الشهير، متفنن في جميع العلوم، وذكر أن له كتاب الأصول.
قال: ولما وصل الدماميني الشافعي في رحلته إلى صنعاء، والفقيه مطهر يدرس، قال:
إني رأيت عجيبة في ذا الزمنْ .... شاهدتها في وسط صنعاء اليمنْ
إنْ تسألوني ما رأيتُ فإنه .... جمل بها يقري الورى في كلّ فنْ
...إلى قوله: وكان في زمن الإمام صلاح الدين، وهو ممن بايعه؛ وفاته في محرم، سنة ثلاث وستين وثمانمائة، انتهى.
[ترجمة القاضيين علي بن موسى الدواري ـ وإسماعيل بن أحمد النجراني]
هذا، ومنهم: خاتمة المحققين، علي بن موسى الدواري.
قلت: ترجم له السيد الإمام، وأفاد أنه من تلامذة السيد الإمام، عالم العترة الكرام، علي بن محمد بن أبي القاسم، وأنه ممن أخذ عنه الإمام الهادي عز الدين بن الحسن (ع).
وقال القاضي: هو العلامة، شيخ المحققين، إمام الأصول، جمال /260(2/260)

28 / 151
ع
En
A+
A-