الجاهلية، فانفجر بركان نصبه، فتدفق بالحمم، ورمى بنفسه في هوة عميقة؛ عافانا الله مما ابتلاه به آمين.
إن ابن حجر ممن عرف صحة الحديث، في لعن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ معاوية بعد إسلامه المزعوم، وعلم تواتر لعن علي صنو النبي لطاغيته، واتباع العترة له في ذلك، ومعهم خيار الصحابة، وأهل الحق...إلخ كلامه.
ولقد أحسن النصح للمسلمين، حيث يقول فيه: ولقد أضرت تحريفات هذا الشيخ وتمويهاته، بعقائد كثير من المسلمين في عدة أقطار، وهو والذهبي وابن تيمية من كبار نواصب أهل السنة، ومن أكثرهم تغريراً وزوراً، وإن تفاوتت مراتبهم في ذلك؛ وقد شاركهم في كثير من ذلك بعض علماء تلك الطائفة المجترمة، فتجد في طيات أقاويل بعضهم من دقائق النصب وخبثه، ما هو قرة عين إبليس، مما يدل على أنهم قد مردوا على النصب، وغمر قلوبهم بغض علي وأهل البيت، فأعماها رانها؛ عاملهم الله بقسط عدله آمين.
فكُنْ من زبَدهم وسموم نصبهم على حذر؛ ورضي الله عن شيخنا العلامة ابن شهاب الدين، إذْ كتب على ظهر الكتاب، المسمى تطهير الجنان، تصنيف ابن حجر المكي، شعراً:
لا تشكروا جمع تطهير الجنان ولا .... مدحاً به كذباً فيمن بغى وفجرْ
فإنما طينة الشيخين واحدة .... ذاك ابن صخر وهذا المادح ابن حجرْ
انتهى. /646(2/646)


[اعتراف ابن حجر العسقلاني وابن حجر المكي بتواتر خبر الغدير، وبوزارة أمير المؤمنين (ع)]
قلت: وقد سبق أن ابن حجر الهيثمي هذا، من المعترفين بتواتر خبر الغدير.
قال في صواعقه: رواه ثلاثون من الصحابة، وفيه: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله... إلخ)).
وأقرّ في منحه المكية، شرح الهمزية، بالوزارة الخاصة لأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ التي لا يشاركه فيها أحد، لا أبو بكر وعمر، ولا غيرهما عند قول الناظم:
ووزير ابن عمه في المعالي .... ومن الأهل تسعد الوزراءُ
حيث قال ما لفظه: إنها قد وردت فيه على وجه أبلغ من لفظها، وهو قوله(ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، فإن هذه الوزارة المستفادة من هذه، التي هي كوزارة هارون، أخص من مطلق الوزارة.
...إلى قوله: ومن ثمة أخذت الشيعة، أنها تفيد النص أنه الخليفة بعده؛ وهو كذلك، لولا ما يأتي قريباً...إلخ كلامه.
ولم يأت بما يبطله، وأنى له؛ وإنما هو من باب قوله ـ تعالى ـ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل:14].
وقد اعترف ابن حجر العسقلاني بمثل ما اعترف، فذكر خبر الغدير، عن سبعة وعشرين من الصحابة، ثم قال: وآخرون.
كلاً منهم يذكر أسماء أفرادهم، /647(2/647)


غير الروايات المجملة، مثل اثني عشر، ثلاثة عشر، جمع من الصحابة، ثلاثين رجلاً، وقد تقدم.
وقد اخترتُ نقل كلامهم في خبر المنزلة؛ لبيان متمسكهم، المتهدم الأركان، في معارضة النصوص من السنة والقرآن، وهو الذي أشار إليه الهيثمي بقوله: لولا ما يأتي.
قال العسقلاني في شرح البخاري ما لفظه: واستدل بحديث المنزلة على استحقاق علي ـ رضي الله عنه ـ للخلافة، دون غيره من الصحابة.
وقال الطيبي: معنى الحديث: يتصل بي؛ نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: ((إلا أنه لا نبي بعدي))، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها، وهو الخلافة؛ ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى، دلّ ذلك على تخصيص خلافة علي (ع) للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بحياته، انتهى.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): فتأمل هؤلاء العلماء، لما قهرهم البرهان، لم يجدوا بداً من القول به، لكن مع دغل في النفوس.
..إلى قوله: لأن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((بعدي))، وذلك يفيد بعد موته؛ ولأن طروء أمر على المشبه به، ولم يطرؤ على المشبه مثله لا يضر، وقد جود الرد عليهم المنصور بالله (ع) في الشافي بما لا مزيد عليه.
قلت: وقد مضت مباحث شافية، وإنما أوردت هذا؛ لانسياق البحث إليه، ولئلا يتوهم المغرب أن عندهم شيئاً؛ وما هو إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
ثم ذكر ابن حجر الهيثمي ما يؤيد /648(2/648)


هذه الوزارة الخاصة، من أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ آخاه دون غيره، وأرسله مؤدياً لبراءة، وأنه استخلفه بمكة عند الهجرة، حتى أتاه بأهله، بعد أداء ودائعه، وقضاء ما عليه؛ فهذه كلها مؤدية وزارة خاصة لم توجد في غيره، انتهى.
[مجرد التشيع لآل محمد بدعة عند القوم]
ومن أعجب مكابرة أحزاب المضلين، من أعداء آل الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أنهم جعلوا مجرد التشيع لآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بدعة، كما قدّمنا عنهم تحقيقه، وعدوا مسماه من موجبات الجرح، ومقتضيات القدح؛ وهو المحمود بخصوص لفظه في الكتاب الكريم، بمثل قوله - عز وجل - في خليله ـ صلوات الله عليه ـ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} [الصافات]، وعلى لسان الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في الأخبار الكثيرة، المتفق على روايتها بين فرق الأمة، والمأخوذ بمعناه، من إيجاب الله - تعالى - ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لهم الولاية والمودة والتمسك، وما في تلك الأبواب، على جميع ذوي الألباب.
وانظر إلى مباهتة هذا الشيخ، حيث قال في صواعقه، عند تفسير قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، ما لفظه: قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية أهل بيته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: وروى الحاكم الحسكاني، بسنده إلى الحسين بن علي (ع) في قوله ـ تعالى ـ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ }...إلى قوله: {ثُمَّ اهْتَدَى (82)}، فقال لعلي(ع): ((لولايتك)).
وعن أبي ذر: إلى حب آل محمد ـ صلى الله عليه /649(2/649)


وآله وسلم ـ.
وعن الباقر قال: إلى ولايتنا أهل البيت.
رواه عنه من طريقين؛ أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج؛ وقد سبق.
قال ابن حجر الهيثمي: وجاء ذلك عن أبي جعفر الصادق.
وساق عن علي (ع)...إلى قوله: إن خليلي محمداً صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم قال: ((إنك ستقدم على الله ـ تعالى ـ وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاباً مقمحين)) ثم جمع على يده يريهم الإقماح.
[مسمى الشيعة عند القوم]
فقال ابن حجر ـ هذا ـ الهيثمي ما لفظه: وشيعته هم أهل السنة.
..إلى قوله: والشيعة ليسوا من شيعة علي وذريته؛ بل من أعدائهم..إلى آخر كلامه.
وفي هذا عبرة لذوي العقول؛ وقد عرفت معنى التشيع عند هؤلاء الأقوام، وأنهم جعلوه مجرد محبة علي ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وأما من قدمه على أبي بكر وعمر، فهو الغالي عندهم، ويطلق عليه رافضي، وهو معلوم من نصوصهم، وتصريحهم في مؤلفاتهم؛ وقد سبق عليه الكلام.
وما ادعاه ابن حجر هنا له ولطائفته المتسمية بالسنية، من مقام الشيعة، لما بهرهم ما ورد فيهم عن صاحب الشريعة ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فإنه يأباه عليهم حبهم لعدو الله وعدو رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأهل بيت نبيه، معاوية، وأمه الهاوية، رأس الفئة الباغية، الداعية إلى النار، وبئس القرار./650(2/650)

104 / 151
ع
En
A+
A-