لكل مراد.
قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الواحد العدل.
إلى قوله: وصلى الله على رسوله محمد، الذي المكْنيُّ عنه ـ أراد الوصي (ع) ـ شعاع من شمسه، وغصن من غرسه، وقوة من قوى نفسه، ومنسوب إليه نسبة الغد إلى يومه واليوم إلى أمسه؛ فما هما إلا سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومجَلٍّ ومصَلٍّ، سبقا لمحة البارق، وأنارا سدفة الظلمة الغاسق، صلى الله عليهما، مااستخلَبَ خبير، وتناوح حراء وثبير.
ثم ساق إلى قوله: على أن كثيراً من فصوله ـ يعني النهج ـ داخل في باب المعجزات المحمدية؛ لاشتمالها على الأخبار الغيبية، وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية.
[مِنْ شرح النهج في الذين قدَّموا علياً من المعتزلة]
ولما بلغ إلى القول في التفضيل، قال: وقال البغداديون قاطبة، قدماؤهم، ومتأخروهم، كأبي سهل بشر بن المعتمر، وأبي موسى عيسى بن صبيح، وأبي عبدالله جعفر بن مبشر، وأبي جعفر الإسكافي.
قلت: هو محمد بن عبدالله، صاحب الكتاب العظيم في الرد على الجاحظ؛ لأن الجاحظ والنظام، وأمثالهما، من البصريين المائلين عن أمير المؤمنين (ع)، وغير مستنكر منهم، وكلام الوصي في البصرة، وأهلها معلوم.
قال: وأبي الحسين الخياط، وأبي القاسم عبدالله بن محمود البَلْخِي، وتلامذته [قالوا]: إن علياً (ع) أفضل من أبي بكر، وإلى هذا المذهب ذهب من البصريين أبوعلي محمد بن عبد الوهاب الجبائي.
إلى قوله: وقال ـ أي قاضي القضاة ـ: إن أبا علي ـ رضي الله عنه ـ يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه، وقد كان ضعف عن رفع الصوت، فألقى إليه أشياء، من جملتها القول بتفضيل علي (ع).
وممن ذهب من البصريين إلى تفضيله (ع)، الشيخ أبو عبدالله الحسين بن علي البصري ـ رضي الله عنه ـ، كان متحققاً بتفضيله، ومبالغاً في ذلك، وصنف فيه كتاباً مفرداً؛ وممن ذهب إلى تفضيله (ع) من البصريين قاضي القضاة أبو الحسن عبدالجبار بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ.
ومن البصريين الذاهبين إلى تفضيله (ع)، أبو محمد الحسن بن مَتَّويه، صاحب التذكرة، نص في كتاب الكفاية على تفضيله (ع) على أبي بكر /470(1/470)


واحتج لذلك، وأطال الاحتجاج.
إلى قوله: وأما نحن فنذهب إلى مايذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله(ع)، وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية مامعنى الأفضل، وهل المراد به الأكثر ثواباً أم الأجمع لمزايا الفضل، والخلال الحميدة؟ وبيّنا أنه (ع) أفضل على التفسيرين معاً.
ثم ساق في بيان أحوال الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وأبان في خلال ذلك استناد جميع العلوم من جميع الفرق إليه.
وقال في حكاية مذهب البغدادين في الإمامة مانصه: إنه الأفضل، والأحق بالإمامة.
إلى قوله: فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخبره أن الإمامة حقه، وأنه أولى بها من الناس أجمعين.
إلى قوله: ولم يُخْرِجْه تقدّمُ مَنْ تقدّم عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق؛ وقد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخي ـ رحمه الله تعالى ـ بهذا، وصرّح به تلامذته، وقالوا: لو نازع عقيب وفاة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وسلّ سيفه، لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدّم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه؛ ولكنه مالك الأمر، وصاحب الخلافة، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عنها؛ وحكمه في ذلك حكم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: ((علي مع الحق، والحق مع علي، يدور حيثما دار)).
وقال له غير مرة: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وهذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي، وبه أقول. انتهى.
وفي شرح قول أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ: هلك فيَّ اثنان: محب غال، ومبغض قالٍ.
ولهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص، والفوز في هذه المسألة؛ لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة، قالوا: هو أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأكثرهم خصائص، ومزايا ومناقب، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه، فإنه عدوّ لله سبحانه، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين، إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته، ومات على توليه وحبه.
إلى قوله في /471(1/471)


المشايخ: فلو أنكر إمامتهم، وغضب عليهم، وسخط فعلهم ـ فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أو يدعو إلى نفسه ـ لقلنا إنهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قلت: فتأمل هذا، مع ماملأ به الشرح من تصحيح إنكار الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وشكايته منهم، يظهر لك مصداق ماأشرنا إليه سابقاً.
قال: لأنه قد ثبت أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال له: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)) وأنه قال: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وقال له: ((لايحبك إلا مؤمن، ولايبغضك إلا منافق)).
ثم ساق في تقرير كونه راضياً عنهم؛ فالله أعلم، أَغَفْلَةٌ منه أَمْ تغافل؟
قال: والحاصل أنا لم نجعل بينه وبين النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ماعدى ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه.
إلى قوله: والقول بالتفضيل قول قديم، قد قال به كثير من الصحابة والتابعين.
وقال أيضاً في هذا الجزء وهو العشرون من الشرح: فأما علي (ع)، فإنه عندنا بمنزلة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في الاحتجاج بفعله، ووجوب طاعته.
[شيء من شرح النهج في العترة]
وقال في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فأين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق؟ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر؟ ما نصه: وقد بين رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عترته، من هي لما قال: ((إني تارك فيكم الثقلين)) فقال: ((عترتي أهل بيتي)).
وبين في مقام آخر، مَنْ أهل بيته حيث طرح عليهم كساء، وقال حين نزلت: /472(1/472)


{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ } [الأحزاب:33]: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب الرجس عنهم)).
فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين (ع) بهذا الكلام؟.
قلت: نفسه، وولداه.
والأصل في الحقيقة نفسه؛ لأن ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة؛ وقد نبّه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على ذلك بقوله: ((وأبوكما خير منكما)).
إلى قوله: في أزمة الحق (جمع زمام) كأنه جعل الحق دائراً معهم حيثما داروا، وذاهباً معهم حيث ذهبوا، كما أن الناقة طوع زمامها.
وقد نبّه الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على صدق هذه القضية بقوله: ((وأدر الحق معه حيث دار)).
وقوله: ((وألسنة الصدق)) من الألفاظ الشريفة القرآنية؛ قال الله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)}[الشعراء]، لما كان لايصدر عنهم قول ولاحكم، إلا وهو موافق للحق والصواب.
..إلخ كلامه.
وقال في الجزء التاسع في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تُؤْتى البيوت إلا من أبوابها إلخ مانصه: واعلم أن أمير المؤمنين (ع) لو فخر بنفسه، وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله، بفصاحته، التي آتاه الله تعالى إياها، واختصه بها، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافة، لم يبلغوا إلى معشار مانطق به الرسول الصادق ـ صلوات الله عليه ـ في أمره، ولست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة.
إلى قوله: كخبر الغدير، والمنزلة، وقصة براءة، وخبر المناجاة، وقصة خيبر، وخبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة، ونحو ذلك؛ بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث، التي لم يحصل منها أقل القليل لغيره؛ وأنا أذكر من ذلك شيئاً يسيراً، مما رواه علماء الحديث، الذين لا يتهمون فيه.
ثم ساق أربعة وعشرين /473(1/473)


خبراً.
[إشارة من شرح النهج إلى بعض المغيبات التي أخبر بها الوصي]
هذا؛ ونختم الكلام فيه ببحثٍ ساقه في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فاسألوني قبل أن تفقدوني؛ فوالذي نفسي بيده، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولاعن فئة تهدي مائة وتضل مائة، إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها، ومحط رحالها.
..إلخ كلامه ـ عليه أزكى صلوات الله وسلامه ـ.
لاشتماله على لمعة جامعة من إخباره بالغيوب، التي هي من دلائل النبوة، وأعلام الرسالة، صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله.
قال الشارح ـ أحسن الله مكافأته ـ: واعلم أنه (ع) قد أقسم بالله الذي نفسه بيده، أنهم لايسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة، إلا أخبرهم به.
وساق في ذلك، حتى قال في تعداد الأخبار، التي امتلأت بها عنه حافلات الأسفار، مانصه: كإخباره عن الضربة التي تضرب في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين ابنه (ع)، وما قاله في كربلاء حيث مَرّ بها، وإخباره عن ملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به عن الخوارج بالنهروان، وماقدمه إلى أصحابه بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب.
قلت: وإخباره بالإمام الأعظم زيد بن علي وما يلاقي، وتبشيره بإمام الأئمة يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق (ع) وغيرهما؛ إلا أن هذه من الأخبار العظام، التي لم يتعرض لها الشارح هنا؛ وقد فصل في الشرح ماأشار إليها من المخبرات فيما سبق، وفيما يأتي له.
قال: وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة، لما شخص (ع) إلى البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبدالله بن الزبير، وقوله فيه: خبّ ضبّ يروم أمراً لايدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش.
وإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة أخرى بالزنج، وهذا الذي صحفه قوم فقالوا /474(1/474)

96 / 135
ع
En
A+
A-