بالله في الأنوار، والسيد أبي العباس في المصابيح عليهما السلام، ومن العامة صاحب جامع الأصول وغيرهم، من الابتداء بذكر مَنْ قَرَنَ الله تعالى ذِكْرَه بذكره، فاشتق نوره من نوره، إمام المرسلين، وخاتم النبيئين ـ صلى الله وسلم عليه وعليهم وعلى آله الطاهرين ـ رسول الله وأمينه، وحبيبه وخليله، ومختاره ومصطفاه، ومجتباه ومرتضاه، الذي أرسله رحمة للعالمين، وجعله حجة على خلقه أجمعين، المأخوذ ميثاقه على رسله، والمبشر به في مُنْزَلات كتبه، المؤيد بالمعجزات النيرات، وبالآيات البينات الباهرات، التي لا يحصى لها عدد، ولا ينتهي لها مدد، من اسمه أحمد، أبو الطيب والطاهر والقاسم، إمام المرسلين، وخاتم النبيئين - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، محمد رسول الله بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ـ صلى الله عليه وعلى آله وبارك وترحم وتحنن وسلم ـ ومن مدحه الله المليك الأكبر، فماذا يبلغ من مدحه مدح البشر؟ وما يأتي القائل في حقه أو يذر؟
فالحمد لله تحدثاً بنعمته، على ما اختصنا به من رحمته، حيث شرفنا منه بأقوى سبب، و أزلفنا إليه بأقرب نسب، اجتبى أهل بيته، من زيتونة شجرته، وأفاض عليهم أنوار نبوته وحكمته، فصيرهم بحكمه أهله وذريته، وورثته وعترته، أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي؛ وخلَّفهم في أمته، وقرنهم بكتابه وسنته، وجعلهم النجوم والأمان لأهل الأرض، وأمر الخلق بمودتهم وركوب سفينتهم، والتمسك بولايتهم إلى يوم العرض، والله يحكم لا معقب لحكمه، ولا راد لفضله، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
قال الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام: /20(3/20)


لنحن على الحوض روّاده .... نذود ويُسعد ورّادهُ
فما فاز من فاز إلا بنا .... وما خاب من حبنا زادهُ
فمن سرّنا نال منا السرور .... ومَنْ ساءنا ساء ميلادهُ
ومن كان غاصبنا حقّنا .... فيوم القيامة ميعادهُ
فقد أعطاه الله جلّ جلاله الكوثر، وجعله نسله الأطيب الأكثر؛ فقال سبحانه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } [الكوثر:1].
نعم، والتعرّض لليسير من الخصائص النبوية، يخرج بنا عن الاختصار، ويستوعب حوافل الأسفار، وقد مضى في التحف الفاطمية ولوامع الأنوار، ما لا غنى عنه من أخبار المختار، وعترته الأطهار، عليهم الصلاة والسلام.
قال السيد الإمام عليه السلام في طبقات الزيدية : وهذا أوان الشروع ومن الله أستمدّ التوفيق.
[إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عَلَيْه وآله وسلم -]
إبراهيم بن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أمه: مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان؛ وكانت قابِلَته سلمى مولاة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - امرأة أبي رافع ؛ وحلق شعره يوم سابعه، وتصدق بزنة شعره فضة.
وتوفي وله ستة عشر شهراً.
رواه السيد المؤيد بالله .
قلت: والإمام المرشد بالله، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في جامع الأصول .
قال: وقيل: سبعة عشر شهراً.
قلت: وفي الاستيعاب: القول الآخر: إنه ابن ثمانية عشر شهراً، وكذا في جامع الأصول .
وغسّله علي بن أبي طالب ؛ رواه محمد ـ أي ابن منصور المرادي - ضي الله عنه-.
وقيل: الفضل بن العباس، وصلى عليه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ونزل في قبره، ورش على قبره ماء.
وقبره بالبقيع، مشهور مزور. /21(3/21)


[أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام]
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، القرشي، المكي، الهاشمي، أبو الحسن ـ كرم الله وجهه في الجنة ـ.
وأمه فاطمة بنت أسد، أول هاشمية ولدت هاشمياً.
وُلِد في الكعبة، في شهر رجب، عام ثلاثين بعد الفيل، وهو اليوم السابع من أيلول، كما رواه السيد أبو طالب ، عن كافي الكفاة ، حيث قال:
يا مُغْفِل التاريخ من جَهْلهِ .... وليس معلوم كمجهولِ
إن علي بن أبي طالب .... مولده سابع أيلولِ
قلت: هو الصاحب إسماعيل بن عبّاد، أحد علماء العدل والتوحيد، وأولياء آل محمد ـ عليهم السلام ـ؛ وأقواله في الوصي وسائر العترة ـ عليهم السلام ـ مشهورة، وقد أتى في الشافي منها بنبذ شافية، وهو القائل:
علي حبه جُنّه .... قسيم النار والجَنه
وصي المصطفى حقاً .... إمام الإنس والجِنه
قال السيد الإمام: وهو أول من أسلم، كان في حجر رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل الإسلام وبعده، وهاجر من مكة بعده بثلاثة أيام.
قلت: استخلفه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ ليفديه بنفسه، ليلة نام على فراشه، ويؤدي ديونه وأماناته وودائعه، كما هو معلوم.
وقد بسط الروايات في ذلك أئمتنا ـ عليهم السلام ـ، وعلماء العامة، وأخرجوا الأحاديث في نزول قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ } [البقرة:207]، فيه.
قال: وهو أول من صلى من المسلمين.
وشهد المشاهد كلها، إلا تبوك؛ فإنه استخلفه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على المدينة.
وكان حامل لواء النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في حروبه، وإذا لم يغز بنفسه أعطاه سلاحه.
وشجاعته معروفة، وفضائله وخصائصه /22(3/22)


كثيرة، يخرجنا ذكرها عن المقصود.
قلت: ولله القائل:
وتركتُ مدحي للوصي تعمّداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استقام الشيء قامَ بنفسه .... وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
قال: منها: ما روى الهادي - عليه السلام - في الأحكام ، في الحدود، قال: بلغنا عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال: (ثلاث ما فعلتهن قط ولا أفعلهنّ: ما عبدتُ وثناً قط، وذلك أني لم أكن لأعبد ما لا يضر ولا ينفع؛ ولا زنيت قط، وذلك لأني أكره في حرمة غيري ما أكره في حرمتي؛ ولا شربت خمراً قط، وذلك أني لما يزيد في عقلي أحوج مني لما ينقصه).
واختصّ بغَسل النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وتكفينه، وإدخاله القبر.
ولم يَتَأَمَّرْ عليه في عهد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أحد؛ وكان أمره ببراءة.
قلت: وأخذها من أبي بكر، لما نزل جبريل - عليه السلام - بأمر الله ـ عز وجل ـ، أنه لا يبلغ ويؤدي عنه ـ على حسب الروايات، وقد سبقت في الفصل الأول ـ إلا هو أو رجل منه، أو من أهل بيته، كما مَرَّ؛ وهو مما تواتر.
قال: ولما توفي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، أقام بالمدينة في خلافة الثلاثة.
ولما قُتل عثمان بُويع له - عليه السلام -؛ ثم كان حرب الجمل، وبعده حرب صفين، وبعده حرب الخوارج، كما أمره رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
ثم أقام بالكوفة حتى ضُرب ـ صلوات الله عليه ـ لصبح الجمعة، تاسع عشر شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، ولبث ثلاثة أيام، وكان وفاته ليلة الأحد، إحدى وعشرين، وهو في ثلاث وستين، وغسله ولده الحسن، وعبيد الله بن عباس، وصلى عليه الحسن، وكبر خمساً، ودُفن عند صلاة الصبح.
قال في الإفادة : دُفن أولاً في الرحبة، مما يلي باب كندة؛ ثم نقل ليلاً /23(3/23)


إلى الغري؛ ليخفى موضع قبره.
وكون قبره في الغري هو المعلوم؛ ذكره الأئمة، منهم: الحسن السبط، وزيد بن علي، وولد أخيه جعفر بن محمد .
نعم، وروى عنه أولاده الخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، والعباس؛ ومن النساء: زينب؛ وخلق كثير، منهم: الشعبي ، والحارث الأعور، والحسن البصري ـ على الصحيح ـ وعاصم بن ضمرة، وعاصم بن بهدلة ، وزاذان ، وعلي بن ربيعة ، والنعمان بن سعد ، وسويد بن غَفَلة ، وعمر بن علي ، ويزيد بن أبي أمية ، ويزيد بن أبي مريم ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد ، وغيرهم.
وله في الصحيحين أربعة وأربعون حديثاً، وخرج له الأربعة وغيرهم، وأئمتنا جميعهم وشيعتهم، إلا الشريف السليقي، انتهى.
قلت: ومن الرواة عنه - عليه السلام -: ابن عباس، وعبد الله بن جعفر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، كما عدوهم في كتب الرجال.
وأعلمُ الصحابة بعد أخي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وابن عمه، وباب مدينة علمه، ابنُ عباس، وابن مسعود.
فأما ابن عباس - رضي الله عنه -، فكما قال شارح النهج: وقد علم الناس حال ابن عباس، في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخريجه؛ وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟
فقال: كنسبة قطرة من المطر، إلى البحر المحيط، انتهى.
ومن كلامه - رضي الله عنه -: والله، لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم؛ وأيم الله، لقد شارككم في العشر العاشر.
أخرجه أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب.
ورواياته لما أنزل الله فيه من الكتاب المبين، وما قاله في شأنه الرسول الأمين، أكثر من أن تحصر؛ وقد مَرّ ما فيه معتبر.
وأما ابن مسعود - رضي الله عنه -، فرجوعه إلى الوصي - عليه السلام - معلوم، وتبليغه لما ورد فيه كذلك مرسوم، وهو القائل: قرأت القرآن /24(3/24)

110 / 151
ع
En
A+
A-