- عليهما السلام -، فقلت: السلام عليك، يا مُذلّ رقاب المؤمنين، أنت ـ والله بأبي وأمي ـ أذللتَ رقابنا مرتين.
يعني حين سلّمت الأمر.
إلى قوله: ومعك مائة ألف، كلهم يموتون دونك.
فقال: يا سفيان بن الليل ، إني سمعت أبي يقول: سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((يلي الأمة ـ أو أمتي ـ رجل واسع البلعوم، رحب الضرس، يأكل ولا يشبع، ولا ينظر الله إليه )).
قال: ما جاء بك يا سفيان؟
قلت: حبّكم أهل البيت.
قال: إذاً ـ والله ـ تكون معنا هكذا ـ وألصق بين إصبعيه السبابتين ـ.
وأخرجه الإمام المنصور بالله من طريقه - عليه السلام -.
وأخرجه أبو الفرج الأصفهاني ، من طريقين: إحداهما، عن الشعبي ، وفيهما: إني سمعتُ أبي علياً يقول: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((لا تذهب الليالي والأيام، حتى يجتمع أمر هذه الأمة، على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر)) وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
وفيهما: فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبهم من أمتي، كهاتين )) يعني السبابتين.
إلى قوله: أبشر يا سفيان؛ فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وقوله في حديث سفيان: ((يلي أمتي رجل... إلخ))، رواه محمد بن سليمان والمدائني، موقوفاً على علي؛ وأبو الفرج الأصفهاني بطريقين، وروى نحوه الجاحظ ، عن أبي ذر ؛ وإبراهيم الثقفي ، عن أنس، مرفوعاً.
قلت: ورواه في الحدائق؛ قال فيها: وروينا بالإسناد، عن سفيان بن الليل .
وساق رواته المرشد بالله في الخبر /40(3/40)


وفي شرح النهج: قال المدائني: ودخل عليه سفيان بن أبي ليلى النهدي، فقال: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال الحسن: اجلس ـ يرحمك الله ـ؛ إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رُفع له ملك بني أميّة، فنظر إليهم يعلون على منبره، واحداً فواحداً، فشقّ ذلك عليه؛ فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا، قال له: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ } [الإسراء:60]، وسمعتُ أبي علياً ـ رحمه الله ـ يقول: سيلي أمر هذه الأمة رجل، واسع البلعوم، كبير البطن.
فسألته: من هو؟
فقال: معاوية.
وقال لي: إن القرآن قد نطق بملك بني أمية ومدتهم، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، قال أبي: هذا ملك بني أمية.
وأخرج الإمام المرشد بالله - عليه السلام -، بسنده إلى الحسن بن علي عليهما السلام، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رفع إليه ملك بني أمية، فنظر إليهم يعلون على منبره، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } [الكوثر:1]، نَهْرَ الجنة، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1]...إلى قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، من ملك بني أمية.
قال القاسم:ـ قلت: أي ابن الفضل أحد الرواة ـ: فَحَسَبْنَا ملكهم، فانقرض لألف شهر.
وروى معنى ما ذكر في سورة القدر في الحدائق.
وأخرج ذلك الترمذي ، عن الحسن بن علي - عليهما السلام -.
وأخرج النيسابوري في تفسير سورة القدر أفاده في النصائح، قال فيها: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه في الدلائل، وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب ، قال: رأى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بني أمية.
إلى قوله: وهو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء:60]، انتهى.
وفي أنوار اليقين : وروى الإمام الحاكم رحمه الله، بإسناده في الشجرة الملعونة في القرآن، أنهم بنو أمية.
وفي تفريج الكروب : رأى /41(3/41)


رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بني أمية ينزون على منبره نزو القردة.
حتى قال: فأنزل الله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا... الآية}.
أخرجه الثعلبي في تفسيره، بإسناده عن سعد.
قال: وقد روي حديث الرؤيا لبني أمية بألفاظ مختلفة، وقد استوفى المأثور في ذلك السيوطي في الدر المنثور.
وقد ذكر الرازي في مفاتيح الغيب ، فقال: عن ابن عباس، أن الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية؛ وأنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رأى بني أمية يتداولون [على] منبره، انتهى.
[جواب الإمام الحسن (ع) على الإمام الحسين (ع) في موادعة معاوية]
قال الحسين للحسن عليهما السلام: أجاد أنت فيما أرى من موادعة معاوية؟
قال: نعم.
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ ثلاثاً ـ.
ثم قال: لو لم نكن إلا في ألف رجل، لكان ينبغي لنا أن نقاتل عن حقنا، حتى ندركه، أو نموت وقد أعذرنا.
فقال الحسن: فكيف لنا بألف رجل مسلمين؟ إني أذكرك الله يا أخي، أن تفسد عليّ ما أريد، أو ترد علي أمري؛ فوالله، ما آلوك ونفسي وأمة محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خيراً؛ إنك ترى ما نقاسي من الناس، وما كان يقاسي منهم أبوك من قبلنا، حتى كان يرغب إلى الله في فراقهم، كل صباح ومساء؛ ثم قد ترى ما صنعوا بي؛ أفبهؤلاء نرجوا أن ندرك حقنا؟ إنا اليوم ـ يا أخي ـ في سعة وعذر، كما وسعنا العذر يوم قُبض نبينا.
فسكت الحسين.
رواه الإمام الحسن - عليه السلام - في الأنوار، والفقيه حميد في الحدائق.
[من كتاب الحسن (ع) إلى معاوية]
ومن كتاب الحسن - عليه السلام - إلى معاوية، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، قال - عليه السلام -: فلما توفي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته، وأسرته وأولياؤه.
إلى قوله - عليه السلام -: فأنعمت لهم العرب، وسلمت ذلك.
حتى قال: فلما صرنا ـ أهل بيت محمد وأولياءه ـ إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا /42(3/42)


واستولوا بالإجماع على ظلمنا ومراغمتنا، والعنت منهم لنا؛ فالموعد الله، وهو الولي النصير.
ثم قال: فأمسكنا عن منازعتهم، مخافة على الدين، أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون بذلك لهم سبب، لما أرادوا من إفساده، فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية، على أمر لست من أهله.
إلى قوله: فأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدَأِ قريش لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولكتابه، والله حسيبك، وسترد فتعلم لمن عقبى الدار...إلخ.
رواه أبو الفرج في المقاتل، وروى نحوه المدائني، ورواهما شارح النهج عنهما، وغيره.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وقد اعترف ابن حجر في شرح الهمزية ، بتفرق الناس، وانتشار النظام، عن الحسن بن علي - عليهما السلام -؛ ورواه الحاكم في المستدرك ، واعترف به المقبلي في أبحاثه؛ ذكر هذا المنصور بالله محمد بن عبد الله الوزير - رضي الله عنه -.
قال: وروى الذهبي في النبلاء من طرق، ما يفيد تفرق الناس عنه؛ ورواه أبو الفرج الأصفهاني والمدائني، وروى أبو جعفر الطبري نحو ذلك.
قلت: ومن أعلام النبوة إشارة قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((قاما أو قعدا )) وتصريح قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسن - عليه السلام -، وهو على المنبر: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يبقيه حتى يصلح بين فئتين من المسلمين )) بهذا اللفظ رواه الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر الصادق، عن أبيه الباقر - عليهما السلام -، عن جابر بن عبد الله ؛ وقد سبقت رواية البخاري له، وغيره.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وتواترت الآثار الصحاح عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أنه قال في الحسن بن علي: ((إن ابني هذا سيد... إلخ)).
والأخبار متفقة على ما ذكره من صدره /43(3/43)


وهذا يدل على أن الصلح أولى من القتال، في هذه الحال؛ كما كان كذلك في صلح الحديبية، وأن الحسن السبط مصيب للحق، مرضي الفعال؛ ولا دلالة فيه على إصابة البغاة القاسطين، كما لا دلالة في صلح الحديبية على ذلك في حق الكافرين، ولا على الرضى بشيء مما هم عليه من الضلال، وقد أطلق على الجميع في بعض رواياته اسم الإسلام، والمراد المعنى العام، الذي هو الاستسلام، وإظهار الشهاديتن والصلاة، ونحوها من الأشياء التي يفارقون بها في الأحكام ، أهلَ الكتابين وعبدةَ الأصنام، كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا }...الآية، [الحجرات:14].
وقد سبق الاستدلال على ذلك، وهو معلوم لمن له بمعالم الإسلام أي إلمام.
[وصية الإمام الحسن (ع) لما حضرته الوفاة]
هذا، وقد افترت الحشوية عليه، كما افترت على أبويه؛ من ذلك: ما وضعوه في وصيّته للحسين - عليهما السلام -، التي أوردها ابن عبد البر مقطوعة السند، غير معزوة إلى أحد.
ونقلها منه الطبري في الذخائر، والأمير في شرح التحفة .
وبطلانها لا يخفى على ذوي البصائر؛ لمخالفتها المعلوم من الكتاب والسنة، وما عليه أهل بيت النبوة، بالضرورة.
والذي عند أهل بيت محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من روايات وصية أبيهم الحسن - عليه السلام - نحو ما أشار إليه السيد الإمام؛ وقد روى معناه أبو العباس الحسني .
وروى الإمام الحسن بن بدر الدين - عليه السلام - في الأنوار، أنه لما حضرته الوفاة، قال لأخيه الحسين بن علي - عليهما السلام -: اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن علي.
وساق في الشهادة لله تعالى...إلى قوله: وإني أوصيك يا حسين، بمن خلفت من أهلي، وولدي ونسائي، وأهل بيتك، أن تحفظ منهم ما أوصاك الله به، وأن توالي وليّهم، وتعادي عدوّهم، /44(3/44)

114 / 151
ع
En
A+
A-