يُنازع؛ وقد كان ذهب بصره في آخر أيامه، من البكاء على علي بن أبي طالب ...إلخ.
وقد كان العباس بن عبد المطلب ، وولده حبر الأمة، وإخوته، وأولاد جعفر بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب، وسائر بني هاشم، ومن معهم من أعيان الصحابة السابقين، ملازمين لأمير المؤمنين، داعين الأمة إلى إمامته، والقيام بطاعته، منذ قُبِض سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ كما هو معلوم عند ذوي العرفان من المسلمين.
وقد شهد جميع مشاهده، والجهاد بين يديه، مَنْ أدرك ذلك منهم؛ كما قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته: شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين والنهروان، وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه، وعبيد الله وقثم ابنا العباس، ومحمد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب ، والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .
قلت: ونقل ابن حجر ذلك في الإصابة؛ ومنهم: العباس بن ربيعة بن الحارث ، المبارز يوم صفين تلك المبارزة المشهورة المذكورة في شرح النهج.
[عدم صحة معاتبة الوصي (ع) لابن عباس]
نعم، وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لابن عمه أمير المؤمنين - عليه السلام - الوزير الأعظم، والنصير المقدم؛ وما يحكى عنه من أخذه المال، ومفارقته لمحل عمله بالبصرة، ومعاتبة الوصي - عليه السلام - له غير صحيح؛ فمقامه أجل وأرفع من ذلك؛ والكتاب الذي في النهج غير موجه إليه، وليس فيه تصريح كما أفاده العلامة الشارح، والإمام عز الدين بن الحسن - عليه السلام - في المعراج .
ولم يزل عاملاً لأمير المؤمنين /110(3/110)
- عليه السلام - عليها كما صرح به أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ، وذكره ابن حجر في الإصابة، حيث قال: ولم يزل ابن عباس على البصرة حتى قُتل علي.
قال المولى العلامة نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي : لأن مقامات عبد الله في شأن علي في حياته وبعد وفاته، وإجلاله له والذبّ عنه والانتماء إليه، ينافي ما قيل من المكاتبة في أخذ المال؛ على أن ما رواه أبو الفرج الأصفهاني ، من أن عبد الله بن العباس كتب إلى الحسن بن علي، في أول خلافته، من البصرة، ينافي أنه أخذ مال البصرة وهرب به إلى مكة.
روى أبو عبيدة عن عمرو بن عبيد ، أن ما قيل من أخذ ابن عباس للمال قول باطل؛ فإن ابن عباس لم يفارق علياً إلى أن قُتل، وشهد صلح الحسن بن علي.
قال: وكيف يجتمع المال بالبصرة.
إلى قوله: وهو يفرغ بيت المال في كل خميس ويرشه، انتهى من أمالي المرتضى.
وروى المرشد بالله بإسناده عن أبي صالح، قال: ذكر علي بن أبي طالب - عليه السلام - عند عائشة، وابن عباس حاضر؛ فقالت عائشة: كان من أكرم رجالنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
فقال ابن عباس: وأي شيء يمنعه من ذلك؟ اصطفاه الله لنصرة رسوله، وارتضاه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لأخُوَّتِه، واختاره لكريمته، وجعله أبا ذريته، ووصيه من بعده؛ فإن ابتغيت شرفاً فهو في أكرم منبت وأورق عود، وإن أردت إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه، وإن أردت شجاعة فنهمة حرب وقاضية حتم، يصافح السيوف أبسالاً، لا يجد لموقعها حساً، ولا تنهنهه تعتعة، ولا تفلّه الجموع، والله ينجده، وجبريل يرفده، ودعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعضده، أحدّ الناس لساناً، وأظهرهم بياناً، وأصدعهم بالجواب، في أسرع جواب؛ عِظَتُه أبلغ /111(3/111)
من عمله، وعمله يعجز عنه أهل دهره؛ فعليه رضوان الله، وعلى مبغضه لعائن الله. انتهى.
وروى محمد بن سليمان الكوفي نحوه بسنده إلى عبد الله بن صفوان ، قال: كنت عند عائشة، فذكر علي؛ فقالت: كان من أكرم رجالنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
فقال رجل ـ ولم يسمه ـ...إلى آخره.
قال رجل لابن عباس: سبحان الله ما أكثر فضائل علي ومناقبه! وإني لأحسبها إلى ثلاثة آلاف.
فقال ابن عباس: أو لا تقول: إنها إلى ثلاثين ألفاً أقرب.
رواه الخوارزمي بإسناده، عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه، عن جده.
وقال ابن عباس: العلم ستة أسداس؛ لعلي بن أبي طالب خمسة أسداسه، وللناس سدس؛ ولقد شاركنا في السدس، حتى هو أعلم منا به.
رواه الخوارزمي عنه من طريقين، ومثله في ذخائر العقبى.
قلت: وروي عن ابن مسعود : قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة، والناس جزءاً واحداً.
وهو في تفريج الكروب بلفظ: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فسُئل عن علي، فقال: ((قُسِّمت الحكمة... الخبر)) رواه ابن المغازلي.
وفي بعض كتب العترة: عن ابن مسعود ، قال: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -...الخبر، بزيادة: ((وعلي أعلم بالواحد منهم )) الأزدي وابن النجار وابن الجوزي وأبو علي البرذعي وحل (وهو رمز الحلية لأبي نعيم) أي أخرجه هؤلاء.
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب، بسنده إلى ابن عباس، قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم؛ وأيم الله، لقد شارككم في العشر العاشر/112(3/112)
وروى ابن عبد البر أيضاً، بسنده إلى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.
ورواه ابن حجر العسقلاني ؛ وقد سبق معناه عنه، من غير هذه الطريق؛ وهو يدل على أن قول الوصي - عليه السلام - عنده حجة، كما قضت به الأدلة.
وروايات ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وأقواله وأفعاله، في شأن ابن عمه أمير المؤمنين - عليه السلام - أكثر من أن يحصيها كتاب، أو يحيط بها الاستيعاب.
قال شارح النهج: وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخريجه، وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: سُئل ابن عباس عن علي، فقال: ملئ عزماً وحزماً وعلماً ونجدةً.
أخرجه الحاكم.
وقال ابن عباس: لعلي أربع خصال، ليست لأحد غيره، هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فَرَّ عنه غيره، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره.
أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب، وأخرجه علي بن الحسين في المحيط عن ابن عباس، إلا لفظ (أربع)، وزيادة (المهراس) قال: وهو الذي صبر معه يوم المهراس، وانهزم الناس كلهم غيره.
وأخرجه الكنجي والإمام أبو طالب ، عن ابن عباس، كما في المحيط.
وقال ابن عباس: ليس من آية في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } إلا وعلي بن أبي طالب رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في القرآن، وما ذكر علياً إلا بخير.
أخرجه عنه أحمد، والكنجي /113(3/113)
وقال المحب الطبري: عن ابن عباس، وقد سُئل عن علي: رحمة الله على أبي الحسن؛ كان والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، ومحل الحجا، وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجا، وداعياً إلى المحجة العظمى، مستمسكاً بالعروة الوثقى، أتقى من تقمص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى، بعد محمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النساء، فما يفوقه أحد؛ لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله؛ فعلى من بغضه لعنة الله ولعنة العباد، إلى يوم التناد.
أخرجه أبو الفتح القواس، ورواه علي بن الحسين المسعودي في مروج الذهب ، انتهى.
قلت: وقوله: ولم ترَ عيناي...إلخ أي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً، وهذا معلوم لكل مسلم، فلا يحتاج مثله إلى تقييد، مع أنه قد صَرّح في أول الخبر بقوله: بعد محمد المصطفى.
[شيء من فضائل ابن عباس]
هذا، قلت: قال المحب الطبري في الذخائر: عن ابن عباس: ضمني رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقال: ((اللهم عَلِّمْه الحكمة )) أخرجه الترمذي ، وقال: حسن صحيح؛ والبغوي، وأبو حاتم؛ وخرجه البخاري، وقال: ضمني إلى صدره؛ وفي رواية له: ((اللهم علمه الكتاب )) وخرجه أبو عمر، وزاد: ((وتأويل القرآن )) ولم يقل: ضمني؛ وفي أخرى: ((وزده علماً، وفقّهه في الدين )) قال أبو عمر: وكلها أحاديث صحاح.
وفي رواية خرجها الحافظ الثقفي: ((زده فهماً وعلماً )) انتهى.
قلت: قال أبو عمر في الاستيعاب: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه أنه قال لعبد الله بن العباس: ((اللهم علّمه الحكمة وتأويل القرآن ))، وفي بعض الروايات: ((اللهم فَقِّهه في الدين، وعلمه التأويل )) وفي حديث آخر: ((اللهم بارك فيه، وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين ))، وفي /114(3/114)