وعكرمة بن أبي جهل، المخزوميان؛ وهؤلاء أشراف قريش، الذين حاربوا النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وكلهم موتور.
ثم ذكر فروة بن عمرو ، قال: وكان ممن تخلّف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقاد فرسين في سبيل الله؛ وكان يتصدق من غلّة نخله بألف وسق في كل عام، وكان سيداً، وهو من أصحاب علي، وممن شهد معه يوم الجمل.
قال الزبير: ثم إن رجالاً من سفهاء قريش ومثيري الفتن، اجتمعوا إلى عمرو بن العاص، فقالوا له: إنك لسان قريش.
ثم حكى مسيره إلى المسجد، وكلامه في الأنصار.
قال: ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب ، وندم على قوله؛ للخؤولة بين ولد عبد المطلب وبين الأنصار، ولأن الأنصار كانت تعظم علياً وتهتف باسمه حينئذ.
فقال الفضل: يا عمرو، إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك، وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد بالمدينة، إلا أن يأمرنا، فنفعل.
ثم رجع الفضل إلى علي، فحدثه، فغضب وشتم عمراً، وقال: آذى الله ورسوله.
ثم قام فأتى المسجد، فاجتمع إليه كثير من قريش، وتكلّم مغضباً، وقال - عليه السلام -: إنه مَنْ أحبّ الله ورسوله أحبّ الأنصار.
قال الزبير: فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص، فقالوا: أيها الرجل، أما إذا غضب علي فاكفف.
قال الزبير: وقال علي للفضل: انصر الأنصار بلسانك ويدك، فإنهم منك وإنك منهم.
فقال الفضل:
قلتَ يا عمرو مقالاً فاحشاً
إنما الأنصار سيف قاطعٌ
وسيوف قاطع مضربها
نصروا الدين وآووا أهله
وإذا الحرب تلظت نارها
إنْ تَعُد يا عمرو والله فلكْ
من تصبه ظبة السيف هلكْ
وسهام الله في يوم الحلكْ
منزل رحب ورزق مشتركْ
بركوا فيها إذا الموت بركْ
/55(3/55)


ثم حكى أبيات حسان بن ثابت ، وقد بعثت إليه الأنصار، وقال له خزيمة بن ثابت : اذكر علياً وآله يكفك كل شيء، فقال:
جزى الله عنّا والجزاء بكفه .... أبا حسنٍ عنا ومَنْ كأبي حسنْ؟
سَبَقْتَ قريشاً بالذي أنت أهله .... فصدرك مشروح وقلبك ممتحنْ
..إلى قوله:
حَفِظْتَ رسول الله فينا وعهده .... إليك ومن أولى به منك من ومن؟
ألست أخاه في الهدى ووصيه .... وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن؟
فحقك ما دامت بنجد وشيجة .... عظيم علينا ثم بعد على اليمن
وذكر مما جرى بينهم قول زيد بن أرقم لعبد الرحمن بن عوف: إن ممن سميت من قريش، من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، علي بن أبي طالب .
قال الزبير: فلما كان الغد، قام أبو بكر فخطب الناس، وقال: أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني؛ إن لي شيطاناً يعتريني، فإياكم وإياي إذا غضبت، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة...إلخ.
قلت: ليته ترك خيرهم يليهم، الذي لا يؤثر في أشعارهم وأبشارهم؛ بل يحملهم على الحق القويم، والصراط المستقيم، وهو الذي كان يقول، إذا علا المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني...الخبر.
وهو الذي نصبه لهم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم الغدير، وقرر ولايته، وهنأه بذلك أبو بكر وعمر.
* ولو لم يكن نصٌّ لقدَّمَه الفضل *
فكيف وفي الكتاب والسنة ما لا يحصر؟ إذاً والله لأراح واستراح؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
نعم، وذكر قول الفضل بن العباس: يا معشر قريش، إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة، ونحن أهلها /56(3/56)


قلت: وهذه حجة عليهم لازمة، لا يجدون عنها محيصاً، ولا يستطيعون لها رداً؛ لأنه إذا بطل متمسك الخصم الذي ليس له شبهة سواه، بطلت دعواه.
ولهذا كرر الاحتجاج عليهم بها أمير المؤمنين، والحسنان، وسائر أهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ وهو مسلك من البيان، قد نطق به القرآن في غير مكان؛ مع أنه ـ صلوات الله عليه ـ قد احتج عليهم بنصوص الكتاب والسنة، في مقامات عديدة.
ومما اتفق عليه منها: يوم الشورى؛ ومنها: يوم استنشد الناس حديث غدير خم، وغيرهما.
وهم يعلمونها؛ ويقرّون بها، وما طال العهد، ولا بعد الأثر، ولذلك عدلوا إلى الاحتجاج عليهم بنفس حجتهم، وعين دليلهم، وهو من القلب، الذي يقال له القول بالموجب، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّبُ؟
وهذا واضح معلوم، لا يمتري فيه إلا جاهل محروم، أو متجاهل ملوم، وعند الله تجتمع الخصوم.
هذا؛ رجعنا إلى تمام الكلام:
ثم قال الفضل بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ: وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه.
ثم حكى ما دار بينهم في ذلك من الأشعار؛ ومنه قول بعض بني عبد المطلب:
ما كُنْتُ أحسب أن الأمر منتقل .... عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
...الأبيات المشهورة.
ومنها: قول لسان الأنصار وشاعرهم، النعمان بن عجلان ـ قال: وكان سيداً فخماً ـ من قصيدة له:
وكان هوانا في علي وإنه .... لأهل لها ياعمرو من حيث لاتدري
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى .... وينهى عن الفحشاء والبغي والنكرِ
وصي النبي المصطفى وابن عمه .... وقاتل فرسان الضلالة والكفرِ
...إلى آخرها./57(3/57)


وروى الجوهري، عن علي بن سلمان النوفلي، قال: سمعت أبياً يقول: ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً، بعد يوم السقيفة؛ فذكر أمراً من أمره يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنتَ سمعتَ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ، ثم تطلب الخلافة، ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير؟! لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً.
وروى أيضاً، بسنده إلى الشعبي ، قال: قام الحسن بن علي - عليه السلام - إلى أبي بكر، وهو يخطب على المنبر، فقال له: انزل عن منبر أبي.
فقال أبو بكر: صدقت والله، إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي.
وروى أيضاً، بسنده إلى أبي جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - حديثاً، فيه: إن فاطمة ـ عليها السلام ـ سألت الأنصار النصرة لأمير المؤمنين - عليه السلام- فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل؛ لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.
فقال علي: أكنت أترك رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ميتاً في بيته لا أجهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟
وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن، إلا ما كان ينبغي، وصنعوا ما الله حسبهم.
انتهى المراد إيراده.
فهذا طرف يسير مما روته العامة، دَعْ عنك ما عند آل محمد ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ وقد ملأت أقوال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في هذا الشأن الصحائف، وأجمع على نقل ذلك عند الموالف والمخالف، /58(3/58)


كما قال عالم المعتزلة شارح النهج: واعلم أنها قد تواترت الأخبار عنه - عليه السلام - بنحو هذا القول، نحو قوله: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله، حتى يوم الناس هذا.
وقوله: اللهم اجز قريشاً، فإنها منعتني حقي، وغصبتني أمري.
وقوله: فجزت قريشاً عني الجوازي، فإنهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أمي.
وقوله، وقد سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً، فإني ما زلت مظلوماً.
وقوله: إنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا.
وقوله: أرى تراثي نهباً.
وقوله: أصغيا بإنائنا، وحملا الناس على رقابنا.
وقوله: إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل؛ وإن طال السرى.
وقوله: ما زلت مُسْتأثَراً عليَّ، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه.
قلت: ونحو قوله - عليه السلام -: حتى إذا قُبض رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أُمِروا بمودته، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنوه في غير موضعه...إلى آخره.
وقوله - عليه السلام -: اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي...إلخ.
قال: وقد رواه الناس كافة.
وقوله - عليه السلام -: فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمَرّ من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار ...إلخ /59(3/59)

117 / 151
ع
En
A+
A-