قلت: والخطاب صدر من الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسنين - عليهما السلام -، وهما صبيان، في نحو الثمان، فلم يكن المقصود بذكر الشباب، إلا في بيان سن أهل الجنة، كما أفاده شارح الجامع الصغير حيث قال ـ وقد أنصف ـ: ويحتمل أنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((سيدا شباب ))، ولم يقل: ((أهل الجنة))، لينبّه على أن كل مَنْ فيها شاب، فيكونان أفضل من فيها، إلا من خرج بدليل آخر، كالنبيئين.
قلت: لكن لا يخص إلا من صح تخصيصه بالدليل، لا بالتقولات والأباطيل.
وقد عارضوا ما اختص به ربُّ العالمين، ورسولُه الأمين، أهلَ بيته الطاهرين، ما استطاعوا، حتى في أسمائهم وأوصافهم؛ ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ويقيم حجته؛ فإن الوارد في الكتاب والسنة، في أهل بيت النبوة، مجمع عليه، ومتواتر بين الأمة؛ وما يعارضون به متفرد بروايته، مقدوح في طرقه، آثار الوضع عليه بيّنة، لا يمتري في بطلانه العارفون، ليحق الله الحق بكلماته؛ كذلك نقذف بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون.
وفي تعَبٍ من يحسد الشمس ضوءها .... ويجهد أن يأتي لها بضريبِ
أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً.
[تخريج حديث: الولد ريحانة...إلخ]
نعم، وأما الخبر الثاني؛ فأخرجه أئمة النقل من أهل البيت وغيرهم.
ومن طرقه ما أخرجهُ الإمام الرضا، بسند آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ، قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الولد ريحانة، وريحانتي من الدنيا الحسن والحسين )).
وأخرجه الإمام أبو طالب - عليه السلام -، بسنده إلى جعفر بن محمد - عليهما السلام -، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ، قال: /35(3/35)
سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل موته بثلاث، وهو يقول لعلي بن أبي طالب: ((سلام الله عليك أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قريب ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك )).
وأخرجه أبو نعيم وابن عساكر، عن جابر.
وأخرج الكنجي ، عن جعفر بن محمد - عليهما السلام -، عن أبيه، عن جابر قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((سلام عليك يا أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا )).
وقال ابن عمر لسائل له: ألا تنظر إلى هذا، يسأل عن دم البعوض يصيب الثوب، وقد قتلوا ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم؟
يريد الحسين بن علي عليهما السلام.
أخرجه في الشافي .
وتمامه: وقد قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هما ريحانتاي من الدنيا )) أخرجه البخاري في كتابه.
وفي رواية عنه: يسألونني عن الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقد قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هما ريحانَتِيْ من الدنيا، وهما سيدا شباب أهل الجنة )) رواه الشيخان، أفاده في تفريج الكروب .
وأخرجه أحمد بن حنبل والترمذي والكنجي، بطريقه إليه بلفظ: ((إن الحسن والحسين ريحانتي من الدنيا )).
وأخرجه أيضاً عن أبي أيوب، وقال: أخرجه الطبراني ، وصاحب الحلية ، ومحدّث الشام من حلية الأولياء.
وأخرجه الإمام المرشد بالله - عليه السلام -.
وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وكيف لا أحبهما، وهما ريحانتي من الدنيا أشمهما؟ )) يعني الحسن والحسين؛ أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة ؛ وأخرج نحوه العسكري في الأمثال عن علي - عليه السلام -.
وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسن السبط: ((هذا ريحانتي من الدنيا )) أخرجه أحمد عن أبي بكرة .
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هذان ريحانتاي من الدنيا )) أخرجه الترمذي ، وصححه.
وأخرجه ابن بنت منيع /36(3/36)
بلفظ: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه؛ ثم جاء الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى، وقال: ((هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما )) وطرقه كثيرة.
[حديث: ((الحسن والحسين إمامان... إلخ))]
وأما الخبر الثالث، وهو قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما ))، فهو كذلك مجمع عليه بين الأئمة.
وقد صرّح الذكر الحكيم، وسنة أبيهما الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والتسليم، بتطهير الله تعالى، واصطفائه واجتبائه، ومحبة الله تعالى ورسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لهما ولأبيهما وأمهما، وحكم بأنهما ابنا رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وسبطاه، وحبيباه وريحانتاه، وبالسيادة لأهل الجنة، وغير ذلك من التشريف والتكريم، مما نطق به الكتاب، وتواترت به السنة، مما لا يحصر، وتتقاصر عنه أقوال البشر؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[خطبة للإمام الحسن - عليه السلام - لما أصيب علي (ع)]
ومن خطب الحسن السبط، المشهورة: لما أصيب علي ـ صلوات الله عليهما ـ قام في الناس خطيباً، فقال: الحمد لله، الذي لم يزل للحمد أهلاً، الذي مَنّ علينا بالإسلام، وجعل فينا النبوة والكتاب، واصطفانا على خلقه، فجعلنا شهداء على الناس، وجعل الرسول علينا شهيداً.
يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن محمد ، فالجد في كتاب الله أب، قال الله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [يوسف:38]، فأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله وأنا ابن السراج المنير؛ ونحن أهل البيت الذين افترض الله مودتنا وولايتنا، فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
يا أيها الناس، لقد فارقكم في هذه الليلة رجل، ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، هيهات هيهات، لطال ما قَلَّبْتُم له الأمور، في مواطن /37(3/37)
بدر وأحد، وحنين وخيبر، وأخواتها.
إلى قوله: أعطى الكتاب عزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه ـ صلوات الله عليه وعلى آله ومغفرته ـ ونحتسب أمير المؤمنين عند الله، وأستودع الله ديني وأمانتي، وخواتيم عملي.
أخرجها السيد الإمام أبو العباس الحسني ، عن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، وطرقها كثيرة كما تقدم في الفصل السابع.
[خطبته عليه السلام قبل وقوع الصلح مع معاوية]
وخطبته - عليه السلام - قبل وقوع الصلح بينه وبين معاوية، قال فيها، بعد حمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: أيها الناس، والله ما بين جابَلْص وجابَلَق ابن بنت نبيء غيري وغير أخي.
إلى قوله - عليه السلام -: وإنكم قد دُعيتم إلى أمر ليس فيه رضى ولا نصفة، فإن كنتم تريدون الله واليوم الآخر، حاكمناهم إلى ظبات السيوف، وأطراف الرماح، وإن كنتم تريدون الحياة الدنيا، أخذنا لكم العافية.
فتنادى الناس من جوانب المسجد: البقية البقية.
أخرجها الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي .
وأخرج الذهبي عن ابن دريد نحوها، وفيها: ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم؛ وإنما نعاملهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعدواة، والصبر بالجزع؛ وكنتم في منفذكم إلى صفين دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم؛ ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم...إلخ.
وقال - عليه السلام -: يا أهل الكوفة، والله، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث: لقتلكم أبي، وطعنكم فخذي، وانتهابكم ثقلي.
رواه الإمام أبو طالب ، وأبو العباس عليهما السلام.
وحكى ابن عبد ربه في عقده، والمسعودي في مروجه، ما معناه، أن معاوية قال للحسن - عليه السلام -: قم، فأعلم الناس أنك قد سلّمت الأمر إليّ.
فقام الحسن، وشكى من أهل العراق؛ وكان مما قال: أما والله، يا أهل العراق، لو لم أذهل عنكم إلا /38(3/38)
لثلاث لكانت كافية: وهي قتلكم لأبي، وسلبكم لرحلي، وطعنكم لفخذي.
ثم قال: وإنما الخليفة من عمل بكتاب الله وسنة نبيه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-؛ فأما صاحبكم هذا، فإنما هو رجل قد ملك ملكاً، يتمتع به قليلاً، ويعذب بسببه طويلاً.
وروي: وتبقى تبعته؛ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
ومن كلامه - عليه السلام - لهم: خالفتم أبي، حتى حكَّم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام، فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله؛ ثم بايعتموني، على أن تسالموا من سالمني، وتحاربوا من حاربني؛ وقد أتاني أن أهل الشرف منكم، قد أتوا معاوية، فحسبي منكم؛ لا تغروني من نفسي وديني.
رواه المدائني.
وروي أيضاً، أن الحسن - عليه السلام - خطب، بعد أن سأله معاوية، فقال فيها: الحمد لله، الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته.
ثم ذكر علياً - عليه السلام -، فقال: ولقد اختصه بفضل، لم تعدوا مثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات، طال ما قلّبتم له الأمور، حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم وعدوّكم، في بدر وأخواتها.
حتى قال: ولقد وجه الله إليكم فتنة، لن تصدروا عنها حتى تهلكوا؛ لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم؛ فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر، من سوء دعتكم، وحيف حكمكم.
يا أهل الكوفة، لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله، صائب على أعداء الله، نكال على فجّار قريش، لم يزل آخذاً بحناجرها، جاثماً على أنفاسها.
إلى قوله: أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه؛ دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه، لا تأخذه في الله لومة لائم ـ فصلوات الله عليه ورحمته ـ.
[جواب الإمام الحسن (ع) على سفيان بن الليل ]
أخرج الإمام المرشد بالله - عليه السلام -، بسنده إلى عدي بن ثابت ، عن سفيان بن الليل ، قال: دخلت على الحسن بن علي /39(3/39)