وصِلَة لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ولأخيه السيد الهادي بن علي بن حمزة، وهو زهاء مائة وخمسين قفلة؛ فوصل إلى مكة المشرفة، وجمعها من حيث أراده الله، وسار بها بنفسه إلى الصفراء، وينبع؛ وسلم دين أخيه، واستبرأ من ورثة عدة، وكتب إلى أخيه: بأني قد قبلت لك، وقضيت عنك، وسلمت ما عليك إلى أرباب الدين، وحصلت لك البراءة التامة، وعليها حكم الحاكم، وشهادة الشهود.
جعل الله هذه الصلة من أثقل ما يجد في ميزانه، وأعاد من بركاته على كافة إخوانه.
قال: ومن مكارم أخلاقه المبرورة، وسجاياه المشكورة، أنه كتب إلى بعض موِدّيه من مكة المشرفة.
قلت: المكتوب إليه المؤلف السيد الإمام الرباني، يحيى بن المهدي (ع)، وانظر إلى تواضع أولياء الله لآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مع أن إبراهيم شيخه، ومربيه ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: نسخته: حسبي ربي وكفى، ونعم الوكيل؛ وصلّ يارب على محمد وآله وسلم يا إلهي؛ أفقر الفقراء إلى الملك الأعلى، محبة بلسانه وجنانه، المؤمل أن يُقَبِّل تراب أخمص نعليه، وما ذاك على ربي بعزيز ـ إبراهيم بن أحمد ـ أما بعد: فإني أحمد الله، الذي لا إله إلا هو، حمداً كثيراً مباركاً فيه؛ وصلني كتابك فشفاني، وسكن اشتغالي بك، فليس في قلبي أقدم منك كما يعلم ربي؛ وكذا من رحمة الله تزوره آناء الليل وأطراف النهار، أخونا وحبيبنا، سعيد بن منصور الحجي؛ فلقد أوحش علي اليمن بعده، ومَضَّني فراقه، وسرني هذه الوفاة التي حصلت له على الإقبال إلى الآخرة، كان من الأفاضل المقربين، ومن خيرة الأولياء والصالحين، جمع الله ـ تعالى ـ بيننا وبينه حيث لا افتراق بعده.
تعلم أن أحوالي جميلة، غاية ما يكون من أمور الدنيا /191(2/191)


والآخرة، ما أعتقد يحصل لي خير إلا من دعائك ودعاء أختي مريم، كان خاطرها معي، فرحم الله مريم، وأصلح أمورنا الجميع، بمحمد وآله.
قلت: هي أخت عابد اليمن، الفاضلة العابدة، مريم بنت أحمد الكينعي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: وتعلم أن لي في مكة المشرفة أربعة مواضع، كلها أشاهد فيها البيت العتيق؛ ومن ألطاف الله الجميلة معرفتي بهذا السيد العالم، محمد بن علي التجيبي الحسيني ـ حسن الله تعالى به حال دنياي وآخرتي ـ وكنت في جنب علمه في علم المعاملة، كمثل أهل شعوب في جنب عالم حاز علم الشريعة، وعلم الحقيقة؛ شاب حدث، تأتيه الفتوح من البلاد، وما عليه إلا مرقعة للحر والبرد، وله تصانيف في علم الشريعة، وعلم الطريقة، وله فضائل جمة؛ وقد كتب إليك وواخيته لك، وصدر لك بسجادة ومسبحة، وهو رجل زادني به الله هدىً ونوراً، وبهجةً وحبوراً؛ والفقيه علي بن أبي القاسم الشقيف ناظم لأموري، معيناً لي؛ فجزاهم الله عني خيراً؛ والشريفة المفضلة والدتك.
قلت: هي الشريفة الطاهرة، جوهرة النبوة الفاخرة، ابنة الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة، أم السيد الولي يحيى بن المهدي (ع).
قال: والسيد الولي صنوك.
قلت: هو السيد الإمام أحمد بن المهدي، أخو عماد الإسلام المؤلف.
قال: والسيد الحبيب ولدك عبدالله.
قلت: هو السيد الإمام، حافظ علوم العترة الكرام، أبو العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي (ع).
قال: وكافة الأحباب والأصحاب؛ الله يتحفهم بأشرف السلام، وأزكى التحية والإكرام.
[مودة الكينعي لأهل البيت(ع)]
قال السيد الإمام، عماد الإسلام (ع): واستخرت الله تعالى، /192(2/192)


وذكرت لمعة شافية، وسحابة بالبركات هامية، في مودته لآل محمد جملة، وفي الإمامين الأكرمين، الذين أحيا الله بهما دينه، وأعلى رسمه، وطمس بحميد سعيهما رسوم الجاحدين، ومآثر الفاسقين، وسنن المجرمين، وعتاة الظالمين: المولى الإمام المهدي، لدين الله العلي، علي بن محمد بن علي بن الهادي لدين الله ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وولده الإمام الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، رحمة الله الشاملة على البلاد والعباد، ونقمته على الملاحدة الباطنية وذوي العناد، صلاح الأمة، وكاشف الغمة، محمد بن علي بن محمد؛ توّجهما الله تعالى بتاج الكرامة، وأحلهما دار الأمن والسلامة، مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وجزاهما عن الإسلام خيراً، وعن المسلمين ثواباً جزيلاً، وأعاد من بركتهما على العارف والسامع والمبلغ، وصلى الله عليهما وعلى آبائهما، بأفضل الصلاة والسلام، وأزكى التحية والإكرام، وفي حلية إخوانه المذكورين، وفضلاء دهره من العلماء والصالحين؛ لنفوز بحبهم، ونتبرك بذكرهم ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ثم ساق في فضل أهل البيت (ع)، وقد تقدم ما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
قال: وكان إبراهيم الكينعي يحب أهل البيت محبة ظاهرة، لايتقدمهم في قول ولا عمل، ويقول: يهنيكم يا آل محمد الشرف العلي في الدنيا والآخرة.
وأروي عنه خبراً يسنده إلى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لاتزول قدمُ عبد على الصراط حتى يسأله الله عن أربع: شبابه فيم أبلاه؟ وعمره فيم أفناه؟ وماله من أين اكتسبه وفيم وضعه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)) /193(2/193)


- قلت: وقد تقدّم -.
وكان رحمه الله يستبرئ ممن عرف من أهل البيت، ويقول: لسنا نقوم لكم بحق يا آل محمد، فأحلوا علينا، مع أنه كان الحفي بآل محمد؛ ما علمت أنه دخل عليه شريف إلا يقف بين يديه وقفة العبد الذليل المطرق ـ جزاه الله عن آل محمد خيراً ـ وكان ينهى إخوانه عن الصلاة البتراء.
...إلى قوله: وكذا يصلي، ويهدي ثوابها إلى الأئمة السابقين، من علي (ع) إلى يومنا هذا في الأغلب، في كل يوم وليلة من الصلوات، وختم القرآن الكريم، ويقول ـ رحمه الله ـ: أفعل ذلك لعل الله ـ تعالى ـ يقبله مني ببركاتهم وأسرارهم.
قال: وأما فضل الإمام المهدي لدين الله، علي بن محمد بن علي بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومودته فيه، ففضله ظاهر كظهور الشمس، وفضائله ـ أعاد الله من بركاته ـ تروى من غير لبس، جمع (ع) علوم الاجتهاد في سنين يسيرة، وحاز خصال الإمامة من بلوغ درجة الاجتهاد في العلوم كلها، ومكارم الأخلاق، التي لم يسبقه إليها أحد، التي فاقت وراقت؛ والكرم الذي عمّ واشتهر، وحسن التدبير، والسكينة والوقار.
[من صلة الإخوان في الإمام يحيى بن حمزة (ع) وأولاده]
فلما توفي الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أكسفت شمس العلوم والبركات، على كافة المسلمين.
ثم ساق في فضل الإمام يحيى (ع).
قال: وكان زاهداً في الدنيا، كان تحته بساط خلق، فقيل له: لو اتخذت بساطاً جديداً؟
فقال: لو شئت أن يكون بساطي من ذهب وحرير لفعلت؛ ولكن لنا برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أسوة، جهز ابنته سيدة نساء العالمين، ابنة سيد المرسلين، زوجة سيد الوصيين، بوسادة من أَدَم، حشوها ليف، /194(2/194)


وإهاب كبش.
قال: وكان له ـ أي الإمام يحيى (ع) ـ سبعة أولاد علماء، حلماء، كرماء، عبّاد، زهاد، مجاهدون.
عبدالله الكبير، حاز شروط الإمامة كلها، وله وقعات، وملاحم في حرب الباطنية بصنعاء، وغيرها.
ومحمد عالم، فاضل، فائق الكرم، جامع لخصال الشرف، تحمّل مشقة هجرتهم حوث، وكان العلماء والدرسة في بيته إلى قدر الخمسين أو الستين، ومن الضيف إلى قدر ذلك وأكثر.
وإدريس كان عالماً، فصيحاً، شجاعاً، له ملاحم.
وحسين كان فاضلاً، حاز خصال الكمال برمتها، وله جهاد عظيم، وكان له كرامات، وبركات تروى.
وأحمد كان عالماً، فاضلاً، زاهداً، عابداً، متواضعاً، متحنناً على المسلمين.
والهادي كان عالماً، فاضلاً، خرج من ماله كله، ولبس الخشن من الصوف، وانتعل المخصوف، وللهادي عشرة أولاد علماء، حلماء، فضلاء، كرماء.
[في نبذة من الفضلاء حفُّوا بالإمام المهدي علي بن محمد (ع)]
والمهدي كان عالماً، فاضلاً، زاهداً، عابداً؛ سمعت حي الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر (ع)، قال: أولاد الإمام يحيى بن حمزة سادات السادات، بهم إلى الله تستنزل البركات.
قال: فلما توفي الإمام المؤيد بالله أظلمت الأقطار، وارتاعت الأمصار، واجتمع علماء صعدة، وعلماء ظفار، وعلماء حوث، وعلماء مدحج، إلى قدر ثلاث مائة، أو يزيدون، وقعدوا يطلبون الإمام المهدي (ع) بالقيام شهرين كاملين، وشهدوا له أن القيام هو الواجب عليه، وكان يشار في ذلك الموقف إلى من قد جمع خصال الكمال، السيد /195(2/195)

15 / 151
ع
En
A+
A-