[كلام أئمة العترة في الصفات]
هذا، وقد سلك منهاجه المبين، نجوم الأئمة الهادين، من عترته الطاهرين (ع).
قال سبطه سيد العابدين، علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (ع)، في توحيده: فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين غيره.
وقال (ع): أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي جميع صفات التشبيه عنه؛ بشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً.
إلى قوله (ع): وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل، الممتنع من الحدث...إلخ كلامه.
وقال نجم آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الصلاة والتسليم ـ في كتاب التوحيد: وهو الواحد لا من عدد، ولافيه عدد، وليس شيء يقال: إنه واحد في الحقيقة، غير الله تعالى.
وقال في مجموعه: فأوّليته ـ سبحانه ـ آخريّته، وباطنيته ظاهريته؛ لايختلف في ذلك ما وُصف به، كما لايختلف ـ سبحانه ـ في نفسه، وكذلك أسماؤه كلها الحسنى، وأمثاله كلها العلى.
إلى قوله: كما قال ـ سبحانه ـ: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم]، ولن يوجد له سمي؛ إذْ لا تجد له كفياً.
وقال في جواب الطبريين: فهذه صفته ـ تبارك وتعالى ـ ليست فيه ـ جل ثناؤه ـ بمختلفة، ولاذات أشتات؛ ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في العدد، وإنما صفته ـ سبحانه ـ هو.
فهذا صريح كلامه، يرد على من ادعى عليه أنه يقول/166(2/166)


بمذهب البهاشمة، في الصفة الأخص.
وقد فسر القول الذي أخذوا له منه ذلك تفسيراً صريحاً لايحتمل خلافه، فقال في كتاب الدليل الكبير: وهذا الباب من خلافه ـ سبحانه ـ لأجزاء الأشياء كلها.
إلى قوله: وهي الصفة التي لايشاركه ـ سبحانه ـ فيها مشارك، ولايملكها عليه ـ سبحانه ـ مالك.
إلى قوله: وهذه الصفة هي قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11]، وليس شيء سوى الله يوصف بأنه شيء لا كالأشياء.
وله صرائح غير هذا يطلع عليها من حقق النظر في كتبه (ع).
وقال صفوته، الإمام العالم، محمد بن القاسم (ع)، في كتاب الوصية: الحمد لله، الحي القيوم، ذي العظمة والجلال، الذي لم يزل، ولاشيء غيره.
وقال في حقيقة الإيمان به: إنه الذي هو خلاف الأشياء كلها.
وقال: حقيقة اليقين به، والمعرفة له، أنه لايدرك بحلية، ولاتحديد، ولاتمثيل، ولاصفة؛ وكيف يوصف ما لاتدركه العقول، ولا الفكر، ولا الحواس؟!
إلى قوله: وقد روي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((تفكروا في المخلوق، ولاتفكروا في الخالق)) فاجعل فكرك في صنعته، تستدل به على عجيب فعله وعظيم قدرته، في كل مُحْدَث؛ ولاتفكر فيه، فإنك تتيه، وتهلك نفسك؛ فاستعمل العقل وتابع السمع، واستدل باليسير على الكثير تسلم.
وقال سبطه، إمام الأئمة، وهادي الأمة، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الرضوان والتسليم ـ في كتاب الديانة: ليس قدرته وعلمه سواه؛ لم يزل عالماً قادراً، ليس لقدرته غاية، ولا لعلمه نهاية، وليس علمه وقدرته سواه، /167(2/167)


ومن قال: علم الله، فهو الله، وقدرة الله: هي الله، وسمع الله: هو الله، وبصر الله: هو الله، فقد قال في ذلك بالصواب.
قال الإمام المهدي: وهذا قول أبي الهذيل.
وقال الإمام الهادي إلى الحق (ع): ومن زعم أن قدرته وسمعه وبصره صفات له.
إلى قوله (ع): وتلك الصفات ـ زعم ـ لا يقال: هي الله ولا هي غيره، فقد قال منكراً من القول وزوراً.
قلت: وهذا عين مذهبهم.
وقال في كتاب الرد على أهل الزيغ: فلما صحّ عند ذوي العقول والبيان، أن الحواس المخلوقة، والألباب المجعولة، لاتقع إلا على مثلها، ولاتلحق إلا شكلها، ولاتحد إلا نظيرها، صحت له لما عجزت عن درك تحقيقه الوحدانية، وثبتت للممتنع عليها من ذلك الربوبية؛ لأنه ـ سبحانه ـ مخالف لها في كل معانيها، بائن عنها في كل أسبابها؛ ولو شاركها في سبب من الأسباب، لوقع عليه ما وقع عليها من درك الألباب؛ فلما تباينت ذاته ـ سبحانه ـ وذاتها، وكانت هي فعله وكان هو فاعلها، بانت بأحق الحقائق صفاته ـ سبحانه ـ وصفاتها، فكان درك الأوهام والعقول لها بالتبعيض والتحديد، وكان درك معرفته ـ سبحانه ـ بأفعاله، وبما أظهر من آياته، ودلّ به على نفسه من دلالته.
إلخ كلامه (ع).
وقال إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، في كتاب البساط: وتمام توحيده نفي الصفات عنه، والتشبيه لخلقه؛ بشهادة كل عقل سليم من الرين بما كسب، والإفك فيما يقول ويرتكب، واتباع الأهواء والرؤساء؛ أن كل صفة وموصوف مصنوع، وشهادة كل مصنوع بأن له صانعاً مؤلفاً، وشهادة كل مؤلف أن مؤلفه لايشبهه، وشهادة كل صفة وموصوف مؤلف بالاقتران /168(2/168)


والحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل؛ فلم يَعْرِف الله ـ سبحانه ـ مَنْ وصف ذاته بغير ما وصف به نفسه، ولا إياه عبد من شبهه بأفعاله، ولاحقيقته أصاب من مثله بأجعاله، ولا صمده من أشار إليه؛ إذْ كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في غيره معلول؛ فبصنع الله وآياته يستدل به عليه، فيقال: إنه هو الأحد، لا أن له ثانياً في الحساب والعدد؛ وبالعقول السليمة يعرف ويعتقد، أنه باريء الأشياء، وإليه تأله العقول وتصمد؛ قال الله جل ذكره: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} [طه].
[انتقاد الإمام الناصر للحق على المعتزلة]
وقال (ع) منكراً على المعتزلة: ثم انصدعت من هذه الملة طائفة، تحلّت باسم الاعتزال.
إلى قوله: حتى خاضوا في صفات ذاته ـ سبحانه ـ وضربوا له الأمثال؛ وقد نهى الله عن ذلك، بقوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } [النحل:74]، وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]، وبالغوا في خلاف ذلك، ولم يرضوا، حتى تعدوا إلى الكلام في كل ما لايعلمون ولايدركون، خلافاً لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وابتداعاً وتخرصاً وميناً، ورمياً بعقولهم وحواسهم من وراء غاياتها؛ وتكلموا من دقيق الكلام بما لم يكلفوا، وبما لعل حواسهم خُلقت مقصورة عن إدراك حقيقتها، وعاجزة عن قصد السبيل فيها.
وقال في ذلك:
قد غيّر الناس حتى أحدثوا بدعاً .... في الدين بالرأي لم تبعث به الرسل
وكلام أئمة الهدى السابقين على هذا المنهج، من غير اختلاف ولا عوج.
ومن العجب نسبة القول بالصفة الأخص إلى نجم آل الرسول (ع)، كما عزاه بعضهم! أو إليه وإلى حفيده الهادي إلى الحق كما زعم البعض /169(2/169)


الآخر! مع صرائح أقوالهم هذه وغيرها، الدالة على خلافه، ومع نصوصهم على عدم الاشتراك في الذوات.
والقول بزيادة الصفات، مبني على ذلك كما هو معلوم؛ وأعجب من ذلك قول الجنداري المحكي عنه في حاشية شرح الغاية! حيث قال: إن أريد قدماء أهل البيت فلم يُسْمَع عنهم في ذلك نفي ولا إثبات.
إلى آخر كلامه ـ على قول صاحب الغاية ـ ولذا قال بعض أئمة أهل البيت (ع)، الكلام المتقدم.
فهذا كلام القدماء، النجوم العظماء، الذين مقدمهم إمام الموحدين، وسيد علماء الدين، أمير المؤمنين، وصنو سيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
[قصيدة الإمام الواثق بالله في عقائد أهل البيت (ع)]
قال الإمام الواثق بالله، في حكايته لأقوال الأئمة الهداة، من آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ:
لم يثبتوا صفة للذات زائدة .... ولا قضوا باقتضا حال لأحوالِ
ولا قضوا بثبات الذات في أزل.... وليس لله إلا صنعة الحالِ
دانوا بأن إله العرش ذوتها.... بلا احتذاءٍ على حذوٍ وتمثالِ
لو كانت الذات ذاتاً قبل يوجدها.... لكان كل محل سابق تالي
ما كان يخطر هذا من ركاكته .... للمصطفى صفوة الباري على بال
ولا علي ولا ابنيه وزوجته .... فقولهم من أباطيل الهوى خال
انظر بإنسان عين الفكر في خُطَبٍ .... لهم ومنثور لفظ سلسل حالي
قد لحبوا طرقاً للسالكين بها .... وبيّنوها بتفصيل وإجمال
ثم اقتفى إثرهم زيد ووالده .... وصنوه وابنه والحال كالحال
كذلك القاسم الرسي قال كما .... قالوا وفجّر ينبوع الهدى الحالي
فناظر الفلسفي حتى أَقَرّ له .... وتاب من دسّ تعليلٍ وإيغال
وصفوة القاسم الرسي محمدٌ الـ .... ـجدير منّا بإعظام وإجلال
/170(2/170)

10 / 151
ع
En
A+
A-