[من المعراج في التفكر]
قال: ومن كلام الإمام، ترجمان الدين، نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم (ع): جعل الله في المكلفين شيئين، وهما: العقل والروح؛ وهما قوام الإنسان لدينه ودنياه، وقد حواهما جسمه، وهو يعجز عن صفتهما، وما هيتهما؛ فكيف يتعدى بجهله إلى عرفان ماهية الخالق الذي ليس كمثله شيء؟
ومن لم يعرف عَقْلَه وَرُوحَه والملائكةَ والجنَّ والنجومَ ـ وهذه مدركة أو في حكم المدركة ـ فكيف ترمي به نفسه المسكينة إلى عرفان القديم قبل كل موجود، والآخر بعد كل شيء، الذي لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير؟!
ثم أورد قول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ:
العجز عن درك الإدراك إدراك .... والبحث عن فحص كنه الذات إشراك
وقد قدم قول شارح النهج، العلامة ابن أبي الحديد:
والله ما موسى ولا .... عيسى المسيح ولا محمدْ
عرفوا ولا جبريل وهـ .... ـو إلى محل القدس يصعدْ
من كنه ذاتك غير أنـ .... ـك أوحديُّ الذات سرمدْ
عرفوا إضافات ونفياً .... والحقيقة ليس توجدْ
قلت: تمامها:
ورأوا وجوداً واجباً .... يفنى الزمان وليس ينفدْ
فليخسأ الحكماء عن .... حرم له الأفلاك سُجّدْ
من أنت يا رسطو ومن .... إفلاط قبلك يا مبلّدْ؟
ومن ابن سينا حين قر .... ر ما هذيت به وشيّدْ؟
هل أنتم إلا الفرا .... ش رأى السراج وقد توقّدْ
فدنا فأحرق نفسه .... ولو اهتدى رشداً لأبعدْ
/251(2/251)


قال: وله أيضاً:
قد حار في الأنفس كل الورى .... والفكر فيه قد غدا ضائعا
من جَهِلَ الصنعة عجزاً فما .... أجدره أن يجهل الصانعا
ثم قال الإمام (ع): فهذه الفائدة تنطوي على كلام سيد البشر، وكلام وصيه الصديق الأكبر، وإمام التوحيد والعدل، وكلام غيرهما من أئمة الإسلام؛ فجدير بكل عاقل الاعتماد عليها، والرجوع في هذا الباب إليها؛ نسأل الله أن يمدنا بمواد التوفيق، ويهدينا إلى سواء الطريق.
[من المعراج: في حجية قول أمير المؤمنين]
ومن كلامه في حجية قول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ مالفظه: لأن أمير المؤمنين حجة وأي حجة، وأقواله وأفعاله إلى الهدى أوضح محجة.
قلت: وقد سبق في صدر الكتاب ما يكفي ويشفي.
...إلى قوله (ع)، فيما يطعن به أهل الزيغ على أمير المؤمنين (ع):
قال صاحب المنهاج: اعلم أنه (ع) أجل قدراً، وأشهر فضلاً، من أن يطعن عليه.
قال الإمام (ع): يعني لما خصه الله به من العصمة، عن كل شين ووصمة، والفضائل الدثرة، والمكارم التي تفوت الوصف كثرة، بحيث إنه لايدرك أحد حصرها، ولايقدر الناظر فيها قدرها، وليس يجهل منصف أمرها.
...إلى قوله: واعلم أن فضائل أمير المؤمنين، وما نقل فيها وورد، لايتمكن من حصر ذلك أحد؛ وقد صنف فيها كتب كثيرة، من محاسنها: كتاب الدعامة للسيد أبي طالب.
وقيل: إن الأعمش كان يروي في فضائل أمير المؤمنين قدر عشرة /252(2/252)


آلاف حديث.
قيل: وقد اشتملت الأمهات كالبخاري ومسلم منها على ستمائة حديث وخمسة وثمانين حديثاً.
وأما ما يرويه أهل البيت وشيعتهم في فضائل علي (ع) وأبنائه، فقد قيل: إنها ألف ألف حديث، أو ما يقارب ذلك.
قلت: وقد تقدم للإمام ما نقلناه في التحف الفاطمية ، من كلام الإمام المنصور بالله (ع) أن فصول ما تناولته هذه الكتب ـ أي كتب المحدثين ـ مما يختص بالعترة الطاهرة، خمسة وأربعون فصلاً، تشتمل على تسعمائة وعشرين حديثاً؛ ذكره الإمام (ع) في شرح قول صاحب المنهاج في الاحتجاج على إمامة الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: لنا النص والوصاية، والتفضيل والعصمة، وإجماع أهل البيت (ع).
قال الإمام (ع): يعني: فهذه أنواع الأدلة، الدالة على إمامته (ع)، والنوع الأول منها ـ وهو النص ـ ينطوي على أدلة متعددة، من القرآن والأخبار.
إلى آخر البحث.
وقال فيه: اعلم أن الذي جرى لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، ومني به من عدوان هذه الأمة، وتعديها عليه، في حياته، وبعد موته، مما تحار فيه الأفكار؛ فإنه (ع) مع ارتقائه إلى أعلى درجات الفضل، وإحرازه لكل خصلة شريفة، ومنقبة سامية منيفة، جرى عليه وانتهى إليه، مالم يتفق لغيره.
...إلى قوله: وذلك دليل على أن هذه الدنيا الدنية، والدار الردية، مع أنها ممر إلى الآخرة، مقرّ للرذائل والأدناس، ومجال للمخازي وفضائح الناس، وأن أولياء الله فيها هدف للمصائب، وغرض لسهام النوائب، وعرضة لأذى الجهال، وعدوان أرباب الضلال.
* وفي خطوب الناس للناس أسىً */253(2/253)


[من المعراج في معاوية]
وقال في كلام الأصم والحشوية، في شأن معاوية، ما نصه: ولقد صم الأصم عن استماع الحق، وظلم بما قاله وعقّ، وحشيت قلوب الحشوية جهالة، وركبوا متن الباطل والضلالة، وليس الأمر خفياً، لكنهم أتوا شيئاً فرياً.
...إلى قوله: قال سعد الدين التفتازاني، في شرحه على العضد: المشتهر عن السلف أن أول من بغى في الإسلام معاوية.
قال الإمام (ع): والقول بأن خطأه خطأ المجتهدين، هو الظاهر من مذهب أهل الحديث.
إلى قوله: حتى قال صاحب البهجة ـ قلت: هو يحيى بن أبي بكر العامري التهامي، وهو ممن أخذ عنه الإمام (ع) في الحديث ـ ما لفظه: نصيحة عرضت، وهي أن ثم من يقع في عمرو بن العاص ومعاوية وغيرهما من أجلاء الصحابة، أو من شمله اسم الصحبة، التي لا يوازنها عمل وإن جلّ، ويتشبثون إلى هنات صدرت منهم، مما تقدم إليهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالكلام فيها، وأخبر بوقوعها منهم...إلخ.
[من المعراج جواباً على يحيى بن أبي بكر العامري في شأن معاوية وأضرابه]
قال الإمام (ع)، بعد روايته للخبر الذي أخرجه مسلم عن ابن عباس: ومنه دعوة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على معاوية الطاغية: ((لا أشبع الله بطنه)).
إلى قوله (ع): وما يدل عليه من سوء حظه واجترامه، القدوم على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
إلى قوله: وكونه دعا عليه دعاء يقضي /254(2/254)


بالسخط والتغيظ.
إلى قوله في الجواب على العامري: ليس معاوية وعمرو بن العاص من أجلاء الصحابة، بل من أدونهم حالاً، وأقلهم جلالاً؛ وعدواتهم للدين، وهدمهم لقواعده، وتلعبهم به، وعظيم جراءتهم على هتك أستاره، وإحداثهم الأحداث العظيمة فيه، لا تخفى على مميز؛ ولئن سُبُّوا ولُعِنُوا فغير مستنكر ذلك، فقد سَبُّوا ولعنوا ابن عمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وسيد العرب، وأمير المؤمنين، وذا الفضل المبين؛ والله المستعان، كيف يثني عليهم، ويحسن الظن فيهم، ويذكر فضائلهم، وهم إلى الرذائل أقرب منهم إلى الفضائل؟‍‍!.
واعلم أن أكثر تعويل أهل الحديث، ومن يحسن الظن في معاوية على وجهين: أحدهما: ماله من الصحبة والكتابة، واعتقاد أن الذي كان منه من الأحداث صدر عن اجتهاد وظن الإصابة؛ ونحن نبين ما يقتضي عدم التعويل على ذلك.
أما الصحبة، فلا كلام أن له صحبة، وأن صحبة رسول الله شرف ورفعة؛ ولكن لم يثبت أنها تبيح المحرمات، ولا تكفر الذنوب الموبقات، بل العقل والنقل يقضيان بعكس ذلك.
ثم أورد الكلام السابق في الفصل الثاني...إلى قوله: فكيف تكون صحبة معاوية مع نوع من النفاق، بعد التمرد العظي‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍م وأبلغ الشقاق، سبباً في تجاوز ما كاد به الإسلام، وأحدثه من المصائب العظام، والحوادث الطوام؟‍!.
...إلى قوله: وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لأصحابه: ((أنا فرطكم على الحوض، وليتعرفن إليّ رجال منكم، حتى إذا أهويت إليهم لأتناولهم اختُلجِوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير وبدل)).
وفي رواية أخرى لمسلم، فيها: ((فأقول: /255(2/255)

27 / 151
ع
En
A+
A-