((يشتد عليكما مرض علي؟)).
فقالا: سبحان الله! وكيف لا يشتد علينا مرض علي؟
فقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((والذي نفسي بيده، إنكما لا تخرجان من الدنيا حتى تقاتلاه وأنتما له ظالمان)).
قال في الحدائق: ودعا علي - عليه السلام - طلحة، فقال: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ))؟
قال: نعم.
قال: فلم تقاتلني؟
قال: لم أذكر؛ وانصرفَ.
وروي أنه لما رُمي بسهم، قال بعدما أفاق من غشيته: ما رأيتُ مصرع قرشي أضلّ من مصرعي.
وقتل طلحةَ مروانُ بن الحكم.
وفي الرواية أنه لما صرع مَرّ به رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أمن أصحابنا أم من أصحاب أمير المؤمنين؟
فقال: بل من أصحاب أمير المؤمنين.
فقال: ابسط يدك لأبايعك لأمير المؤمنين، فألقى الله على بيعته؛ أما والله ما كفتنا آية من كتاب الله، وهي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال:25]، فوالله لقد أصابت الذين ظلموا خاصة.
[طلحة بن معاوية السلمي]
طلحة بن معاوية السلمي.
قال: أتيت النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقلت: إني أريد الجهاد، فقال: ((أمك حية؟)) قال: نعم، فقال: ((الزم رحلها فثمة الجنة )) رواه ولده محمد، وأخرجه الطبراني ، ورواه عنه الإمام المرشد بالله؛ وذكر الحديث كما ذكره في الجامع /105(3/105)
[طلق بن علي السحيمي]
طلق (بفتح أوله، وسكون اللام) بن علي بن منذر بن قيس السحيمي (بمهملتين مصغراً) أبو علي اليمامي، وفد قديماً، وبنى في المسجد، وروى عنه: ابنه قيس.
قلت: روى عنه خبر عدم النقض بمس الذَّ كَر.
قال السيد الإمام وغيره: أخرج له المؤيد بالله ، والمرشد بالله، والأربعة.
---
(فصل العين المهملة)
[العباس بن عبد المطلب بن هاشم]
العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عَمّ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أبو الفضل، كان أسن من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بسنتين أو ثلاث.
وفي رواية الإمام أبي طالب لما سُئل أيما أكبر، أنت أو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
ولم يزل مُعظَمَاً في الجاهلية والإسلام؛ وخرج إلى بدر مع المشركين، فأسره المسلمون، ففادى نفسه وابني أخيه عقيلاً ونوفلاً، وأسلم عقيب ذلك.
قلت: وقد ذكر أنه أسلم قبل ذلك، ولكنه لم يظهره إلا فيه.
قال السيد الإمام: وعذره النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الإقامة بمكة من أجل سقايته، ولقي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في سفر الفتح، وخرج معه إلى حنين.
قلت: وثبت عند رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مع من ثبت من قرابته الذين أنزل الله سكينته على رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعليهم؛ قال العباس في ذلك:
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة .... وقد فَرّ مَنْ قد فَرّ عنه وأقشعوا
وثامننا لاقى الحمام بسيفه .... بما مسّه في الله لا يتوجعُ
/106(3/106)
أفاده في الاستيعاب عن ابن إسحاق، انتهى.
وأمره فنادى: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة ـ وكان رجلاً صيِّتاً، قيل: إنه كان يسمع من ثلاثة أيام، وأنه نادى مرة في مكة: واصباحاه؛ فأسقطت الحوامل، وأنه كان يصيح على السبع فتنفتق مرارته؛ ذكره في الكشاف ـ فأقبلوا كأنهم الإبل يقولون: لبيك لبيك؛ وأخذ - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بيده كفاً من الحصى، فرمى العدوّ بها، وقال: ((شاهت الوجوه))، ثم قال: ((انهزموا ورب الكعبة ))، ولم يبقَ أحد منهم إلا دخل في عينه من رمية رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- وأنزل الله تعالى الرعب في قلوبهم، وأيّد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بملائكته، فرآهم المشركون على خيل بلق، وعليهم عمائم خضر.
والوقعة مشهورة، قد قص الله تعالى في الكتاب منها ما فيه كفاية.
[استسقاء الصحابة بالعباس - رضي الله عنه -]
وقصة استسقاء الصحابة به معلومة.
قال في الاستيعاب: وروينا من وجوه عن عمر أنه خرج يستسقي، وخرج معه العباس؛ فقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ونستشفع به، فاحفظ فيه لنبيك - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما؛ وأتيناك مستغفرين ومستشفعين.
إلى قوله: ثم قام العباس وعيناه تنضحان، ثم قال: اللهم أنت الراعي، لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، وقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى؛ فأنت تعلم السر وأخفى؛ اللهم فأغثهم بغياثك، من قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون.
فنشأت طريرة من سحاب، فقال الناس: ترون ترون.
ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح، ثم هزت ودَرّت؛ فوالله، ما برحوا حتى اعتنقوا الجدر، وقلصوا المآزر، وطفق الناس بالعباس يمسحون /107(3/107)
أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين - عليه السلام -:
بعمي سقى الله البلاد وأهلها .... عشيّة يستسقي بشيبته عمر
وهذا صريح التوسل به والاستشفاع؛ لقربه من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فهل يسوغ لمسلم أن يجعل فعل الصحابة كالتوسل والاستشفاع بالأصنام؟! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
قال السيد الإمام: وكان ـ أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعظمه ويعطيه العطاء الجَزْل؛ وكذلك الخلفاء بعده، ونصبه عمر للاستسقاء فسقوا؛ ثم توفي في المدينة، في رجب، سنة اثنتين ـ أو أربع ـ وثلاثين، عن ثمان وثمانين.
أخرج له: أئمتنا الثلاثة، والهادي للحق،، والجماعة.
عنه: ولده عبد الله، وخزيمة بن أوس ، وغيرهما.
[عبد الله بن جعفر بن أبي طالب]
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ، أبو جعفر الهاشمي، أول مولود من المسلمين بالحبشة؛ وكان جواداً ممدحاً كأبيه.
أمه أسماء بنت عميس ، شهد فتوح الشام.
قلت: وشهد مع عمه الوصي - عليه السلام - مشاهد الجهاد.
قال في الطبقات : وله أخبار واسعة في السخاء والفتوة.
وتوفي بالمدينة سنة ثمانين، عن ثمانين.
خرج له: الإمام أبو طالب ، وله ذكر في المجموع في الوكالة والحجر، وروى له محمد.
عن علي - عليه السلام -، وعن أمه.
وعنه: هلال، وولده إسماعيل.
قلت: ولما سمع قول الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة .... حتى يُصاب بها طريق المصنع
قال: أما أنا فأقول:
يدُ المعروف غُنْمٌ حيث كانت .... تلقّاها كفور أو شكورُ
فعند الصالحين لها جزاءٌ .... وعند الله ما جحد الكفورُ
/108(3/108)
[عبد الله بن العباس]
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو العباس الهاشمي؛ حبر الأمة، وترجمان القرآن.
ولد قبل الهجرة، وحنّكه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بريقه، ودعا له؛ ويسمى البحر لسعة علمه، وهو أحد الستة المكثرين في الرواية، وكان أكثرهم فتيا وأتباعاً؛ وكان عمر وغيره يرجعون إليه، واستعمله علي - عليه السلام - على البصرة.
وتوفي بالطائف سنة سبعين.
قلت: وفي الاستيعاب والإصابة وغيرهما: سنة ثمان وستين.
قال في الطبقات : بعد أن كف بصره؛ وفي الرواية: أنه من البكاء على الوصي - عليه السلام -؛ وصلى عليه محمد بن الحنفية؛ وقبره به مشهور مزور.
أخرج له الهادي للحق، وأئمتنا كافة، والجماعة، وأصحاب المسانيد، وغيرهم.
وروى عنه ولده علي بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، وسليمان بن يسار ، والضحاك بن مزاحم ، وطاووس، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد، وميمون بن مهران ، وأبو العالية ، وغيرهم.
قلت: قال الإمام الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهم السلام:
وهو ـ أي ابن عباس ـ واحد زمانه، ونسيج وحده؛ اجتمعت هذه الأمة على محبته؛ وله من الفضائل ما تصعب الإحاطة به؛ وإنما نذكر طرفاً على وجه الرعاية لحقه، وإلا فشهرة أمره تغني عن الإطناب في ذكره.
في الحديث أن أباه العباس رحمه الله تعالى بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض حاجته، فأتاه وجبريل - عليه السلام - يناجيه، فاستحيا أن يقطع نجواهما، ولم يعرف جبريل - عليه السلام - فرجع إلى أبيه، فأعلمه؛ فجاء إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأعلمه بذلك؛ فضم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عبد الله إليه، ومسح على صدره، وقال: ((اللهم فقهه في الدين، وانشر منه ))، فكان كذلك، فروت عنه جميع الأمة؛ وهو الفقيه الذي لا يُدافع، والمصقع الذي لا /109(3/109)