إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ في آخر الكتاب:
وأقام نبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في دار المشركين، ثلاث عشرة سنة، يدعو الناس إلى الإسلام، ثم صار إلى دارٍ تؤويه، وتمنعه، وقد أخذ عليهم البيعة؛ وفي المدينة يومئذ اثنا عشر ألف مقاتل، من الأوس والخزرج، ومن تبع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من المهاجرين، وقبائل العرب؛ فخرج إلى بدر وهو يريد عيراً لقريش، جاءت من الشام، ولم يكن معه جميع من تابعه بالمدينة؛ وإنما كان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من المهاجرين والأنصار، وغيرهم.
وجاءت قريش في ألف فارسٍ وراجل.
إلى قوله: فأيده الله بالملائكة المسومين، ونصره على عدوّه، ثم لم يزل يقاتل عدوّه في حروبه.
إلى قوله (ع): ثم كان من بعده علي بن أبي طالب، وهو أشجع الناس وأعلمهم، وأولاهم برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وبمقامه، وأولاهم بالناس؛ فلما اجتمع القوم على أن يولوا الأمر غيره لزم بيته، وأغضى، فمكث نحواً من أربع وعشرين سنة، حتى قُتل عثمان، فاجتمع جميع من بالمدينة أن يبايعوه، فأبى ذلك عليهم، غضباً منه عليهم؛ فلما أبوا عليه تقلّد أمرهم، ثم خالفه من خالفه بعد البيعة، ونكثوا عقده، ونبذوا عهده؛ فسار إليهم بالفئة التي أطاعته، حتى أظهره الله عليهم، ثم توجه إلى معاوية.
قال: فقاتله.
ثم خالفته الخوارج، فقاتلهم، فلم يزل على تلك الحال، يقاتل من عصاه بمن أطاعه، حتى مضى لسبيله (ع) شهيداً.
ثم قام الحسن (ع) بالأمر، ومعه الفئة التي كانت مع أبيه؛ فلما فسدت عليه طاعة الأكثر من جنده، وطعنوه، وانتهبوا ثقله.
إلى قوله (ع): عرض عليه معاوية المسالمة، والموادعة، فأجاب إلى ذلك، وكان ذلك الحق والصواب.
ثم خرج الحسين (ع) هارباً إلى مكة، كراهية أن يبايع ليزيد ـ لعنه الله ـ؛ فأتاه حمل كتب، من رؤساء أهل الكوفة، يعلمونه أنهم قد اجتمعوا على طاعته،/445(1/445)


ويعلمونه أنه يقدم على بلد ليس فيها مخالف، فبعث مسلم بن عقيل، رائداً له، فبايعه أربعة آلاف؛ فلما بلغ ابن زياد عاجله، فخرج ومعه أربعة آلاف، فلم يُمْسِ ومعه منهم أحد؛ ثم قدم الحسين بن علي (ع) في نحو سبعين رجلاً، فحيل بينه وبين الكوفة، وأحاطوا به حتى قتلوه.
ثم قام زيد بن علي (ع)، فأحصى ديوانه خمسة عشر ألفاً ـ وقيل: ثلاثين ألفاً ـ فأعجله يوسف بن عمر، قبل أن يجتمع إليه أصحابه وعدته؛ فخرج، فوفى له ممن بايعه نحو أربعمائة رجل، فقاتل بالفئة التي أطاعته من عصاه، حتى قُتل شهيداً ـ صلى الله عليه ـ.
ثم مضى يحيى بن زيد، ومعه ثمانون رجلاً من أصحاب أبيه، فقاتل لله فيها نحو عشرة آلاف، وقُتل رئيس القوم.
إلى قوله: ثم احتالوا له بالماء، فمخروه عليه حتى قتلوه، وقتلوا أصحابه ـ رحمة الله عليهم ـ.
ثم خرج محمد بن عبدالله (ع)، وقد بايعه جميع من بالمدينة، من المتدينين من قريش، والعرب، وغيرهم، فقاتل بفئة، وتبعة، حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج إبراهيم بن عبدالله بالبصرة، في نحو من ثلاثين ألفاً، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج الحسين بن علي بفخ، ومعه (ع) فئة وجماعة، قد بايعته، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج محمد بن إبراهيم (ع) بالكوفة، في فئة وعدة.
ثم أُكْره محمد بن محمد بن زيد بن علي (ع)، على هذا الأمر، فأيده الله على حداثة سنه.
ثم خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة، فقاتل هارون بن المسيب، حتى قتل عامة أصحابه، وأسر فاستأمن، ووسعه ذلك؛ إذْ لم يكن معه فئة ينتصر بها من عدوّه.
ثم خرج محمد بن القاسم (ع)، بالطالقان. /446(1/446)


ثم قدم عبدالله بن موسى (ع) إلى الكوفة، ومعه فئة قليلة، لاينتصر بهم من عدوه؛ فقيل له: لو خرجت لم يتخلف عنك أحد، فظهر، ومعه ابناه قُدَّامَه، ومعه نفر من أوليائه، لو قاتل بهم، لرجوتُ أن يموتوا دونه؛ فلما لم تستجب له فئة ينتصر بها، رجع إلى المنزل الذي كان فيه، واختفى.
فهؤلاء أهل بيتي، ومخرج مَنْ خرج منهم، وقعود من قعد؛ فالخارج مصيب، والقاعد مصيب؛ إذْ لم تمكنه الفئة والعدة.
وسئل الحسن عن خروج زيد بن علي (ع)، وقعود جعفر (ع).
فقال: خروج زيد ـ صلى الله عليه ـ طاعة، وقعود جعفر ـ (ع) ـ طاعة، وليس للناس أن يحكموا عليهما.
وقد بلغنا عن عبدالله بن الحسن (ع)، أنه قال: لولا ألا يبقى للإسلام ثاغية، ولاراغية، لخرجنا جميع آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأجمعنا، فأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ودعونا إلى كتاب الله ربنا، وسنة نبينا، حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا؛ ولكن يخرج الخارج منا فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حجة على أهل زماننا، ويقعد القاعد، بقية لغد.
وقال علي (ع): عليكم بأهل بيت نبيكم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فإن لبدوا فألبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، لا تصرعكم البلية.
وبهذا تم الكتاب.
وقد وقع بما سقناه من هذه المباحث الإطناب، وإنما آثرت نقلها لبعد الكتاب، وعدم تداوله كغيره من كتب الأصحاب؛ ولما في هذا الكلام الشريف النبوي، والقول المتين العلوي، القريب العهد بالسوح المصطفوي، من أنوار النبوة، التي يطمئن لها قلوب أهل الإيمان، وتنشرح لها صدور أرباب العرفان؛ ولما فيها من الرد على مخالف قرناء القرآن، فلا تخلو ـ إن شاء الله ـ من الإفادة.
هذا، فأروي بما تقدم من الإسناد الجامع الكافي، جامع آل محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم/447(1/447)


.
[السند إلى كتاب التأذين بحي على خير العمل]
كتاب التأذين بحي على خير العمل لصاحب الجامع السيد الإمام، أبي عبدالله، محمد بن علي العلوي (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام شرف الدين (ع)، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عز الدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، عن أخيه الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد الشهيد، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ.
[ترجمة عمران بن الحسن الشتوي]
عن الشيخ العالم الحافظ، عمران بن الحسن الشتوي العذري، المتوفى في عشر ثلاثين وستمائة، وهو من أعيان أصحاب الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد وقع منه، ومن بعض أهل عصره، ما وقع في جناب الإمام الداعي، يحيى بن المحسن (ع)، والله أعلم بتفصيل الأمر، وهو محتمل؛ وقد وصل مع جماعة [من] العلماء في ذلك العصر، إلى الأمير الداعي إلى الله بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، إلى هجرة قطابر، فرجحوا قيام الأمير الناصر، محمد بن الإمام المنصور بالله، محتسباً، وكانوا في جماعته، فلم يتحقق منهم القصد لرد الحق، والخروج عن ولاية آل محمد (ع)، والله متولي السرائر، وإليه يرجع الأمر كله.
(رجع)، عن الشيخ العالم علي بن منصور الوادعي الكوفي، المعدود في علماء الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ.
قال عمران بن الحسن: أخبرنا علي بن منصور مكاتبة، وإجازة، لنا ولجميع المسلمين، في سنة سبع عشرة وستمائة. انتهى.
عن الشيخ بدر الدين نصرالله، محمد بن محمد بن المدلل، عن أبي الحسن محمد بن محمد بن علوي، بن غَبَرة الهاشمي الحارثي، الكوفي المعدل، عن السيد العالم أبي علي، عبد الجبار بن الحسن بن محمد /448(1/448)


العلوي الحسني الكوفي، النسابة، عن المؤلف السيد الإمام، أبي عبدالله العلوي ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد حفل كتابه هذا بالروايات للأذان، وإثبات حي على خير العمل، عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وسادات آل محمد (ع)، وقد ساق غالب ما فيه الإمام القاسم بن محمد (ع) في الاعتصام، والله ولي التوفيق.
[الكلام على نهج البلاغة، ترجمة مؤلفه، صحة نسبته إلى علي (ع)]
كتاب نهج البلاغة وكان حقه السابق؛ إذْ هو كلام مَنْ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ولكن لكون زمن جامعه في هذه الرتبة، وقد وقعت الترجمة لمؤلفه السيد الشريف الإمام أبي الحسن الرضي محمد بن الحسين الموسوي الكاظمي، وذكر نسبه، وتاريخه، في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام عيسى بن زيد (ع) حسبما اقتضاه المقام، وحاله في آل الحسنين أشهر من براح، وأنور من فلق الصباح، لذي عينين، وقد أثنى عليه السابق، من أئمة العترة واللاحق، منهم الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، وأفاد أنه من نجوم العترة المضيئة، وعيون العصابة المرضية، وكذا غيره من أئمة الأمة المحمدية، ومن شهد له خزيمة فهو حسبه، فلا يضره هرير الناصبية.
والحاسد القمر النوار في تعب.
وكل ذلك لما هم عليه من الشقاوة ببغض السلالة النبوية؛ ولكونهم شاهدوا في النهج ما يهدم بنيانهم، ويزلزل أركانهم، وقد فضحهم اللَّه تعالى بكلامهم في هذا الكتاب الشريف، كما فضحهم في غيره من التآليف، وتبين لأهل الاختبار أن ذهبيَّهم، وأضرابه من حفّاظهم، على زعمهم، يهذون بغير علم، بما يمقتهم اللَّه تعالى عليه، والصالحون من عباده، وإن موهوا على الأغمار؛ فإن خُطَب هذا الكتاب /449(1/449)

91 / 135
ع
En
A+
A-