بن المطهر، قال لي يوماً: يا ولدي، إن لي أخاً في الله ـ تعالى ـ يقال له: محمد بن يحيى القاسمي من شظب.
قلت: هو شارح أبيات الإمام الفخرية الذي تقدم، وكان يناسب ذكر هذا فيما سبق، ولكن قصدت أن يكون هذا البحث جامعاً لما يتيسر الإتيان به من كراماتهم؛ نفع الله ـ تعالى ـ ببركاتهم.
(رجع) وهو زوج كريمة السيد الإمام علي بن المرتضى ـ أعاد الله من بركاتهم الجميع ـ ولم أسمع ـ يا ولدي ـ ولا أرى بأفضل منه علماً، وخوفاً، وورعاً، وزهداً، وعبادة، وفقراً، وتوكلاً، وتفويضاً، ورضى بالله.
قلت: هي من الأمور النسبيات، والله الموفق.
قال: سمعته غير مرة يقول: توضأ أخي محمد في بركة في شظب، فوقع في نفسه من الخوف ما كاد يقبضه، فقال: إلهي وسيدي، إن علمت أن اعتقادي فيك وفي توحيدك على وفق إرادتك، فأسألك أن تريني كرامة أطمئن بها، وأزداد يقيناً، يقع عليّ مطر يسيل السيل ويدخل هذه البركة حتى تفيض.
قال السيد الواثق بالله (ع): فما قام من مقامه حتى وقع عليه المطر، وكان كثير التشكك في الطهارة، ودخل السيل، وامتلأت البركة، فوجده جذلاً فرحاً، وقد أردمه المطر والسيل.
هذه كرامة وبشارة لهم، ولمن يحبهم ـ إن شاء الله تعالى ـ.
---
[كرامة لإبراهيم بن أبي الفتوح]
وأروي قريباً من هذه الرواية، ما رواه لي حيّ إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ عن القاضي الفاضل محمد بن إبراهيم، ووجدتها معلقة معه؛ لأنه كان كلّما يقرب إلى الله ـ تعالى ـ يحب إظهاره ما لفظه:
أقول ـ وأنا العبد الفقير إلى الله تعالى، محمد بن إبراهيم بن أبي الفتوح /221(2/221)


الزيدي ـ: كنت واقفاً أنا ووالدي إبراهيم ووالدتي، وامرأة لأبي أيضاً، في صرح دار، نحن فيها ساكنون، ببيت حاضر، من أعمال صنعاء، وفوق الصرح مخزان مغلق، وفوقه سقف آخر، والشمس حامية، ولاسحاب في السماء نراه، إذ نبع علينا ماء من وسط الخشبة، لا من حولها بل من نفسها، حتى سال من الخلوة إلى الحجرة، ومن الحجرة إلى الدرج؛ فارتعنا وحارت أفكارنا، فهمّت والدتي أن تصيح بالناس.
فقال والدي ـ رحمه الله ـ: اسكتوا، ما أحد يدري بهذا غيري.
فقلنا: أخبرنا.
ولازمناه مدة مديدة، نحواً من خمس أو ست سنين، حتى أتيت من شبام، من القراءة على حي الفقيه الإمام أحمد بن علي مرغم، فلقيني والدي إلى قريب من صنعاء، فوقفت معه تحت حجرة في بلاد سنحان، فسألته بالله ليخبرني عن ماء الخشبة، فقال: ياولدي إني ختمت القرآن في تلك الليلة، وسألت الله ـ تعالى ـ إن كان راضياً علي، وراضياً بفعلي واعتقاداتي، أن يريني آية باهرة، أزداد بها يقيناً، وتكون لي بشارة، فخرج الماء من الخشبة.
وأنا أشهد لكم بهذه الشهادة عن أبي، وعن مشاهدة الماء يخرج من نفس الخشبة.
قال: فقلت له: يا أبه، كيف اعتقاداتك أعتقد بها؟
فقال: ياولدي، كما قيل:
لو شُق قلبي للقي وسطه .... سطران قد خُطّا بلا كاتبِ
العدل والتوحيد في جانبٍ .... وحبّ أهل البيت في جانبِ
إن كنتُ فيما قلتُه كاذباً .... فلعنة الله على الكاذبِ
وكان هذا القاضي إبراهيم نفع الله ـ تعالى ـ به من علماء الكلام المبرزين فيه، وفي أصول الفقه، والفقه، والعبادة، وتلاوة الكتاب العزيز.
قلت: ترجم له في مطلع البدور، وافتتح به أول الكتاب؛ تيمناً /222(2/222)


بالفتوح، ولم يذكر وفاته، وذكر كرامته هذه.
[ترجمة المهدي بن القاسم بن المطهر ـ والد مؤلف الصلة]
قال في صلة الإخوان: سمعت أبي المهدي بن قاسم يقول: كرامات أهل البيت أبلغ، وأكثر من غيرهم.
قلت: والده هو السيد الإمام، الصوام القوام، علم سادات الأنام، خليفة زين العابدين، المكرم بالكرامات من رب العالمين، المهدي بن القاسم بن المطهر (ع)؛ كان يُؤَهّل للإمامة، ويرجى للزعامة، وطولب للقيام بأمر الأمة، بعد وفاة الإمام يحيى بن حمزة (ع)، فامتنع، وكان الغاية في زمانه في العلم، والعمل، والزهد، والورع، وقد شوهد النور في مشهده يسطع، من قبره إلى عنان السماء؛ توفي بصنعاء اليمن، واتخذ عليه وليه وأخوه في الله، سعيد بن منصور الحجي، مشهداً، ودفن بجنبه شيخ إبراهيم الكينعي، وهو العالم العابد الزاهد، قرين الإمام يحيى بن حمزة (ع) في درس العلوم، إمام العباد، وسيد الزهاد، الولي الرباني، حاتم بن منصور الحملاني.
قال: روى لي سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رحمه الله ـ قال: صلى حاتم بن منصور زهاء أربعين سنة بالجماعة إماماً، ماترك صلاة واحدة بالجماعة يعلمها؛ ولا مدة الأربعين سجد لسهوه إلا ست مرات، وما يدع البكاء في الصلاة الجهرية والمخافتة، وما يترك صلاة التسبيح في اليوم في وقت الضحى، ولا في الليلة مرة، حتى لقي الله تعالى.
...إلى قوله: وكان لاتأخذه في الله لومة لائم؛ جاءه يوماً أمير صنعاء وملكها، معتذراً في حد سارق أخذ على أخ من إخوانه ثوباً في الليل، فسلم على الفقيه، وأراد تقبيل يده، فانزوى عنه الفقيه، وعن مسّ يده، كأنها ثعبان، فقال: ياسيدنا، قد فعلنا بهذا السارق وصنعنا.
فقال الفقيه ـ أعاد الله من بركاته ـ: ياعبد الله، هذا السارق يأخذ الناس /223(2/223)


بالليل، وأنت تأخذهم بالنهار.
فبهت ذلك الأمير، وولى منكسر القلب...إلخ.
وقد سبق ذكرهم، وترجموا لهم في كتاب الصلة، وطبقات الزيدية، ومطلع البدور، وأفادوا ما حررته ـ رضي الله عنهم ـ.
[أفراد ممن اتصل بهم يحيى بن المهدي بالحرم الشريف]
قال السيد الإمام يحيى بن المهدي: من طلب الله صادقاً وجده؛ سافرت للحج إلى بيت الله مع سيدي إبراهيم بن أحمد، سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، في رفقة من إخواني وأحبائي، منهم: السيد الهادي بن علي بن حمزة العلوي، والسيد الأفضل، معدن الفخار، ودرة آل محمد المختار، محمد بن أحمد بن الناصر ابن أمير المؤمنين أحمد بن الحسين (ع)، والشيخ الصالح، الأواه المنيب، محمد بن علي بن الأسد؛ ومنهم: أخي وقرة عيني أحمد بن المهدي بن قاسم، وهو مبرز في العلوم، مشمّر في طاعة الحي القيوم، حج وهو ابن ست عشرة سنة؛ ومنهم: الفقيه الصالح يحيى بن أسعد اللوز؛ وشاهدنا في سفرنا من الكرامات والفتوحات، والحمايات والكفايات، في البر والبحر، ما لايمكن شرحه لسعته.
قال: فمن أفضل ما رأيت من المجاورين.
قلت: كذا في الصلة (ما رأيت) ولعله باعتبار صفتهم، كما في قوله ـ عز وجل ـ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} [الشمس:5]..الآيات، وإلا فكان الأولى (مَن) لأنها لذوي العلم.
قال: ثلاثة نفر، منهم: رجل عالم فاضل، خائف مراقب، يقال له: شمس الدين المصري ـ وفقه الله تعالى ـ واخيته وأحبه قلبي، فرأيته يوماً في الحجر الكريم، فقال لي: ما أنت؟
فقلت: فقير مذنب.
قال: ما أريد هذا، أنت محمدي؟
فقلت: نعم.
فاستلقى على قفاه إلى جدران الحجر، وقال: بخٍ بخٍ لكم آل محمد، أهل الشرف والوفاء، والتحقيق والصفاء.
فلازمني في الصحبة.
قال: والثاني: شيخ من الهند، حنفي المذهب، يقال له: نجيب، كاسمه، /224(2/224)


عمره قريب من المائة السنة، جاور في مكة ثلاثاً وعشرين سنة، يعتمر في كل يوم عمرة، ماشياً على قدميه.
قلت: يحمل على غير أيام الاشتغال بالحج، وأيام التشريق؛ كما لايخفى.
قال: قد رصدته مراراً يطوف، ويسعى في الصفا والمروة، وتحت الميزاب، يصلي على ملائكة الله وأنبيائه وأوليائه؛ ثم يقول: اللهم الطف بآل محمد، وتقبل منهم، وارفع عندك منزلتهم، وأكرم لديك جوارهم؛ اللهم اجعل دينهم قاهراً لجميع الأديان، اللهم أغن فقيرهم، وتجاوز عن مسيئهم، اللهم الطف بأهل الحرمين الشريفين والمجاورين.
ويدعو لهم بدعاء حسن، ثم يدعو للمسلمين والمسلمات؛ ما سمعته يدعو لنفسه قط.
أضافني ليلة، ونزل معي إلى باب بيته، فقلت له: إنك شيخ كبير، معذور مشكور.
فقال: والله يا سيدي لو قلعت عيني لتطأ عليها، ما أديت لكم حقاً ـ يا آل محمد ـ.
يقولون في مكة: السيف المسلول، الشيخ نجيب.
وسمعت من يقول في المسعى: وحق شيبة نجيب، أعاد الله من بركاته.
قال: الثالث منهم: الشيخ حسن بن محمود الشيرازي، رجل فاضل، طويل القامة، حسن الخَلق والخُلق، يلبس البياض، قميص وعمامة بيضاء يسدلها، كعمامة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نور الإيمان على وجهه، وسيماء الصالحين قد شمله؛ يسكن في رباط الزيدية بمكة، ووقع بيننا وبينه التعارف أولاً بالقلوب، ثم الأشخاص؛ فوجدناه صالحاً، له أسرار عجيبة، وتنويرات غريبة، لايزال تحت سارية في الحرم الشريف قاعداً، أكثر عبادته التفكر والذكر الخفي، مجاوراً للبيت العتيق، خمس عشرة سنة.
قال: وله كرامة عجيبة، من وقع في نفسه شيء ـ من أحبابه فقط ـ حاجة /225(2/225)

21 / 151
ع
En
A+
A-