وأن تكون لهم والداً، وأن تغفر لمسيئهم، وتقبل من محسنهم، وأن تدفني مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فإني أقرب إليه وأحق به ممن دخل بيته بغير إذنه، ولا بعهد عنده منه؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } [الأحزاب:53]، فوالله، ما أمروا بالدخول من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولا جاءهم كتاب من بعده بالإذن، فإن أبت عليك الامرأة، فأناشدك الله والقرابة، التي قرب الله منك، والرحم الماسّة برسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وفاطمة، وأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، علي بن أبي طالب ؛ أن تهريق فيَّ دم محجمة، حتى نلقى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - غداً، فنختصم عنده، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده.
ثم قُبض ـ رحمة الله عليه ورضوانه ومغفرته ـ.
[السبط الأصغر الحسين بن علي (ع)]
الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ، أبو عبد الله، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة جدّه من الدنيا، الإمام قام أو قعد؛ مولده بالمدينة، في شعبان، سنة أربع من الهجرة؛ فبينه وبين الحسن مدة الحمل وأربعون يوماً.
قلت: أما أنه ليس بينهما إلا ما ذكر، فهو الصحيح في رواية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ولكن يحمل على أن مدة الحمل تسعة أشهر وعشرون يوماً، لا على ما حمله عليه ابن حجر في الإصابة، من أنه لم يكن الطهر إلا بعد شهرين، فلا يصح ذلك، كما لا يخفى.
قال: تربى في حجر جده، وله عنه رواية، وأكثر الرواية عن أبيه؛ وشهد مع أبيه الجمل وصفين، ولبث في الكوفة حياة أبيه، ثم مع أخيه الحسن، حتى رجعا إلى المدينة، ولم يزل بالمدينة، حتى توفي الحسن، وحتى جاء نعي معاوية، سنة ستين؛ وورد الأمر بالبيعة ليزيد، فامتنع منها، فخرج من المدينة ليلاً، بمن معه من أهل بيته وبني عمه، نحو مكة /45(3/45)
فقدمها، وأقام بها خمسة أشهر، ووردت عليه كتب العراقيين بالبيعة؛ فبعث مسلم بن عقيل ، فكتب إليه كتاباً يستقدمه؛ فخرج في ذي الحجة لثمان مضت منها، سنة ستين، ولم يزل سائراً حتى ورد كربلاء بمن معه؛ وفيها قُتل ومن معه، في عاشر شهر محرم، سنة إحدى وستين.
وتولى حزّ رأسه سنان بن أنس النخعي ، ويقال: شمر بن ذي الجوشن .
وحمل رأسه خولي بن يزيد ، إلى ابن زياد ، ثم إلى يزيد بن معاوية .
ودفنت جثته ـ صلوات الله عليه ـ في الموضع المعروف بكربلاء، وعليه مشهد مزور معروف.
ورأسه ذكر المقريزي في أخبار مصر ، أنه نُقل إلى مصر، بدولة الفاطميين.
وحج خمساً وعشرين حجة، ماشياً، والنجائب تقاد.
روى عنه أولاده، منهم: علي بن الحسين، وغيرهم، ممن قتل معه.
أخرج له الستة، وأئمتنا جميعهم، إلا الشريف السيلقي ، انتهى كلام الطبقات بلفظه.
هذا، والوارد من الأخبار في الحسين السبط وفي استشهاده عن جده المختار، وأبيه الكرار ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وما ظهر في شأنه من الآيات البينات، واضحة المنار، لذوي الأبصار، وكذا ما نزل بأعداء الله وأعداء رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - القاتلين له من النكال والبوار، والخزي والدمار؛ أَضْرَبْتُ عن الخوض فيها للاختصار، ولمكانها من الاشتهار، قد مُلئت بها الأسفار، وسارت مسير الشموس والأقمار.
نعم، وكان الأولى بالتقديم بعد أصحاب الكساء ـ صلوات الله عليهم ـ سائر القرابة، ثم الصحابة؛ ولكن جريتُ في هذا على ما جرى من الترتيب، والله تعالى ولي الإعانة والتوفيق.
---
قال في الطبقات : (فصل) ومن هنا الشروع على حروف المعجم.
(فصل: الهمزة)
[أبي بن كعب الأنصاري ]
أبيّ (بضم الهمزة، وفتح الموحدة) بن كعب بن قيس الأنصاري /46(3/46)
الخزرجي، النجاري، البدري، أبو المنذر، وأبو الطفيل، سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدراً وغيرها من المشاهد.
خرج له الشيخان ثلاثة عشر حديثاً، وخرج له الأربعة أيضاً، وبعض أئمتنا.
والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودُفن بها.
روى عنه ابن بشير، وأبو رافع، والنخعي، والطفيل بن أبي، ومن الصحابة: سهل بن سعد، ورافع بن خديج، ورفاعة، انتهى.
وله المقام المحمود، الذي رواه الإمامان: محمد بن عبد الله النفس الزكية، ويحيى بن عبد الله، عن آبائهما، عن علي ـ عليهم السلام ـ أوضح فيه الحجة، ولم تأخذه في الله لومة لائم؛ وقد سبق ذكره - رضي الله عنه -.
[أسامة بن زيد مأمور النبي لغزو الشام]
أسامة بن زيد بن حارثة القضاعي، الكلبي نسباً، الهاشمي ولاءً، أبو زيد المدني، كان مولى لخديجة بنت خويلد.
قلت: أي أبوه.
قال: فوهبته للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو ابن ثمان، وكان يدعى زيد بن محمد، فنزل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } [الأحزاب:5].
قلت: وغيرها، كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [الأحزاب:40]، وقد يتعلق بها غلف القلوب، من طغام النواصب، الذين لا يفهمون التنزيل، ولا يفقهون التأويل، والآية واضحة في نفي نسبة رجالهم إليه، لا نفي رجاله وذريته وعترته وأبنائه، بصريح الكتاب، في قوله ـ عز وجل ـ: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } [آل عمران:61]، ودعا الحسنين، بإجماع الأمة؛ وبمتواتر السنة المعلومة.
ومثل هذا الكلام، لا يصدر إلا عن جهلة الأنام، الذين هم أشبه شيء بالأنعام، ولا يتجاسر أن يتفوه به من له أدنى مسكة من الإسلام.
قال السيد الإمام: وأمه أم أيمن، وكان النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أمَّره على جلّة المهاجرين /47(3/47)
قلت: وذلك في بعث أسامة المشهور، الذي بعثه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبيل الوفاة، وشدد في تنفيذه غاية التشديد، وتوعّد على التخلف عنه نهاية الوعيد؛ وكان في جملته أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وغيرهم، من المهاجرين والأنصار، غير أهل بيت النبوة؛ وتخلف المذكورون عن الجيش، وكان من أمر السقيفة ما كان؛ وجميع ذلك معلوم للأنام، متفق على نقله بين أهل الإسلام.
قال الإمام الحجة، عبد الله بن حمزة - عليه السلام - جواباً على صاحب الخارقة: ولو صحّ ما ذكرت من أمر رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لأبي بكر بالصلاة، لما دلّ على الإمامة؛ لأن الكل من آحاد الصحابة كان يصلي بالجميع، وأهل بيت الرسول مشغولون بأمره، فما في هذا من دليل على الإمامة؛ وقد عقد الولاية لأسامة بن زيد، على جلّة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر؛ والولاية بالأمارة أقرب إلى الإمامة.
إلى قوله - عليه السلام -: إن الحجة عليهما باقية؛ فإنهما لم يأتمرا بأمر الله ورسوله، في الخروج مع أسامة...إلى آخره.
وهذا عارض جَرّ إليه المذكور، وإلى الله ترجع الأمور.
قال: واعتزل الفتن، وعنده علي - عليه السلام -.
وذكر السيد المرشد بالله، أنه لم يقاتل مع علي، مع تفضيله لعلي، تأولاً منه أنه لا يقاتل أهل الشهادتين ـ هكذا قيل ـ والذي نقلناه من خط شيخنا، أنه لما قَتَل القَتِيل بعد أن شهد الشهادتين، ولقي من رسول الله من الكلام، الذي ود أنه لم يسلم إلا ذلك اليوم، أنه آلى على نفسه أنه لا يَكْلُم مسلماً، ولا يقاتل مسلماً؛ ولذلك قعد عن علي - عليه السلام - يوم صفين والجمل، انتهى.
توفي سنة أربع وخمسين، وروى عنه عبد الرحمن بن عوف، وكريب، وأبو ظبيان؛ وأخرج له الستة، وبعض أئمتنا، انتهى.
قلت: وما ذكر غير مخلص، وقد قال الله ـ عز وجل ـ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي /48(3/48)
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات:9]، وقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فيما تواتر عنه: ((علي مع الحق، والحق مع علي )) وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وانصر من نصره، واخذل من خذله )) وأخبار الناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لعمار: ((تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار )) في آيات تتلى، وأخبار تملى.
[أسلع بن شريك خادم النبي (ص)]
أسلع بن شريك بن عوف التميمي ـ في الأصح ـ وهو خادم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وصاحب راحلته؛ له حديث في التيمم، ذكره النواوي في التهذيب، والسيد المؤيد بالله .
وروى عنه ولده بدر؛ أخرج له ـ وبعده بياض ـ.
قال: ومن أئمتنا: المؤيد بالله فقط.
قلت: في الهامش: لم يخرج لأسلع الستة، وأهمله صاحب التقريب .
قلت: وليس له تاريخ وفاة في الطبقات ، ولا في الاستيعاب لابن عبد البر، ولا الإصابة لابن حجر، ولا جامع الأصول لابن الأثير، ولا الخلاصة للخزرجي.
ومن لم أذكر تاريخه، فلم أجده في هذه ولا في غيرها من كتب البحث، والله أعلم.
[أسيد بن أبي إياس]
أسيد بن أبي إياس.
قلت: هو الكناني، الدؤلي؛ كان شاعراً، وهو الذي كان يحرض مشركي قريش على قتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأهدر النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - دمه يوم الفتح؛ فأتاه وأسلم، وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وصحح أنه بفتح الهمزة؛ ذكره الإمام أبو طالب ، وصاحب الإكمال /49(3/49)