ومغاربها، ومثل: ذمار وما يليها يمناً وشرقاً وغرباً، ومثل: المغارب، حجة وبلادها، ومثل: شظب، وبلاد الأهنوم، والشرفين إلى حدود تهامة، ومثل: جازان، وضمد، ووساع، وحلي، وينبع، ومكة؛ وصلت الكتب بالطاعة، وأقاموا الجمعة والجماعة.
قال: وخرج إليه جميع أعيان علماء صنعاء وتلك النواحي، ولم يبق أحد ممن له يد في العلم، إلا وصله، فأوردوا عليه من الأسئلة في كل فن ما ملأ الطروس، وشافهوه بجميع ما يعرض في النفوس، فأجابهم بما يشفي الأوام، وجلى دياجير الظلام.
فلما وضحت لهم الحجة، ودلهم على المحجة، بايعوه وشايعوه.
إلى قوله: ويأبى الله إلا أن يتم نوره؛ وجمع الكلمة بهذا الإمام، وأطاعه العباد، ودانت له البلاد؛ ووقع لدعوته من القبول والإقبال، مالم يكن يخطر ببال، واعترف له الموالف والمخالف، بالعلم الغزير، وجودة التدبير، وبالكرم الجمّ، الذي يغطي على موجات اليمّ.
...إلى قوله: ثم إن هذا الإمام انفرد عن أكثر الأئمة بخصال، لم تجتمع إلا فيه، وهي: الخطابة، والبراعة في العلم، وعدم الكلال لذلك، ليلاً ونهاراً، وسحراً وسمراً، وسفراً وحضراً، حتى أنه منذ دعا إلى أن توفي إلى رحمة الله ورضوانه، لاحصر لكتبه، ولايفرق أحد بين تراكم أشغاله بالترسل، والكتابة بين أول دعوته وآخرها؛ وذلك مستمر، فلو جمع ما قد رقمه بيده مما يزري بالدر المنظوم، وزهر الربيع، لجاءت مجلدات، تزيد على ثلاثين مجلداً، فما أحقه بما قيل:
إنْ هزّ أقلامه يوماً ليعملها .... أنساك كلّ كمي هزّ عامله
وإن أقرّ على رقٍ أنامله .... أقرّ بالرق كتاب الأنام له
/241(2/241)
وكان كتبه في أكثر الأحوال، تقوم مقام المخارج العظيمة.
ثم بسط في أحواله (ع).
[كرامته العظمى ومرثاته]
ثم ذكر من كراماته الكرامة العظمى، وهي سماع النعي له من صنعاء.
قلت: وقد تواترت الأخبار بوقوعه، وتكلم به العلماء في الخطب على المنابر، من ذلك العصر إلى هذه الغاية.
وقد ذكره الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين، في ترثيته، حيث قال:
نعاه إلينا قبل يوم وقوعه .... بسبع إله الخلق والسمع شاهده
تداعينه عمن سواه ومن يكن .... به الله أنبا فهو جمّ محامده
وهي قصيدة غراء، ضمنها فضائل الإمام المنيرة الكبرى، وقد ذكرتها، وذكرت النداء ذلك في الزلف والتحف؛ وإنما أضاف ذلك النداء الأئمة والعلماء إلى الله ـ تعالى ـ وبعضهم إلى الملائكة (ع)، لما أشار إليه الإمام (ع)، من وقوعه قبل الوفاة؛ وذلك مما لايعلم إلا من الله ـ سبحانه ـ إمّا بخلق الصوت، أو بوحي إلى ملائكة، كما هو المعلوم في طريق الأخبار السماوية.
قال في مآثر الأبرار: فقطعوا أن ذلك هاتف من الروحانية، أمره الباري يعلمهم بذلك؛ لعظم منزلة هذا الإمام، من الله ـ عز وجل ـ.
قال في وصف حال أهل مدينة صعدة، عند بلوغ خبر وفاة الإمام (ع): فمن تلك الساعة، ارتجت المدينة بالبكاء.
إلى قوله: من الرجال والنساء، في جميع نواحي المدينة، فخلنا السماء سقطت على الأرض، وبكت عليه المخدرات في البيوت، وأهل البوادي، ومن يعرفه، ومن لا يعرفه، وخرج الناس إلى فللة على أرجلهم، السادة والقضاة، والشيعة والأمراء، والخواص والعوام؛ /242(2/242)
وكثر المعزون من شرق البلاد وغربها.
ثم ذكر ترثيته له:
منها:
أبعد إمام العصر يضحك ضاحك .... ويبسم ثغر بئس ذلك من ثغرِ
ومنها:
ومهما ذكرت الشمس في رونق الضحى .... ذكرت أفول الشمس من ذلك القصرِ
وحيث حكوا للأمر والنهي صورة .... ذكرت اختلال النهي بعدك والأمرِ
ومنها:
أبا حسن من للمنابر قارع .... يساقط وعظاً في المسامع كالدرِّ؟
أبا حسن من للبراعة مورد .... بكل مقام مورد البيض والسمرِ؟
أبا حسن من للفصاحة مفلق .... يجيد المعاني الغرّ في النظم والنثرِ؟
أبا حسن من للقضايا وفصلها .... يميّز محض العرف منها عن النكرِ؟
أبا حسن من للجيوش وبعثها .... يعود لها حسن السياسة بالنصرِ؟
أبا حسن من ذا نراه إذا احتبى .... بمجلسه في ذلك القصر كالبدرِ؟
...إلى قوله:
عليك سلام الله ما هبّت الصبا .... وما باتَ برق فوق مشهدكم يسري
[أولاد الإمام عز الدين، وشيء من شعره (ع)]
وقال في ذكر أولاده: فأول من ولد له (ع)، الإمام القمقام، علم الإسلام، وحجة الله على الأنام، شرف الدين، الحسن؛ ثم السيد الأفضل، طراز المجد الأول، شرف الدين، الحسين؛ ثم السيد الأوحد، الأفضل الأمجد، شمس الدين أحمد؛ ثم السيد الأجل، رفيع القدر والمحل، صلاح الدين المهدي، أبناء أمير المؤمنين.
قلت: وقد مرّ ذكرهم في التحف الفاطمية ؛ لكن لم يبين محلهم في /243(2/243)
الفضل كما هنا.
قال: وأما شعره، ففائق رائق؛ حوى ديوانه منه ما اتفق على جودته أعيان الخلائق.
ثم ذكر من قصائده، كلمة موعظة، صدرها:
إذا كنتَ من قرع الحوادث شاكيا .... وأصبحتَ من خطب ينوبك باكياً
وهي على نهج قصيدتين:
الأولى: للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، مطلعها:
دعيني أطفي عبرتي ما بدا ليا
وهي التي عارضها نشوان الحميري بقصيدته، التي أولها:
ذكرت دياراً دارسات خواليا
ذكر فيها ملوك حمير، وشرحها صارم الدين الوزير.
والأخرى: للإمام المهدي، غرتها:
دعيني إذا شاهدتني اليوم باكياً
وذكر منها قصيدة الإمام (ع)، التي أولها:
أفقْ أينما وجهت صرت مفارقاً .... ولم تلقَ فيما بين حاليك فارقا
قلت: ومن غرر فرائد الإمام، التي يقلّ لها النظير في البلاغة والسلاسة والانسجام، قوله:
دعْ ذكر ما بالحمى والبان والطلل .... وعدّ عن معهد بالأبرقين خلي
ومنها:
له مقالات عذب ما بها لغز .... وخير قول وعاه السمع وهو جلي
أشفى وأشهى وأحلى في مذاقته .... من بارد الماء بل من خالص العسل
ومنها:
فارقت ما كنت قد لاقيت من كرب .... أصمت ولا قيت ما فارقت من جذلِ
/244(2/244)
ومنها:
تلك البلاغة إما شئت معرفة .... لها فهاك بلا كثر ولا مللِ
وذلك السحر إلا أنه حسن .... ما فيه من حرج يخشى ولا زللِ
ومنها:
سلْ عنه أسمع به أنظر إليه تجد .... ملأ المسامع والأفواه والمقلِ
ومنها:
لا يأس من روح رب الروح إن له .... عطفاً على كل دَعَّاء ومبتهلِ
وقد دعوناه نرجوا من إجابته .... جمعاً لشمل شتيت غير متصلِ
يارب واجعل رجائي غير منعكس .... لديك يا منشيء الأمزان والسبل
وقد أوردها في مطلع البدور، قال فيه: ومن شعر الإمام الهادي لدين الله، عز الدين بن الحسن (ع)، إلى العلامة علي بن محمد البكري ـ رحمه الله ـ قبل دعوته(ع).
[من دعوته العامة]
قلت: وافتتح الدعوة العامة بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي جعل الإمامة قدوة للدين وسناماً، وصلاحاً لأمر العالم ونظاماً، وناط بها قواعد من الدين وأحكاماً، وجعلها للنبوة الهادية للخلق إلى الحق ختاماً، ولشرعة سيد الأنام الفاصلة بين الحلال والحرام تكملة وتماماً؛ والصلاة المستتبعة إكراماً وسلاماً، على أشرف البرية ومن كان للرسل إماماً، وعلى عترته الذين ما زالوا لشريعته حفاظاً وقياماً.
إلى قوله: إنه لما تعاظمت المحن، والتطمت أمواج الفتن، واختلطت الأمور، وانتثر نظام أمر الجمهور.
إلى قوله: وعُفَّت مرابع العدل وأنديته.
...إلى قوله: /245(2/245)