ابن عباس: ((إذا كان يوم القيامة أقام الله جبرائيل ومحمداً (ع) على الصراط، فلا يجوز أحد، إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب)).
وما رواه أيضاً عن ابن مسعود: ((إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس، وهو جبل قد علا الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومن سفحه تفجر أنهار الجنة، وتتفرق في الجنان؛ وهو جالس على كرسي من نور، يجري بين يديه النسيم، لا يجوز أحد الصراط، إلا ومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته، يشرف على الجنة، فيدخل محبيه الجنة، ومبغضيه النار)).
وفي معناه أخبار كثيرة؛ والوارد في هذه الأبواب، يتجاوز حدّ الاستيعاب؛ وقد سلف ما فيه ذكرى لأولي الألباب.
[أخبار أنت مع من أحببت]
ومما أخرجه الإمام الموفق بالله في السلوة، والإمام المنصور بالله (ع) في الشافي من طريق ولي آل محمد، عباد بن يعقوب ـ رضي الله عنه ـ، قال: كان أمير المؤمنين قاعداً في الرحبة، فأطال الحديث وأكثر.
ثمّ نهض، فتعلّق به رجل من همدان، فقال: يا أمير المؤمنين، حدّثني حديثاً.
فقال: قد حدّثتكم كثيراً.
قال: أجل، إنه كثر فلم أحفظه، وغزر فلم أضبطه؛ فحدثني حديثاً جامعاً ينفعني الله به.
فقال: حدثني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أني أرد وشيعتي رواء، ويرد عدونا ظماء؛ خذها إليك قصيرة وطويلة؛ أنتَ مع من أحببت، ولك ما اكتسبتَ؛ أرسلني يا أخا همدان.
وأخرج الإمام أبو طالب (ع) عن عطية العوفي، عن جابر بن عبدالله /631(2/631)


ـ رضي الله عنهم ـ قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((من أحب قوماً حُشر معهم؛ ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم)).
وأخرج أيضاً عن أنس، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وروى صدره أحمد من حديث جابر، وأبو داود نحوه عن أبي ذر.
وروى الطبراني في الكبير والأوسط من حديث علي، مرفوعاً: ((ولا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم))، ورواه في الكبير، من حديث ابن مسعود.
وروى أحمد من حديث عائشة مرفوعاً: ((ولا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم)).
وروى جعفر بن الأحمر، عن مسلم الأعور، عن حبة العُرَني، قال: قال علي: من أحبني كان معي؛ أما إنك لو صمت الدهر كله، وقمت الليل كله، ثم قتلت بين الصفا والمروة ـ أو قال: بين الركن والمقام ـ لما بعثك الله إلا مع هواك، بالغاً ما بلغ، إن في جنة ففي جنة، وإن في نار ففي نار.
قاله أبو جعفر الإسكافي؛ انتهى من شرح النهج.
وقال علي (ع) من خطبة له، رواها أبو طالب (ع) عن ربيعة بن ناجذ: فإن لكل امريءٍ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب.
وروى أبو الحسن المدائني، عن الحسن السبط، قال: قال: إني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((من أحبّ قوماً كان معهم))، قاله ابن أبي الحديد في شرح النهج.
قلت: وخبر: ((أنتَ مع من أحببت))، أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي، عن عروة بن مُضَرِّس؛ والقاضي عياض، عن أنس.
وخبر /632(2/632)


((المرء مع من أحبّ)) أخرجه الشيخان وغيرهما، عن أنس وغيره؛ وقال السيوطي: أخرجه مالك، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي عن أنس؛ والشيخان أيضاً عن ابن مسعود؛ وأبو نعيم والضياء عن أبي ذر؛ وعبد بن حميد وأبو عوانة، عن جابر؛ وأحمد أيضاً والبخاري، عن أبي موسى؛ والطبراني وابن عساكر والشيرازي، عن عروة بن مضرس؛ والطيالسي وابن حبان والترمذي ـ أيضاً، وقال: حسن صحيح ـ وابن خزيمة والضياء، عن صفوان بن عسال؛ وقد روي عن صفوان بن قدامة، وعن معاذ.
انتهى من تفريج الكروب.
قال فيه: وهذا الخبر علم من أعلام الشيعة، وركن من أركان الشريعة، يصرف قلوب المؤمنين المحبين لله إلى موالاة أوليائه، والدخول في سلك أحبائه، ويصدها عن موالاة أعدائه؛ ولأمر ما كان سلمان منهم؛ ومن أحب الله كان معه وأحب نبيه ضرورة، ومن أحب نبيه كان معه وأحب أهل بيته، ومن أحب أهل بيته كان معهم، وعكس ذلك؛ هذا أمر مرتبط، هكذا دلّت عليه الأدلة؛ ومعناه أنه لا يتصور الحب لله دون نبيه، ولا حب نبيه دون آله، انتهى.
قلت: وهذا من ضروري الدين، لا يستطيع الرد له ولا المناكرة فيه أحد من الموحدين؛ وإنما التحريف والتبديل فيه وفي أمثاله من الضروريات طريقةُ المتمردين.
والمعلوم عقلاً ونقلاً أن شرط المحبة المرضية لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ صلى /633(2/633)


الله عليه وآله وسلم ـ ولمن فرض الله ـ تعالى ـ طاعته ومحبته، الطاعة والاتباع، كما قال ـ عزّ وجل ـ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران:31].
* إن المحبّ لمن يحب يطيع *
فخرج عن الصراط السوي، والمنهج المرضي، فريقا الرفض والنصب، وهم الغالون المفرطون، والقالون المفرطون.
وقد وصف الفريقين وأوضح فيهما الأحكام، وأقام عليهم الأعلام، إمامُ المرسلين، وأخوه سيد الوصيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ وصح التشبيه، واتضح وجه الشبه فيه، على لسان النبي الأمي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - لوصيه وأخيه؛ فقرنه برسول الله وكلمته المسيح عيسى بن مريم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وشبه الطائفتين الضّالتين، وهما الغالية والقالية، بالنصارى واليهود، وأبان المعنى المقتضي لإلحاقهما بذوي الاعتداء والعنود.
[حديث: ((لولا أن تقول فيك طوائف))، تخريجه وبحث فيه]
فمن ذلك ما أخرجه إمام الأئمة، الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين بن القاسم (ع) في تفسير قول الله ـ تعالى ـ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)} [الزخرف:57]، قال (ع): روي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لعلي (ع) ذات يوم: ((يا علي، لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي /634(2/634)


ما قالت النصارى في المسيح(ع) لقلت فيك مقالاً، لا تمرّ بملأ إلا أخذوا من أثرك، يبغون به البركة؛ غير أنه يكفيك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
فقال المنافقون لما أن سمعوا ذلك: ما رضي محمد أن يضرب لابن عمه مثلاً إلا عيسى بن مريم.
ثم قالوا: والله لآلهتنا التي كنا نعبدها خير منه ـ يعنون علياً ـ.
فأنزل الله ما أنزل فيهم...إلى آخر كلامه (ع).
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) بإسناده، عن علي ـ صلوات الله عليه ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن فيك مثلاً من عيسى بن مريم، أحبته النصارى حتى أنزلته بالمنزل الذي ليس له، وأبغضته اليهود حتى بهتوا أمه؛ لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح ابن مريم، لقلت فيك قولاً ما تمرّ بملأ من أمتي إلا أخذوا ترابك، وطلبوا فضل طهورك؛ ولكن أنت أخي، ووزيري، ووصيي، ووارثي، وعيبة علمي)).
وأخرج صاحب المحيط بالإمامة، عن جابر مرفوعاً، أن علياً لما قدم من خيبر...وساق نحو ذلك، وفيه زيادة.
وأخرج الحاكم الجشمي في السفينة، بإسناده عن جابر، أن علياً لما قدم من خيبر ـ بعدما افتتحها ـ قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك قولاً، لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب نعليك، وفضل طهورك، يستشفون به؛ ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي))، الحديث بطوله.
وقد سبق في الفصل الأول، مع ذكر المخرجين له من الأئمة، وعلماء الأمة، إلا أنه لم يتقدم من هذه الطرق؛ وعلى كل فصل من فصوله شواهد.
وأخرج أحمد في المسند مرفوعاً: ((والذي نفسي بيده، لولا أن تقول طوائف /635(2/635)

101 / 151
ع
En
A+
A-