الشريف، والمنهج المنيف، مخرجة في غيره من كتب الموالفين والمخالفين، على رغم أنوف المباهتين، فلا يستطيعون دفع ذلك برد ولا إنكار، مع أن برهان كلام سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، في ذاته، من أعظم الشواهد لذوي الأبصار، وقد استدل على ذلك شارحه العلامة فارس الميدان، وسابق الفرسان، وإمام المعاني والبيان ابنُ أبي الحديد، بدلائل واضحة الحجج، مسفرة المنهج، وأتى عند خطبه بروايات عديدة، وطرقات مفيدة، وخطبه الشريفة، وفصوله البالغة المنيفة، موجودة بأعيانها، وأسانيدها في كتب الأئمة الهادين، من أولاد أمير المؤمنين؛ وأكثر ذلك في بساط الإمام الناصر للحق، وأمالي الإمام الناطق بالحق، والإمام المرشد بالله، والاعتبار للإمام الموفق بالله (ع).
قال الإمام الشهير، محمد بن عبدالله الوزير (ع) في جوابه على المقبلي مالفظه: ولم يفعل الذهبي وغيره ممن نقمتَ عليهم إلا دونك، فأنتَ أولى بجوابك منهم، وقد أقر الذهبي بأكثر النهج، وإنما نفّر مما فيه وصمة على الصحابة، ثم ألم تعلم أن أكثر الخطب مروية في أمالي أبي طالب (ع)، وكتاب المحيط، وجامع السيوطي، وغيرها من الكتب، وإنكار بلوغها إلى المصنف لنظره إلى علوم الآل بالعين الحمقاء، وإلا فلها طرق مذكورة في كتب الأسانيد. انتهى.
وقد جمع من ذلك بحثاً نافعاً المولى العلامة شرف الدين الحسن بن الحسين الحوثي في تخريج الشافي.
قال ـ أيده الله ـ في سياق الرد على فقيه الخارقة بعد أن ذكر مامعناه أن طريق الرواية إليه، كطريق الرواية إلى غيره مالفظه:
وليس ثم فرق إلا أن مؤلفه من خلصان الزيدية المشار إليهم بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرساً في السماء وهم الملائكة، وفي الأرض حرساً وهم شيعتك ياعلي)) كما قال جعفر الصادق: لا أعلم إلا أنها في أصحاب عمي زيد بن علي.
إلى قوله: إلا أن مؤلف النهج من سلالة بضعة محمد ـ صلى الله عليه /450(1/450)
وآله وسلم ـ، وهو من جملة سفن النجاة، ومن الثقل المقرون بكتاب الله، الآمن من تمسك به من الضلال.
فكيف ساغ القدح فيه، أو في كتابه، ولا يسوغ في مثل البخاري، ومسلم، وليسوا بمرتبته، ولا يدانونه؟!.
إن هذا لحيف شديد، وضلال بعيد، على أنه قد روى الإمام أبو طالب جملة مما في نهج البلاغة بأسانيد.
وذكر ابن الأثير أشياء من خطبه في مواد الكلم.
ثم ساق في التخريج، فأتى بالكثير الطيب من كتب الأئمة (ع)، وغيرهم، أجزل اللَّه تعالى له الثواب، وأكرم لنا وله المآب.
وقد بسط في سيرته، وفضائله، وخصائصه، شارح النهج.
وقال السيد الإمام، في ترجمته في طبقات الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ: وهو ذو الفضائل الشائعة، والمكارم الرائعة، له هيبة وجلالة، وفيه ورع وتقشف، ومراعاة للأهل والعشيرة، ولي نقابة الطالبيين مراراً، وكان إليه إمارة الحاج، والمظالم.
إلى قوله: وله من التصانيف كتاب المتشابه في القرآن، وكتاب مجازات الآثار النبوية، وكتاب نهج البلاغة، وكتاب تلخيص البيان، عن مجازات القرآن، وكتاب الخصائص، وكتاب سيرة والده الطاهر.
إلى قوله: وكتاب رسائله مجلدات، وكتاب ديوان شعره، وهو مشهور، وهو أشعر قريش، وجمع بين الإكثار والإجادة، وكان يُقَدَّم على أخيه المرتضى، والمرتضى أكبر منه؛ لمحله في نفوس الخاصة والعامة.
إلى قوله: وكان يترشح للخلافة.
قلت: قد صرح بذلك في أشعاره، على غير مبالاة بملوك بني العباس؛ من ذلك قوله، مخاطباً لنفسه:
هذا أمير المؤمنين محمد .... طابت أرومته وطاب المحتدُ
أو ماكفاكَ بأن أمّك فاطم .... وأبوك حيدرة وجدك أحمدُ
وهذا صريح في مخالفة مذهب الإمامية، معلوم لمن له أدنى مسكة واطلاع.
وقوله مما رواه شارح النهج: /451(1/451)
ما مقامي على الهوان وعندي .... مقول صارم وأنف حميُّ
وإباء محلق بي عن الضيـ .... ـم كما زاغ طائر وحشيّ
أي عذر له عن المجد إنْ ذّ .... لّ غلام في غمده المشرفيّ
أحمل الضيم في بلاد الأعادي .... وبمصر الخليفة العلويّ؟
مَنْ أبوه أبي ومولاه مولا .... ي إذا ضامني البعيد القصيّ
لفّ عرقي بعرقه سيدا النا .... س جميعاً محمد وعليّ
وهذا إشارة إلى الخلفاء العبيديين بمصر، وهو مما يفيد تصحيح نسبهم، وإن كانت دياناتهم ـ على ما نقل ـ غير صحيحة؛ ولم يصرح ـ رضي الله عنه ـ بالمدح لشيء من أحوالهم، سوى الاتفاق في النسب.
وأما الخليفة فقد صار لقباً لهم من الألقاب، وهو يقال خليفة حق، وخليفة باطل، كما يقال إمام هدى، وإمام ضلال.
وبمثل ذلك ورد القرآن العظيم، وليس مراد الشريف إلا التكثر بهم، والإرهاب على أعدائه من بني العباس، فهو على طريقة قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ } [الروم].
وقد شقّ على القادر العباسي هذا الشعر لما بلغه، وقال لوالد الرضي: قل لولدك محمد: أيُّ هوان قد أقام عليه عندنا؟ وأي ضيم لقي من جهتنا؟ وأي ذلّ أصابه في ملكنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه؟ أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟
وكان الرضي ـ رضي الله عنه ـ شريف النفس، عالي الهمة، لم يكن يقبل من أحد من الخلق صلة، حتى من أبيه.
وأمه وأم أخيه أبي القاسم المرتضى علي بن الحسين، فاطمة بنت الحسين بن الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع).
قال شارح النهج: وحدثني فخار بن معد العلوي الموسوي ـ رضي الله عنه ـ، قال: رأى المفيد محمد بن النعمان الفقيه في منامه، كأن فاطمة بنت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، دخلت إليه، وهو في مسجد الكرخ، ومعها ولداها الحسن والحسين (ع)، صغيرين، فسلمتهما إليه، وقالت له: علمهما الفقه /452(1/452)
.
فانتبه متعجباً من ذلك؛ فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة، التي رأى فيها الرؤيا، دَخَلَت إليه المسجد فاطمةُ بنت الناصر، وحولها جواريها، وبين يديها ابناها، محمد الرضي، وعلي المرتضى؛ وقالت: أيها الشيخ، هذان ولداي، قد أحضرتهما إليك؛ لتعلمهما الفقه.
فبكى أبو عبدالله، وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم اللَّه تعالى عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل، ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر. انتهى.
وأفادوا أن قبره بمشهد جده، الحسين بن علي ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ.
[سند نهج البلاغة]
هذا، فأقول والله ولي التوفيق: أروي كتاب نهج البلاغة، الجامع لجوامع خطب، وحكم ورسائل، لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بالطرق السابقة في المجموع، إلى الإمام الشهيد، المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، عن أحمد بن محمد شعلة الأكوع، عن السيد الإمام المرتضى بن سُراهِنك (بضم المهملة الأولى، وبالراء، وكسر الهاء، وسكون النون، ثم كاف؛ أفاده في الطبقات).
قال في ترجمته: ابن محمد بن يحيى بن علي بن سراهنك بن حمزة بن الحسن بن علي بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: الشريف الفاضل، شرف الدين، أبو طالب؛ سمع نهج البلاغة على الشيخ معين الدين، أحمد بن زيد الحاجي.
قال: وسمع (أعلام الرواية، على نهج البلاغة)، على ركن الدين، فيروز شاه الجيلي، وعن الحسن بن مهدي البيهقي، وعن أحمد بن زيد الحاجي؛ وهم سمعوها على مؤلفها علي بن ناصر
قلت: وهذه طريق لنا إلى أعلام الرواية، ونرويها أيضاً بالسند السابق في المجموع، إلى حميد الشهيد، عن الإمام الحجة /453(1/453)
المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ـ عن الشيخ الحافظ البيهقي، القادم إلى اليمن في أيام الإمام المنصور بالله (ع)، وقد سبق في التحف الفاطمية، أنه زيد بن أحمد بن الحسن، ويقال له: أحمد بن أحمد؛ وفي الطبقات: ويقال: أحمد بن الحسن، عن مؤلفها الشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
ترجم له بهذا السيد الإمام ـ رضي الله عنهما ـ، وهذا عارض مفيد ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ.
(رجع) إلى تمام كلام السيد الإمام، في ترجمة السيد المرتضى راوي نهج البلاغة.
قال: وسمع عليه أعلام الرواية حميد بن أحمد المحلي، وكان السماع بكحلان تاج الدين، سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وقرأ عليه أنساب الطالبية الشيخ أحمد بن محمد شعلة، وأجازه جميع مسموعاته، ومناولاته.
قلت: وهذه طريق لنا إلى جميع ذلك كما ثبت بالنقل الصحيح.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال مولانا الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، في ذكر نهج البلاغة: وأجلّ من أُخِذ عنه هذا الكتاب باليمن، السيد المرتضى ابن سراهنك، الواصل من بلاد العجم، مهاجراً إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، متجرداً للجهاد بين يديه، فوافى ديار اليمن، وقد كان الإمام قُبض؛ فأخذ عنه أولاد المنصور بالله وشيعته، هذا الكتاب، وتوفي هذا الشريف المذكور بظفار، دار هجرته، بعد أن خلطه أولاد المنصور بالله بأنفسهم، وزوجوه بنتاً للمنصور بالله، وقبره في جانب الجامع المقدس، بحصن ظفار.
[تراجم معين الدين والسيد يحيى بن إسماعيل والحاكم الجشمي]
(رجع)، عن الشيخ معين الدين أحمد بن زيد ـ ويقال: ابن أحمد الحاجي، أفاده السيد الإمام ـ.
وقد ترجم له وأفاد مافي الإسناد لاغير، وهو من علماء الزيدية؛ وقد وقع للسيد الإمام (ع) في الطبقات سبق ذهن في بعض المواضع، وانتقال من أحمد الحاجي هذا، إلى أحمد البيهقي؛ للاشتراك في التردد، بين أحمد وزيد؛ فصار يتكلم في ترجمة أحدهما بما للآخر، وقد نبهتُ على ذلك في ترجمة شعلة الأكوع، من الطبقات، فاحفظ ذلك، فقد سها فيه إمام الحفاظ، وجلّ من لايسهو /454(1/454)