المنيرة؛ على أن أهل السنة لا تنكر ذلك، لكنهم يتمسكون بما ورد في الإمساك عن الصحابة، وهي لا تعارض ذلك.
ثمّ ساق في الرد عليهم، وبطلان تمسكهم.
قلت: وهو متمسك مَنْ في قلبه مرض، وله في الرد لحجة الله والصد عن سبيل الله ولبس الحق بالباطل هوى وغرض.
إذ المعلوم قطعاً أن المراد بما صح من ذلك ـ مع كونه أحادياً لا يبلغ عشر معشار ما نحن فيه ـ هو الإمساك عن المستقيمين على دين الله، المتبعين لهدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المتمسكين بمن أمرهم الله ـ تعالى ـ ورسوله بمودتهم، والتمسك بهم، من أهل بيت نبيهم؛ وأما غيرهم، فالكتاب والسنة مملوءان بذمهم، والبراءة منهم؛ ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.
وقد سماهم الله على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في سنته المتواترة - دعْ عنك ما في الكتاب العزيز - الناكثين والقاسطين والمارقين والمنافقين؛ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟ أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟
وقال فيما تواتر أيضاً من أحاديث الحوض المجمع على روايتها: إنه يقول لهم: ((سحقاً سحقاً)).
ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أم من يكون عليهم وكيلاً؟/656(2/656)


[أحاديث أن حبَّ علي عنوان الإيمان، وبغضه عنوان النفاق]
ومما علم بالتواتر اللفظي، من النصّ النبوي، في الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، بإقرار العدو والولي.
فمن ذلك: ما رواه الإمام الأعظم، زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي(ع)، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((أنت أخي ووزيري، وخير من أخلّفه بعدي؛ بحبّك يُعْرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون؛ من أحبّك من أمتي بريء من النفاق، ومن أبغضك لقي الله ـ عز وجل ـ منافقاً)).
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي، لولاك ما عرف المؤمنون بعدي))، أخرجه الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم، بسند آبائه (ع).
وأخرجه ابن المغازلي، عن علي مرفوعاً.
قال في الفرائد: ومثله عن أم سلمة مرفوعاً.
وقال في الدلائل: أخرجه الخطيب، وابن المغازلي، وقد أخرجه عدة من المحدثين، انتهى.
وفي الخبر الطويل القدسي ـ وقد مَرّ ـ: ((لولا علي لم يعرف حزبي))، رواه الخوارزمي بإسناده إلى جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (ع)؛ ذكره في التفريج.
وفي التخريج: وأخرجه الكنجي، وأبو نعيم، وابن المغازلي، عن أبي برزة الأسلمي، انتهى.
وأخرج الإمام الناصر (ع) في البساط، بسنده عن جابر - رضي الله عنه -: سُئل عن علي (ع)، فقال: ذلكم خير البشر؛ ما كنا نعرف نفاقاً، ونحن على عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا ببغضهم علي بن أبي طالب (ع).
وأخرجه أحمد بن حنبل، ورواه محمد بن سليمان بسنده عن جابر بلفظ: ما كنا نعرف منافقنا معشر الأنصار...الخبر.
وأخرج الإمام الناصر (ع) أيضاً بسنده إلى أبي سعيد، قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علي بن أبي طالب (ع)؛ وإذا /657(2/657)


ولد فينا مولود لم يحب علياً (ع) عرفنا أنه منافق.
وأخرجه عنه أحمد بلفظ: منافقي الأنصار إلا ببغضهم علياً.
وأخرجه عن أبي سعيد أبو داود؛ وأخرجه البخاري، عن حذيفة؛ والإمام أبو طالب، عن أبي سعيد، بلفظ: إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً.
وأخرج الحاكم في المستدرك، والخطيب في المتفق والمفترق، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم لله ولرسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي (ع)؛ وصححه.
ورواية أخرى عن جابر، وأخرجها أحمد.
وأخرج الإمام الناصر (ع) فيه بسنده، عن علي (ع) أنه قال: قضي فانقضى، إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
قال الحسين بن القاسم، والإمام محمد بن عبدالله الوزير، والسيوطي، والمقبلي، حديث: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق، أخرجه جماعة، منهم: مسلم، وأحمد، والحميدي، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وابن عدي، وابن حبان، وأبو نعيم، وابن أبي عاصم؛ عن علي (ع).
وحديث علي (ع): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي إلي، أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق؛ أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى زر بن حبيش عن علي(ع)، وأخرجه أحمد عنه من طريقين، وأخرجه النسائي عن زر من ثلاث طرق، ومسلم، والترمذي.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير: وهذا الحديث مشهور، بل متواتر معنى، وله ألفاظ وسياقات، وممن أخرجه: البيهقي، والديلمي، وأبو الشيخ، والكرخي، والرافعي، والخطيب، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وابن عبد البر، وأبو داود، وابن المغازلي وغيرهم؛ كل منهم من رواية صحابي، ومن طريق واحدة فأكثر؛ وهذه الأحاديث في أهل البيت (ع) فهي كثيرة /658(2/658)


الموارد في أن من أبغضهم فهو منافق بألفاظ؛ والحمد لله، انتهى.
وفي التخريج: ورواه ابن المغازلي، عن علي (ع) من سبع طرق، ورواه من حديث المناشدة عن أبي الطفيل، عن علي بلفظ: ((ولا يبغضك إلا كافر)).
ورواه ابن المغازلي بلفظ: لا يحبني كافر، ولا يبغضني مؤمن.
وأخرجه الكنجي عن علي كما عند النسائي.
وروى ـ أي محمد ـ بسنده إلى زيد بن أرقم، قال: قال علي: والذي فلق الحبة، إنه قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر)).
وأبو علي الحسن بن علي الصفار، بسنده إلى عبدالله بن يحيى.
وروى محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى عمر بن عبدالله بن يعلى، عن أبيه، عن جده يعلى، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله؛ ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله؛ ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله؛ ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؛ لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق كافر)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يحب علياً إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع) عن أم سلمة - رضي الله عنها -، والكنجي عنها بلفظ: ((لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن))، وقال: رواه أبو عيسى في صحيحه.
قلت: وبهذا اللفظ أخرجه مسلم عن أم سلمة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق))، أخرجه عنها عبدالله بن أحمد بن حنبل في زياداته، والترمذي.
وأخرجه ابن أبي شيبة عنها بلفظ: ((لا /659(2/659)


يبغض علياً مؤمن، ولا يحبه منافق))، والطبراني عنها بلفظ: ((لايحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)).
قال الشيخ أبو القاسم البلخي: وقد اتفقت الأخبار الصحيحة، التي لاريب فيها عند المحدثين، على أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال له: ((لا يبغضك إلا منافق، ولا يحبك إلا مؤمن)).
قال: وروى حبة العرني، عن علي (ع) أنه قال: إن الله ـ عز وجل ـ أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي، وميثاق كل منافق على بغضي؛ فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني، ولو صببت الدنيا على وجه المنافق ما أحبني.
قال: وقد روى كثير من أرباب الحديث، عن جماعة من الصحابة، قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا ببغض علي بن أبي طالب.
ذكره في شرح النهج.
وأخرج أحمد، عن عبدالله بن حنطب، عن أبيه، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((أيها الناس، أوصيكم بحب ذي قرباها، أخي وابن عمي علي بن أبي طالب؛ لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق؛ من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذّبه الله بالنار)).
وأخرج الحاكم بسنده إلى ابن عباس قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يبغضك إلا منافق)).
فهذه مع ما سبق في صدر الكتاب مجة من لجة، مما ورد في هذا اللفظ بخصوصه؛ ومن وقف عليها ـ بل على بعضها ـ علم بالضرورة بطلان ما زخرفه المزخرفون، وحرّف الكَلِم عن مواضعه فيها المحرّفون ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ من تأويلها بأن ذلك في صدر الإسلام، واستدل عليه بأنه ـ صلوات الله عليه ـ كان ثقيلاً على المنافقين، وأن الخوارج ونحوهم لم يكفروا بالإجماع، ونحو /660(2/660)

106 / 151
ع
En
A+
A-