أبوهم وعصبتهم )) أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
قال: فلولا أنه أب شرعاً لم يكن عصبة، ولا لهما بذلك على سائر الناس مزية؛ ولا تنافيه أبوة علي - عليه السلام - لهما؛ وكون النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- جداً لهما، فلكل مقام اعتبار يناسبه.
وقد كانا عليهما السلام في زمانه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يدعوانه: يا أبه؛ ويقول الحسن لعلي - عليه السلام -: يا أبا الحسين؛ والحسين يقول له: يا أبا الحسن.
ولم يدعوانه يا أبه، حتى توفي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
هكذا نقل عمن يوثق به.
قال النووي، في كتاب تهذيب الأسماء واللغات : وذكر أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كناها أم أبيها.
وقال: فيه ما ينوه بمقامها غاية التنويه.
إلى قوله: فحيث نزلها أكرم الخلائق من نفسه الكريمة، منزلة أكرم الخلق عليه، فبخٍ بخٍ ثم بخٍ بخٍ.
وقد قال بعض الطلبة: في هذه اللفظة لطيفة حسنة؛ وهي أن أولاد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من فاطمة باتفاق، ويشهد له حديث: ((كل بني أنثى... إلخ)).
وإذا كانت فاطمة بمنزلة الأم، كان المختار - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بمنزلة الولد، فيكون عَقِبَها، كما لو كانت أماً له ـ صلوات الله عليه وآله وسلم ـ وأعقبت منه؛ فإن أولاده حينئذٍ أولادها لا محالة.
وهذه دقيقة جليلة يحظى بها الثقات، ويقبلها مَنْ لم يرفع النصب أنوار قلبه؛ والله أعلم.
قال بعض العلماء: إن قلت: قد جمع الله تعالى لعلي الكرم، بمشاركته لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في كل ظهر وبطن، حتى افترقا في عبد الله وأبي طالب؛ هلاّ كمل الله الفضيلة بجمعهما من ظهر عبد الله وبطن آمنة؛ ليكون أشرف وأتم لما يريده الله من جعلهما كموسى وهارون؟
ثم أجاب بأن الأمر كذلك؛ لكن الحكيم سبحانه لما قضى بأن عقب المختار من ظهر علي وبطن فاطمة، فرقهما؛ ليتم التزويج.
ولله درّ هذا /30(3/30)


العالم.
قال: وأما عدول يحيى بن يعمر، في جوابه على الحجاج، في كونهما من ذرية النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلى دخولهما تحت عموم الآية، في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)} [الأنعام:84،85] ، فللإقناع وقطع الحجة، بما لا يقدر على دفعه؛ ولاقتراح الحجاج عليه جواباً من القرآن الكريم؛ لأن أحاديث فضائل أهل البيت في ذلك العصر لا يُلتفتُ إليها، ولا يُطاق التظاهر بروايتها.
انتهى المراد بتصرّف يسير.
قال السيد الإمام: ولما مات النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - جاءت تطلب ميراثها، فروي لها: ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما خلفناه ـ أو تركناه ـ صدقة )) رواه السيد أبو العباس وغيره.
وفي رواية: جاءت إلى أبي بكر، فقالت: فدك بيدي أعطانيها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لوكيلي.
فقال: يا بنت محمد، أنت عندي مصدّقة، إلا أن عليك البينة.
فجاءت بعلي وأم أيمن.
على الأشهر من الروايات ـ وذكرها زيد بن علي وغيره ـ أنه قال: رجل مع الرجل، أو امرأة مع المرأة.
فلم تأت بأحد.
قلت: وفي تفريج الكروب : أرسلت فاطمة إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر؛ فقال أبو بكر: إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((لا نورث ما تركناه صدقة )).
وساق حتى قال: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فَوجِدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ستة أشهر.
فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي - رضي الله عنه -.
أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة، انتهى. /31(3/31)


قال: ولم تلبث بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلا ستة أشهر، وتوفيت.
وفي رواية السيد أبي طالب، عن الباقر: أربعة أشهر.
وسنّها يوم ماتت وقد جاوزت العشرين بقليل.
قطع به ابن حجر.
ورواية الباقر: ولها ثلاث وعشرون سنة.
قال في جامع الأصول : وأهل البيت يقولون ثمان عشرة سنة.
قال السيد الإمام: وهو الأولى.
قال: وكانت أول لاحق به من أهله.
قلت: وقد بشرها أبوها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بذلك، كما وردت به الروايات الصحيحة.
قال: وغسلها علي - عليه السلام - في قول، وأسماء بنت عميس في رواية، وفي رواية، أنها غسلت نفسها أوان موتها، وصلى عليها علي - عليه السلام -.
هكذا في الطبقات .
وقوله: وفي رواية أنها غسلت نفسها؛ في الإصابة: وأخرج ابن سعد وأحمد بن حنبل ، من حديث أم رافع، قالت: مرضت فاطمة، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه، قالت لي: يا أمه، اسكبي لي غسلاً.
فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست لها ثياباً جدداً، ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة؛ وقالت: يا أمه، إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد.
فماتت؛ وجاء علي، فأخبرته؛ فاحتملها، ودفنها بغسلها ذلك، انتهى.
قال السيد الإمام: ودُفنت بالبقيع ليلاً، بوصية منها، ورش قبرها وسبعة أقبر حوله.
روى عنها ابنها الحسين، وعائشة، وأنس، وغيرهم، وخرج لها الجماعة، وأئمتنا الخمسة، وزيد بن علي، والهادي للحق، هكذا في الطبقات .
ـــــــــــــــــ
[السبط الأكبر الحسن بن علي (ع)]
الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو محمد، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة جده من الدنيا، الإمام قام أو قعد.
مولده بالمدينة، في شهر رمضان، عام ثلاثة من الهجرة. /32(3/32)


قلت: هذا الأصح من الأقوال.
وهو عقيب وقعة أحد، وسماه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عن أمر الله: حسناً، وعقّ عنه شاتين، في رواية المنصور بالله ـ قلت: الذي في الشافي بكبش؛ وما ذكره ثابت في رواية الإمام علي الرضا - عليه السلام -، وغيره ـ وحلق رأسه يوم سابعه، وتصدقت أمه بوزن شعره فضة؛ وتربى في حجر جده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وله عنه روايات محفوظة، عند الرواة مدونة.
وقال فيه: ((ولدي سيّد سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين )).
وشهد مع أبيه صفين والجمل، ثم بويع له بعد أبيه، في شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، في الكوفة؛ وخرج منها في ذي الحجة، حتى نزل المدائن؛ فخذله أصحابه ونفروا عنه، فاضطرته الحوادث إلى اعتزال الأمر، ومصالحة معاوية مصداقاً للحديث.
ثم رجع إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين، وحج خمساً وعشرين حجة، ماشياً؛ وإن النجائب لتقاد معه.
ثم سقته امرأته جعدة بنت الأشعث سماً في لبن، بأمر معاوية، فمات بعد شهر، في شهر....
قلت: بيض لذلك في الطبقات ؛ وقد قيل: إنه في شهر ربيع الأول.
قلت: واختلف في تاريخ موته وعمره، فقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: اثنتين؛ وله سبع وأربعون ـ وصححه المؤلف ـ وقيل: تسع، وقيل: ست، وقيل: خمس.
هكذا في الكتب المعتبرة؛ والاختلاف واقع في مثل هذا، في الأغلب، فيكتَفى بالأقرب.
[وصية الإمام الحسن أين يُدفن]
قال: وأوصى إلى أخيه الحسين: أن إذا متّ فتولّ غسلي، وادفني إلى جنب جدي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ فإن مُنِعتَ فادفني إلى جنب أمي فاطمة ـ عليها السلام ـ بالبقيع؛ وإياك أن تهرق فيَّ محجمة دم.
فلما توفي، مُنع من قبره عند جدّه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فدفن بالبقيع إلى جنب فاطمة ـ عليها السلام ـ.
وقبره مشهور /33(3/33)


مزور.
روى عنه أولاده: الحسن، وزيد، وغيرهما كأبي الحوراء السعدي ـ قلت: بالمهملة ـ.
قال: وعمير بن مأمون.
وأخرج له الستة، وأئمتنا، وشيعتهم، إلا الشريف.
[تخريج حديث: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة...إلخ الحديث]
قلت: والأخبار النبوية التي أشار إليها، أما الأول، فكما قال إمام الأئمة، الهادي إلى الحق - عليه السلام -: وأجمعت الأمة أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )) وقال: ((هما إمامان قاما أو قعدا )) انتهى.
وقال الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي : وروينا من غير طريق، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )).
وقد ساق السيوطي الرواة والمخرجين لقوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )).
ثم قال: وهو متواتر؛ ذكره العزيزي .
قال الإمام محمد بن عبد الله الوزير - عليه السلام -: وأما حديث الحسنين ((أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ))، فقد رواه الموالف والمخالف، بطرق وسياقات، فهو متواتر لفظاً ومعنى، لا أقل؛ وهو يفيد سيادتهم في الجنة، فكيف بأهل الدنيا؟
وما بال الخصوم كلهم عظموا شعائر حديث العشرة، ورقوه ووقوه وشيّدوه، والحال أنهم تفرّدوا بروايته، وليس هو إلا آحادياً؛ وهذا على فرض صحته، وإلا فنحن نرده كما رده سيد الوصيين، الذي يدور معه الحق حيثما دار.
قال: وقد عارض أهل الأهواء هذا الحديث، بحديث تفردوا به، بأن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.
ولا نسلّم صحة ما تفردوا به؛ وأيضاً، فالمعلوم أن أهل الجنة يبعثون ويدخلون الجنة في سنّ الشباب، من ثلاثين سنة، ولا كهل في الجنة؛ وتأويله بأنه باعتبار حياتهما لا يصح؛ لأن الحسنين ما ماتا إلا وهما في سن الكهولة. /34(3/34)

112 / 151
ع
En
A+
A-