لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، ومن يتولّهم منكم فإنه منهم، فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه.
والمعلوم قطعاً، عقلاً وشرعاً، كلية المنافاة بين محبة الولي، ومحبة عدوه، والجمع بين الموالاة والمعاداة.
تودّ عدوّي ثم تزعم أنني .... صديقك ليس النَّوك عنك بعازبِ
[أحاديث المسالمة والمحاربة]
ولقد أنكر سخافة هؤلاء المخذولين كلُّ من أخذ بطرف من الإنصاف، كالمقبلي.
قال في الإتحاف ـ بعد أن ساق أحاديث: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم))، وقال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي، وساق حديث الغدير، /651(2/651)
ومخرجيه ورجاله، وقرر تواتره، وأنه لا أوضح منه رواية ودلالة، وقال: فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم ـ ما لفظه: إذا حققت هذا، فهاهنا أناس يقولون: نوالي علياً ومن حاربه.
وقد علمت أن من حارب علياً فقد حارب أهل البيت، وحارب الحسن والحسين وفاطمة، ومن حاربهم فقد حارب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، ومن حارب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقد حارب الله، فهو حرب الله، وعدوّ الله؛ فمن سالم العدو فقد حارب من عاداه؛ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء؛ ومن يتولهم منكم فإنه منهم.
وبالجملة، فمعلوم الآيات والأحاديث، ومعالم دين الإسلام، التنافي بين موالاة العدوّ وموالاة عدوّه، وقد أحسن القائل:
إذا صافى صديقك من تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ
قلت: وقد قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، ونحن حزب الله ورسوله، والفئة الباغية حزب الشيطان؛ فمن أشرك في حبّنا عدوّنا، فليس منّا، ولا نحن منه...الخبر؛ رواه محمد بن سليمان الكوفي.
وأخرجه أحمد بلفظ: (وحزبنا حزب الله، ومن سوّى بيننا وبين عدوّنا فليس منا)؛ وأخرجه بهذا ابن عساكر.
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في علي والحسن والحسين وفاطمة (ع)، رويناه مسنداً في أخبار كثيرة، بألفاظ مختلفة ومتفقة، ترجع إلى معنى واحد: ((أنا سلم لمن سالمكم، حرب لمن حاربكم))، وحرب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كافر بإجماع المسلمين، انتهى. /652(2/652)
قلت: هذا الخبر وهو: ((أنا سلم لمن سالمكم، حرب لمن حاربكم)) في الأربعة ـ صلوات الله عليهم ـ، أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، ومحمد بن سليمان الكوفي بطريقين، والكنجي كذلك، وقال: أخرجه الترمذي، والطبراني، وخرجه ابن ديزيل؛ كلهم عن زيد بن أرقم؛ ورواه في الجامع الكافي.
وأخرجه الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري، والطبري في الذخائر عن أم سلمة بلفظ: ((أنا حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم، عدوّ لمن عاداهم))، والزرندي عن أم سلمة بلفظ: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)).
وقال الطبري: أخرجه الغساني في معجمه.
وأخرجه الخوارزمي، والسمان عن أبي بكر، والإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وابن المغازلي، والثعلبي، والكنجي، وأحمد، والطبراني، والحاكم، وأبو حاتم عن أبي هريرة.
انتهى من تخريج الشافي باختصار.
وفي تفريج الكروب: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) قاله لعلي وفاطمة والحسن والحسين؛ أخرجه أحمد بن حنبل، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، وعن زيد بن أرقم أيضاً، إلا أن لفظ الحاكم: ((حاربتم، وسالمتم))، انتهى.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((أنا حرب لمن حاربت، سلم لمن سالمت))، أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، ومحمد بن سليمان الكوفي، وابن المغازلي، وعبد الوهاب الكلابي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ؛ قال ابن أبي الحديد: ورواه الناس كافة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ عليه /653(2/653)
السلام ـ: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)) أخرجه نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، من طريق الإمام الناصر الأطروش (ع)، ومحمد بن سليمان بطريقين، عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ والكنجي، والخوارزمي، وابن المغازلي عن علي(ع).
وأبو يعلى الهمداني بإسناده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي))...إلى قوله: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وابن المغازلي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((يا علي، سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي)).
انتهى من التخريج بتصرف.
وأخبار المحاربة بالنص النبوي، مما علم بالتواتر المعنوي؛ كما اعترف بذلك كثير، منهم: المقبلي.
قال في أبحاثه المسددة ـ كما نقله عنه الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع) في الفرائد ـ ما نصّه: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) قاله لعلي وفاطمة والحسنين ـ صلوات الله عليهم ـ، خرّجه أحمد، والطبراني، والحاكم؛ وفي معناه عدة أحاديث بعضها يعمهم، وبعضها يخص الحسن والحسين حين يخاطبهما، وفي بعضها يعم أهل بيته في الجملة، وفي بعضها يخص أمير المؤمنين /654(2/654)
(ع).
ثم قال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي، وشواهدها لا تحصى، مثل: أحاديث ((ما يلقاه فراخ آل محمد وذريته))، بألفاظ وسياقات يحتمل مجموعها مجلداً ضخماً؛ فمن كان قلبه قابلاً، فهو من أوضح الواضحات في كل كتاب، ومن ينبو عنها، فلا معنى لمعاناته بالتطويل، انتهى.
قال في تفريج الكروب: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله؛ ومن شكّ في علي فهو كافر))، رواه ابن المغازلي عن أبي ذر، وهو في شمس الأخبار.
[تفسير المراد بالإمساك عن الصحابة]
قال المؤلف السيد الإمام إسحاق بن يوسف بن المتوكل على الله بن القاسم(ع): قوله: ((من ناصب علياً... إلخ)) قد حكم كثير من الشيعة بكفر معاوية، لا لهذا الحديث.
قلت: أي وحده.
قال: فهو نص عليه؛ ولكن المقتضي قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((حربك حربي))، وقوله: ((أنا حرب لمن حارب هؤلاء))، وغيره من الأحاديث في هذا المعنى، التي لاتخفى، مما هو متواتر معنى؛ وإن لم يكن محارب أهل البيت ومعاديهم، معادياً لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ومحارباً له، بطلت النصوص الكثيرة، واضمحلت الدلائل /655(2/655)