الكتاب : لوامع الأنوار
المؤلف : السيد العلامة المجتهد مجدالدين المؤيدي

العناصر ـ صلوات الله عليهم ـ.
ولنجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم وعليهم ـ مسلسلات عن سائر مشائخ آل محمد (ع) منها: روايته عن عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن آبائه (ع)، وقد تقدم ذكرها في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى، وفي البساط للناصر للحق (ع)، وقد أخرج منها الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي؛ وقال في أمالي الإمام أبي طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ وذكر سنده إلى القاسم بن إبراهيم ـ قال: حدثني عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع)، عن أبيه، عن جده، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - بعد ما صلى العصر، فما ترك شيئاً هو كائن بين يدي الساعة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، فقال في خطبته: ((أيها الناس، إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم، فناظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، واتقوا الغضب، فإنه جمرة تتوقد في جوف ابن آدم؛ ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه، وحمرة عينيه؟ فإذا أحسّ أحدكم بشيء من ذلك فليذكر الله سبحانه)).
ومسلسلات الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، منها: عن أخيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، في استكمال حقائق الإيمان...الخبر، وهو في البساط، وقد أوردته في التحف الفاطمية .
ومسلسلات الإمام المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس الحسني (ع)، منها: عن السيد الإمام عماد الإسلام يحيى بن المرتضى لدين الله محمد، عن عمه الناصر لدين الله، عن أبيه الهادي إلى الحق، عن /121(2/121)


آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فهذه لمعة من أنوار، ومجة من بحار، من مسلسلات العترة الأطهار، قد تضمنتها المجموعان، والأحكام، والبساط، والشرحان، والأماليات الخمس، وغيرها من الأسفار؛ وقد أسلفت منها في هذا الكتاب المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ ما فيه معتبر لذوي الاعتبار.
نعم، وقد سبق في المنقول من الشافي مسلسل الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة، في إسناد مذهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ في العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة، والإمامة لعلي بن أبي طالب، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما في مَنْ قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما؛ عن آبائه أباً فأباً إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقد سمع الشافي عليه الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد (ع)، وقد أوضحتُ في هذا ما منَّ الله ـ تعالى ـ به من الأسانيد المسلسلة بالعترة المطهرة (ع)، من لديّ إلى أعلام الأئمة، وكرام الأمة.
منها: إلى الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد، وهو يروي عن الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة.
ومنها: إلى أخيه الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن محمد، وهو يروي عن أبيه الداعي إلى الله شيبة الحمد، بدر الدين محمد بن أحمد، وهو يروي عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، بأسانيدهم.
ومنها: إلى الإمام القوام، المتوكل على الله، المطهر بن يحيى المظلل بالغمام، وولده الإمام المهدي لدين الله، وولده الواثق برب الأنام، ومن ذلك ما قاله (ع):
أروي عن والدي محمد بن المطهر الصلاة بالركوع والسجود، وجميع /122(2/122)


أركان الصلاة، وأراني كيفية ذلك، وإنها لأبلغ صلاة، وأتمها، وأوفاها، وأكملها.
وقال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جده، عن آبائه (ع)، عن علي (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هذه الصلاة المذكورة المستوفاة الأركان، والأذكار، والأفعال، انتهى.
وإلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى، والإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد، والإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، والإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
وإلى من تخللهم، ومن بيننا وبينهم، ومن قبلهم من نجوم الهدى، وأئمة الاقتداء.
فهذه ـ بحمد الله ـ من المسندات المسلسلة بآل رسول الله ـ صلوات الله عليهم ـ من عصرنا؛ ولاتزال ـ إن شاء الله ـ متصلة على مرور الأعصار، وقد تقدم وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ما فيه بلاغ لأولي الأبصار.
[ترجيح مسلسل العترة]
هذا، وقد علم رجحان مسلسل السند بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ بالإجماع عند أئمتنا (ع) وأشياعهم، وهو الصريح من مذهبهم، بل وعند غيرهم، كما سبق عن أحمد بن حنبل، والحاكم، بلا نزاع؛ وذلك لما فيه من العلو العلوي، والقرب النبوي.
ولذا قال الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع):
وقولهم مسند عن قول جدّهم .... عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا
وقال الإمام المنصور بالله: /123(2/123)


كَمْ بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
فعظمت العناية، واشتدت الرغبة من ذوي الولاية، في اتصال السند بآل محمد(ع)، كما قال السيد الإمام، حافظ اليمن، إبراهيم بن محمد الوزير (ع) في علوم الحديث، ما لفظه:
الأول: في إسناد العترة، وأنه أصح الأسانيد؛ وهذا أمر لا امتراء فيه عند أهل المذهب، ومسنداتهم المتصلة تسمى سلسلة الذهب، انتهى المراد.
نعم، فما كان الرواة فيه من آل محمد (ع) أكثر ـ وإن لم يتسلسل ـ فهو مقدم على ماليس فيه منهم أحد، أو كانوا فيه أقلّ، ولهذا ترى أعلام العترة، وعلماء الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بأسانيد آل محمد (ع)، ويقول الواحد منهم: ليس بيني وبين من اتصل به السند إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق؛ ويعدون مَنْ في الإسناد من العصابة العلوية، والسلالة المحمدية؛ فالاتصال بهم أقوى سبب، والمرء مع من أحب.
وقد يسر الله تعالى في هذا المؤلف النافع ـ إن شاء الله ـ من المسلسلة بالسلالة الطاهرة، نجوم الدنيا وشفعاء الآخرة، مالم يكن في سواه ـ بفضل الله ـ والحمد لله حمداً يبلغ منتهى رضاه؛ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
[بطلان حكم الوزير والأمير على الأحكام بخلوه من المتسلسل]
هذا، وأما ما قاله في الإيثار، ونقله عنه الأمير في توضيح الأفكار، من أنه ليس في الأحكام حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، فهو مما ينادي على مجانبتهما، وعدم حفظهما لعلوم سلفهما الأطهار، ولقد كنت أوثر جانب الإحترام، ولكن الحق لله، والله لا يستحي من الحق، وليس على قائل الصدق وإن شق ملام، لا سيما وهما لم يحترما مقام إمام الأئمة الأعلام، وهداة هذه الأمة من الأنام، ولم يسمحا بفضل النظر في كتابه جامع الأحكام، أو يصمتا والصمت أسلم عن الخطر، ويقتصرا ما عنيا به من البحث والحفظ في علم المخالفين لأهل بيت النبوة الكرام، وكل ذي لب يعرف مخرج هذا الكلام، وما راما به من التوهين في علوم العترة الهادين، كما قد اقتدى بهما طائفة من المنحرفين الطغام، واقتاد لهما بالزمام فريق من المقلدين الأغتام، فسأوضح بطلان /124(2/124)


ذلك الكلام، واختلال ذلك المرام، بإعانة الملك العلام.
فأقول: إن أراد ليس فيه من المصرح بالتسلسل عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ كما هو ظاهر عبارته التي شرط فيها ماليس بشرط في المسلسل، لتتم له دعواه؛ فبحمد الله تعالى لم يصب مرماه، فمما يردّ مدعاه ما قدمته عند تمام سند الأحكام، وهو الخبر النبوي:
قال (ع) في الأحكام: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن آبائه (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((الرفق يمن، والخُرْق شؤم)).
ومنه ما قاله في الأحكام: حدثنا أبي، عن أبيه، عن مشائخه وسلفه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لدرهم ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية في الإسلام، أهونها إتيان الرجل أمه)).
والذي يقتضيه النظر أن مثل هذا لو كان في البخاري ومسلم لما خفي عليهما مكانه، ولاغبي عندهما شأنه؛ ففيه مع هذا الانتقاض أعظم دليل على الإعراض، وأقوى شاهد على الكروع من غير هذه الحياض، والرتوع في غير هذه الرياض، وإنما أشير في هذا إلى الأمير، وإن كان أصل الكلام للوزير، لما ظهر منه على هذا القول من النقل والتقرير، ولما علم من حاله وحال أمثاله، وقد أبنت بعض ما جرى منه في الفلق المنير، واستوفى في الكشف عنه الإمام الكبير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وإن عرض البحث فيه، أوضحت الحق في شأنه، كما أمر الله تعالى ببيانه.
هذا، وإن أراد أنه ليس فيه على الإطلاق، لا مصرحاً به، ولا غير مصرح، لا عن آبائه الكرام، ولا عن سائر سلفه الأعلام (ع)، كما هو الذي يقتضيه صنيعه في الإيهام، وإلا فأي فائدة في سياق ذلك الكلام، مع أنه غير ناقض لما هو المراد من التسلسل؛ إذ القصد ـ كما صرح به هو، وهو معلوم لذوي الأفهام ـ التسلسل بالعترة الأعلام، سواء في ذلك الآباء والأعمام، وغيرهم من سلالة سيد الأنام.
من تلقَ منهم تقل لاقيتُ سيّدهم .... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وأيُّ حاجة إلى اشتراط مالم يشترطه أحد من علماء الإسلام، ولايترتب /125(2/125)

1 / 151
ع
En
A+
A-