الاستيعاب، ذكره في التفريج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((يدخل فيك النار فرقتان: أما واحدة فتعطيك فوق حقك كما فعلت النصارى بعيسى بن مريم، وفرقة تدفعك عما أوجب الله لك كما فعلت اليهود بعيسى ابن مريم))، رواه صاحب الجليس الممتع، والخوارزمي؛ أفاده في التخريج.
نعم، وهذا من أعلام النبوة، ومعجزات الرسالة؛ لأنها لم تكن قد حدثت مقالة الغالين، فهو كالأخبار النبوية عن الناكثين والقاسطين والمارقين؛ فهو كما قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي عقيب رواية: ((إن فيك مثلاً من عيسى بن مريم...الخبر)): وهذا علم غيب قد وقع.
[تفسير الغالين والقالين، والرد على من استشكل تحريق الوصي (ع) للغالين]
هذا، فقد غلت الفئة الغالية في وصي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ، فأشركت به وعبدته، وادعت له الإلهية، وصفات الربوبية؛ وقد نقلت علماء الأمة وأرباب السيرة ما صدر منهم، وما فعله الوصي ـ صلوات الله عليه ـ بهم، من استتابتهم، ودعائهم إلى توحيد الله؛ ثم تحريقهم، وإقامة حد الله، وذلك حكم الله فيهم، وفي أمثالهم. /641(2/641)


وقد همّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بتحريق المتخلفين عن جماعة الصلاة، كما نقله الرواة؛ مع أن فعل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ حجة، فهو مع الحق والقرآن، والحق والقرآن معه، الهادي لمن تبعه، المبين للأمة، باب مدينة العلم والحكمة، الذي أخذت عنه أحكام الله ورسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في قضاياه، ومنه علمت السيرة المحمدية في الغلاة والبغاة، ورجعت إليه الصحابة في كل ما أبهم عليهم من معالم دين الله؛ فلا وجه لما يستشكله بعض الأقوام، من تحريقهم بالنار؛ ولا صحة لما ينقله عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من الإنكار، فقد كان مقتدياً بابن عمه، الذي يدور معه الحق حيثما دار، كما تواترت به الأخبار، مهتدياً بنوره، متبعاً لأثره في جميع أموره، وهو القائل: (إذا بلغنا شيء عن علي من قضاء أو فتيا لم نجاوزه إلى غيره)، وقد تقدم؛ وقال أيضاً: (ما ثبت لنا عن علي من قضاء أو فتيا لم نعدل إلى غيره)، أخرجه في المحيط بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقال: (كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به) أخرجه ابن عبد البر، وابن سعد.
وأقواله فيه أكثر من أن تحصر، فحاشاه عن مخالفة حكمه؛ فهذا غلو الفرقة الغالية، كما غلت النصارى في رسول الله عيسى بن مريم ـ صلى الله عليهما ـ، فأشركت به وبأمه وعبدته، وادعت له الولدية الإلاهية، وصفات الربوبية؛ تعالى الله عما يقول الظالمون؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وكما جحدت اليهود ـ لُعِنَتْ ـ رسالة المسيح، وعادته، وسبته وأمه ـ صلى /642(2/642)


الله عليهما ـ وحاربته، جحدت الفرقة القالية، كالناكثين والقاسطين والمارقين، ومن شابههم من الناصبية، ولاية وصي رسول الله علي بن أبي طالب ـ عليهما وآلهما الصلاة والسلام ـ ومقامه ووصايته، وما خصّه الله - تعالى - به وأهل بيته، وحاربتهم، وأنكرت فضلهم، ووالت أعداءهم، وعادت أولياءهم، ورموهم بالابتداع، ومخالفة السنة والاتباع؛ ومن تأخرت بهم الأعوام، أو ألجمتهم سيوف الإسلام، عن المصارحة بجميع الأنواع، فعلوا منها بقدر المستطاع، كما هو معلوم لأرباب الاطلاع.
ولعمر الله، إن من نظر بعين البصيرة، إلى ما تضمنته أعطاف مؤلفاتهم المنشورة، واشتملت عليه غضون مصنفاتهم المشهورة، علم بالضرورة أنهم استدركوا بأقلامهم، ما فاتهم من المشاركة بسيوفهم، لإخوانهم المضلين البغاة بصفين مع إمامهم؛ فقد قرروا صحة إمامة معاوية، إمام الفئة الباغية، الداعية إلى النار، بالنص النبوي المتواتر عن المختار، وصرحوا باجتهاده، في بغيه وعناده، وغيه وفساده، وحربه لأهل بيت نبيهم حجة الله على عباده، وقتله للسابقين، المشهود لهم بالجنة من صحابة سيد المرسلين، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والألوف المؤلفة من طوائف المؤمنين ـ رضي الله عنهم ـ وتولوه وصحبه، وتبرموا على من لعنه وسبه، وعدلوه وحزبه، كمروان وعمرو بن العاص، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، أمير الجند القاتل لابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وسبطه وريحانته، وعمران بن حطان المادح لأشقى الآخرين، القاتل لسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى قال ابن العربي: إن ابن ملجم قتل علياً باجتهاده، ويكون مأجوراً بالإجماع.
فكان أبلغ ردهم عليه ما قاله ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني، صاحب فتح الباري على البخاري ما لفظه: هذا باطل /643(2/643)


بالإجماع.
فهذه نبذة مما قد تكررت، وهي معلومة، لا تناكر فيها بينهم؛ بل هي معدودة من أصول هذه السنة؛ وهذا جزاؤهم لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في قرابته، وأهل بيته وعترته (ع).
وأما في جانب غيرهم، فالأمر كما قال الإمام شرف الدين (ع) ما نصه: وهم يذكرون عن أكثر المحدثين التصريح، بأن من سب أبا بكر وعمر أدنى سب كفر، ووجب ضرب عنقه البتة؛ فيالله وللمسلمين، ما شأن أمير المؤمنين!!...إلخ كلامه.
قلت: والمعلوم أنهم معاندون لعترة سيد المرسلين، مضادون لهم في معالم الدين.
[الإشارة إلى بعض رؤوس الناصبية، وكلامهم في الوصي (ع)]
وأما طائفة منهم، فقد انتصبوا للنصب، وتجردوا للمنابذة لهم والحرب، كابن تيمية، صاحب منهاج السنة ـ على زعمه ـ وتلميذه الذهبي، صاحب الميزان والتواريخ، ومن شاكلهما؛ وقد سبق من أحوالهم ما يكفي، وكتبهم على ذلك أعظم بيان، وأكبر برهان.
قال ابن تيمية في الجزء الثاني من منهاجه ص230: وعلي يقاتل ليطاع، ويتصرف في النفوس والأموال، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين؟ وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام، ومن ترك ما فرض الله ليطيع الله ورسوله فقط...إلى آخر كلامه.
أقول: بالله عليك، انظر ـ أيها المطلع ـ كيف جعل جهاد علي (ع) للكفار، وهو وعمه أسد الله الحمزة، وابن عمهما عبيدة بن الحارث (ع)، أول من بارز للجهاد في سبيل الله في بدر، وجهاده في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين، وقتاله للناكثين والقاسطين، الفئة الباغية، الداعية إلى النار، القاتلة لعمار، /644(2/644)


وللمارقين عن الدين؛ جعل كل ذلك ليطاع ويتصرف؛ هل يقول هذا من يؤمن بالله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ واليوم الآخر؟
وصدق الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق))، ولقد أصاب ابن حجر الهيثمي، حيث قال في فتاواه: ابن تيمية عبد خذله الله وأضله، وأعماه وأصمه وأذلّه، بذلك صرح الأئمة، الذين بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله.
انتهى من كتاب جلاء العينين من الصفحة الرابعة.
وكابن حجر المكي أحمد بن محمد الهيثمي صاحب الصواعق، الشاهدة عليه أنه للحق مفارق، وكفى في الدلالة على امتلائه من الشنآن، ومجانبته للإيمان، ومناصبته لقرناء القرآن، قوله فيها في معاوية بن أبي سفيان ما لفظه:
وأما ما يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه ـ أي معاوية ـ فله فيه أسوة بالشيخين وعثمان، وأكثر الصحابة، فلا يلتفت لذلك، ولا يعول عليه؛ فإنه لم يصدر إلا من قوم حمقى جهلاء أغبياء، طغاة، لا يبالي الله في أي واد هلكوا، فلعنهم الله وخذلهم أقبح اللعنة والخذلان، انتهى.
وفي إيراد كلامه هذا، الذي تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخرّ الجبال هداً، ما يغني عن الرد عليه؛ فحسبه الله ما أجرأه!.
ولقد علم الثقلان أن هؤلاء الذين سماهم المبتدعة، السابين، هم أئمة أهل الإيمان، قرناء القرآن، وأمناء الرحمن، عليهم صلوات الملك الديان، فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً.
قال العلامة الجليل، محمد بن عقيل، صاحب العتب الجميل، الحسيني الحضرمي، في تقوية الإيمان: لقد أظهر ابن حجر في هذه المقالة المشؤمة ضبّ صدره، وفَاهَ بما يتحاشى المسلم العاقل عن التفوه به؛ أسكرته خمرة عصبية /645(2/645)

103 / 151
ع
En
A+
A-