عند أولي المعرفة كثيرة.
قال: فيروي عنه كرامات، منها: أن بعض إخوان الفقيه عوّل عليه أن تكون نفقة إبراهيم معه، مدة يسيرة، فاستحيى منه، فاختلفت النفقة؛ فتغير حال إبراهيم، وأصابته وحشة عظيمة، وما ساغ له الطعام الذي يُؤْتى به؛ فوافق الفقيه يحيى وأخبره بالقصة وودّعه، ليرتحل، فشقّ ذلك عليه، وقال: إني استحييت من ذلك الصاحب، وأنا أعرفه كثير الصلاح، والعفة، والدين، والتحرز في إخراج الزكاة؛ فوقف، واستمرت نفقته من بيت الفقيه المذكور؛ فبحث الفقيه يحيى عن سبب عدم إساغة إبراهيم للطعام، ونفرته عنه، فتيقن أن الذي كان يحمل نفقته إلى هذا المسجد الخالي في القفر الموحش، ابن أخ لهذا الرجل يتيم؛ فعرف كرامة إبراهيم ـ أعاد الله من بركاته ـ.
ومنها: أنه قال صالح، وتلميذه علي بن أحمد بن همدان، قال: روى لي إبراهيم هذه الكرامة، ورواها السيد الهادي أيضاً، أن نفسه اشتهت شحماً ولحماً، وإذا بربعة مملؤة من الشحم واللحم النضيج، طرحت إليه من طاقة عالية في المسجد، وتركت بين يديه.
قلت: وذكر أنه معدوم في المغرب بالمرة.
قلت: ومثل هذه الآية وقعت لبعض من عرفته من مشائخ آل محمد (ع)، وهو سائر في طريق هجرة ضحيان ـ حماه الله تعالى ـ فاشتهى في نفسه ذلك، فوقعت بين يديه فلذة لحم عظيمة، واستكتم مَنْ أخبره أن يُعْلم به ـ رضي الله عنه ـ.
[كرامة للسيد الإمام محمد بن منصور والد المؤلف قبيل وفاته]
ولقد لبث والدنا ـ قدس الله روحه ـ في مرضه الذي توفاه الله - تعالى - فيه، نحو عشرين يوماً، لايأكل طعاماً أصلاً، ولم يقعد به ذلك عن قيام، ولاصلاة، ولا تلاوة، ولا ذكر، بل ازدادت أعماله في جميع ذلك؛ وكنا نعالجه بكثير من أنواع /206(2/206)
المشتهيات، فلا يتناول شيئاً، ومتى أكثرنا عليه يقول: ((إن الله يطعمه ويسقيه))...الحديث؛ وأسعدنا في بعض الأيام بالإجابة إلى التين ـ وكان في ابتداء حدوثه ـ؛ فمشى بعض الإخوان مسافة للإتيان بما وجده، ورجع وقد تحصل له؛ فعرضناه عليه، فقال: لاحاجة لي فيه.
فلما أكثرنا مراجعته، قال ما معناه: قد أطعمني الله ـ تعالى ـ حتى شبعت، فأنا الآن شبعان ريّان، والحمد لله رب العالمين.
ثم دعا لنا وللرجل الذي جاء به، وأخبره بفضل مشيه لذلك.
ولقد كان يُقْسم لي بالله العظيم، أنه لايجد ألماً، ولايشتهي شراباً ولاطعاماً، في جميع مرضه.
ولم يزل ملازماً للأوراد لايفتر لسانه عن ذكر الله، إلا في حال خطاب بضروري، أو جواب، أو توصية لي ولمن حضر بتقوى الله وما يقرب إليه؛ ويتأذى كل التأذي بأيّ قاطع له عن الذكر، ويعتذر عن المحاورة بذلك، حتى لقي الله - تعالى - وقد غشي وجهه النور، والبهجة والسرور، بعد أن أكرمه الله - تعالى - بكرامات بينات؛ رضي الله عنه وأرضاه، وبل بوابل الرحمة ثراه.
[عودة إلى كرامات الكينعي رضي الله عنه]
هذا، قال: ومنها: مرضى شفوا ببركة دعائه، ووضْعِ يده عليهم عدة، وتتابع بركات وثمرات في وقوفه معهم في ذلك المسجد المبارك، لايمكن شرحه؛ لكثرته.
الكرامة الخامسة: ما رويت عنه ـ رحمه الله تعالى ـ أنه قال: كنت في حصن المصافرة، ببلاد مدحج؛ فجيء بعصيدة حسنة، بمحضر القاضي حسن بن سليمان، وعدة من الأفاضل الزاهدين؛ فعولوا علي في الإفطار، فساعدتهم رغبة لإدخال المسرة عليهم؛ فذكرنا اسم الله، ومدوا أيديهم إلى الطعام، وأردت أمد يدي لآكل معهم، فما امتدت أبداً، بل كأنها عود يابس؛ فقمتُ، وقلتُ: ترجح لي إتمام الصيام؛ وبحثت عن تلك العصيدة، فقيل: إن أصل عملها /207(2/207)
لمتولي أمر كان معنا في الحضرة؛ وكانت تلك ابتداء هذا اللطف لي في كل شيء.
قال: وقد كنا إذا جيء له بطعام، ولم يتناول منه، عرفنا أن فيه ما فيه.
الكرامة السادسة: ما رواه تلميذه، وأقرب إخوانه إليه، علي بن أحمد بن همدان الصنعاني، وهو رجل، ابتداءُ هدايته على يد الفقيه إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ وأخذ من عوارفه وأسراره، فصار الآن صالحاً، مرشداً منوراً، قد انكشف له من أسرار أسماء الله الحسنى ما أنس به وتنور، ونال به المنى؛ قال: كنا مع سيدي إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ بشعب مروان، شرقي جبل نقم صنعاء، وقفنا معه في ذلك الشعب أشهراً، وشاهدنا من أسراره وعوارفه، وكراماته وبركاته، ما يصعب ذكره، لاتساعه.
قال لي: اشتغلت بنفقتكم وجوعكم، فشغلني ذلك وآلم قلبي، فسمعت هاتفاً يقول: يا إبراهيم، إن علمت أنا نتركهم أو نضيعهم، فيحق لك أن تشتغل بهم.
قال: فسكن ما بي والحمد لله.
قال لي: فقدتُ أخاً لي من إخواني يسمى منيفاً، وكان مختلياً في بريَّة في البادية على مرحلتين، فحكّ في قلبي رؤيته، فخرج علي شخص، فقلت: من أنت؟
فلم يجبني.
فقال شخص عن يميني: هذا منيف؛ فسررت برؤيته.
قال الراوي: وسمعت أن مُنيفاً قال: إنه حمل من مسجد، وَرُدّ إليه تلك الليلة.
إلى قوله:
الكرامة الثامنة: ما وجدت بخط يده المباركة، بعد موته، الذي أشهد أنه خطه شهادة لا لبس فيها: أنت أنت، وصل يارب على محمد وآله وسلم، حصل لي في مكة ـ شرفها الله تعالى ـ ثلاث ساعات: ساعة من باب المعرفة، هي أحب إلي من مائة عمرة؛ وساعة من باب الشوق، لست أعدل بها شيئاً؛ /208(2/208)
وساعة من باب الأنس وغيره، هي أحب إليّ من ما مضى من عمري كله، من الأفعال والأقوال والأفكار.
...إلى قوله: ثم إنه حصل لي وقت ممتد من بعد صلاة الظهر إلى قبيل العصر، في النصف الأخير من شوال، من قبيل الفرح والسرور، فأنساني بما قبله؛ ولايمكنني أن أعدله بشيء مما في الدنيا، أو مما في الآخرة؛ لأنه حصل فيه فناء عن الكائن والمكونات، وعن جميع الشهوات، ورضيت النفس بها، وقرت وسكنت، وما تطلعت إلى شيء غير هذا، وحصل لي فيه لطف خفي زادني في المعرفة، ولم يداخلني مثقال ذرة أنه زادني قربة إلى الله ـ عز وجل ـ فلله الحمد كثيراً.
الكرامة التاسعة: ما وجدته بخط يده المباركة، بعد وصول كتبه وأثاثه من مكة، بعد موته ـ رحمه الله تعالى ـ ما لفظه: أنت أنت، وصل يارب على محمد وآله وسلم؛ لما كان يوم الجمعة، من النصف الأخير من شهر صفر، سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأنا أدعو لأخ من إخواني، وإذا بقائل يقول: قد أنجاه الله من النار، ورضي عليه؛ وكرر علي الكلام مراراً، وقال لي: وقع لاتنسى، وأضف الأمر إليك، واكتبه في قرطاس نقي، وبشره بهذا؛ وهو سعيد بن منصور ـ رحمه الله رحمة الأبرار ـ وأنه مجار من النار؛ كل هذا في اليقظة لا في المنام.
...إلى قوله: جاءني كتاب من مكة المشرفة، من السيد الإمام، الجامع لخصال الكمال، خيرة الخلق، وخلاصة أهل الشرف، محمد بن علي التجيبي الحسيني البخاري ـ أعاد الله من بركاته ـ وهو الذي حكى لي سيدي إبراهيم بن أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب منه.
ثم ذكر ما تقدم في كتابه من وصفه...إلى قوله: وأما كتاب السيد الذي كتبه إلي، فهو بسيط حسن، يدل على غزارة علمه، منه أن قال: من الأخ الفقير، المعترف بالتقصير، محمد بن علي الحسيني التجيبي /209(2/209)
البخاري، إلى السيد شريف، يحيى بن المهدي الحسيني، ألهمك الله ذكره، وأوزعك شكره.
واعلم سيدي، أنه ورد في الأخبار: ((يموت المرء على ما عاش عليه، ويحشر على مامات عليه))، نسأل الله التوفيق، والموت على الإسلام، لنا ولأحبابنا، وحسن الخاتمة.
ومنه: الحمد لله، الذي أشرق نوره في قلوب أوليائه، فاستنارت به سماوات أرواحهم، وأرض نفوسهم وأشباحهم؛ الله نور السماوات والأرض ومن فيهن، ألسنتُهم بذكره لَهِجة، وقلوبهم بنوره بهجة؛ إن نطقوا فعنه، وإن استمعوا فمنه.
...إلى قوله: فهم معادن برازخ الأنوار، ومعادن الأسرار.
ومنه: العلماء ورثة الأنبياء إلى العلم بالله؛ لأن العلم بالله يورث الخشية؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28]، ولم تزل سلسلة الصلاح تمتد من وقت نبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى وقتنا هذا، ولن تزال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
فالله ـ تعالى ـ يحقق نسبتنا من هذه الطائفة، وأن يتوفانا على محبتهم، وأن يزيدنا منهم وداً، ولايجعلنا ممن نقض له عهداً، بمنه ولطفه.
ومن لطف الله بنا، وعوارفه علينا، أن جمعنا وعرفنا بشيخ زمان قطب المكان.
...إلى قوله: العالم العامل، الكامل بتكميل الله، إبراهيم بن أحمد الكينعي اليمني، فخر يمن، ويد الزمن.
...إلى قوله: أخي يحيى ـ أكرمه الله بالأسرار الربانية، والمعارف الإلهية ـ إن سيدي إبراهيم حجة من آيات الله؛ فضله عظيم، وكرمه عند الله جسيم، /210(2/210)