رَبِّهِمْ }[الحج:19].
إلى قوله: ثم خصه الله ـ عز وجل ـ يوم أحد فبذل نفسه، ووقى رسول الله ظبا السيوف وأطراف الرماح بنحره، وأمره رسول الله بالمبارزة لبني عبد الدار، وهم أصحاب الرايات، فتولى قتلهم، كلما قصد منهم قاصد لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، رمى عليه بنفسه، فأيده الله بنصره، حتى قتل كل من أراد رسول الله بمكروه، حتى قال جبريل: إن هذه لهي المواساة؛ ثم نادى: لاسيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لجبريل: ((إنه مني، وأنا منه))، فقال جبريل: وأنا منكما.
ثم حشد الأحزاب لرسول الله، فخصه الله بالكرامة، والرفعة في الجهاد، فقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق، وهزم الله المشركين، وأعزّ بقتله الإسلام إلى أن تقوم الساعة، وأذلّ الله الشرك، وبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ برايته مع رجلين من المهاجرين، فرجعا منهزمين يجبنهما أصحابهما، ويجبنان أصحابهما، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار ليس بفرار))، فدعا علياً ـ وكان أرمد العين ـ فتفل في عينه ودعا الله أن يذهب عنه الحر والبرد، وأعطاه الراية؛ ففتح الله على يديه.
ثم ثبت معه يوم حنين في جماعة من أهل بيته، حين فرّ عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جماعة الناس، فقال الله ـ عز وجل ـ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة]، فخصه الله ومن كان معه بالسكينة.
ثم خرج رسول الله إلى تبوك، واستخلفه على المدينة، وقال: ((لا يصلح لخلافتي إلا أنت))، وفي حديث آخر: ((لايصلح المدينة إلا أنا أو أنت)) فتكلم أناس في ذلك. /440(1/440)
إلى قوله: فلحقه بعد أن سار.
إلى قوله: فقال: ((يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؟)) فقال: بلى، رضيتُ يارسول الله.
وقد بين الله سبحانه منزلة هارون من موسى فقال: {هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}[طه]، الآية؛ وقال موسى لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }[الأعراف:142]، فلعلي الأخوة، والوزارة، والشركة في الأمر، والخلافة في قومه، فلم يستثن ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، غير النبوة، ولو كان مع النبوة غيرها مما لايحل له لاستثناه، كما استثنى النبوة؛ فقد بين الله لنا في كتابه، وبين لنا رسول الله في سنته، أن علي بن أبي طالب خليفته من بعده.
ثم بعث رسول الله أبا بكر بعشر آيات من أول براءة إلى أهل مكة، فنزل عليه جبريل فقال: إنه لايصلح أن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، فرد أبا بكر، ومضى علي ببراءة، عن أمر الله.
إلى قوله: كل ذلك يبين منزلته، واستحقاقه لمقامه.
إلى قوله: وعلمنا أنه ليس في صفة الحكيم، أن يخلق خلقاً ليس من طبعهم الاتفاق في الرأي والهوى؛ ثم يندبهم إلى خلاف صفتهم، بلا مقوم يقيمهم على ما أمر به من الاتفاق.
إلى قوله: فعلمنا أن الأمر ليس بمفوض إلى رأيهم.
إلى قوله: وقد أدى ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقام لهم من يقوم مقامه، ويحكم فيهم بأحكامه، ويمضي فيهم أمره، وينهاهم عن نهيه، أذناً واعية، وقلباً هادياً، ولساناً ناطقاً بالحق، يحفظ مانسوا، ويعلمهم ماجهلوا، وهو علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ؛ وقد ندبهم الله تعالى إلى ذلك، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59].
ثم ساق (ع) في الاحتجاج بكتاب اللَّه تعالى إلى قوله: وقال تعالى:/441(1/441)
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل].
إلى قوله (ع): فأخبر أن للمؤمنين ولياً، هو أولى من اتبعه به، فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
إلى قوله (ع): وقد أجمع نقلة العلم بالخبر المشهور، عن غير تواطؤ، أن علي بن أبي طالب هو الذي آتى الزكاة وهو راكع.
إلى قوله: ثم قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله (ع): ثم شرح رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ هذه الفريضة التي افترضها الله لمن يستحق مقامه، بالسنة، في ولي الأمر، فأخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيده، يوم غدير خم، فقال: ((ياأيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يقول ذلك ثلاثاً؛ ليَفْهَمَه من عَمِيَ عن فَهْمِه، ويبلّغَه الشاهدُ الغائبَ.
قالوا: بلى.
قال: ((فمن كنت مولاه، فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
إلى أن قال: فما أسوأ حال من تقدم أمام مولاه في دينه.
ثم لم يزل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدل على علي، منذ بعثه الله تعالى، إلى أن قبضه الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ويستخلفه ولا يستخلف عليه، ويوليه ولا يولي عليه..إلخ كلامه (ع).
وقال فيه: قال الحسن ـ أي ابن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ: أجمع علماء آل رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أن علي بن أبي طالب كان أفضل الناس بعد رسول الله، وأعلمهم، وأولاهم بمقامه؛ ثم من بعد أمير المؤمنين الحسن والحسين، أولى الناس بمقام أمير المؤمنين؛ ثم من بعد ذلك علماء آل رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، /442(1/442)
وأتقياؤهم، وأبرارهم أئمة المسلمين.
إلى قوله (ع): وقد دلّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، على إمامة علي والحسن والحسين بأعيانهم، وأسمائهم، فقال في علي ـ صلى الله عليه ـ، ماتقدم ذكره في باب إمامته، وقال في الحسن والحسين ـ صلى الله عليهما ـ: ((هما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، فجعلهما سيدين، وبيّن فضلهما، ودلّ على إمامتهما.
إلى قوله (ع): ودلّ على أنه لايحل لأحد أن يتقدم من جعله رسول الله سيداً، وشهد له بالجنة، فقال: ((اللهم أحب من أحبهما، وأبغض من أبغضهما))؛ وقال: ((تعلموا منهما، ولاتعلموهما، فهما أعلم منكم))، وقال لأبيهما ولهما: ((أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم))؛ وقال: ((إن استنصروكم فانصروهم، وإن لبدوا فألبدوا))؛ وقال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي))، وخصهما اللَّه تعالى بأبوة نبيه، وسماهما ابنيه في كتابه، فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا }[آل عمران:61]..الآية.
إلى قوله (ع): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب]، فلما نزلت هذه الآية، جعل رسول الله الكساء عليه، وعلى علي وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم قال: ((هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
وفرض مودتهما على كل مسلم، ومودة علي، وذريتهما، وجعل لهما الخمس، فريضة في كتاب الله، فلهما آية الصفوة.
إلى قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }[فاطر:32]، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الخمس، وآية الفيء، وآية المودة.
إلى قوله (ع): فدلّ عليهما بأعيانهما، وأسمائهما، وأنسابهما، وأفعالهما؛ فإمامتهما واحدة، وحقهما واحد، وهما إمامان.
إلى قوله: إن قاما، وإن قعدا.
[من الجامع في القائمين من أئمة العترة]
إلى قوله: ثم أخبرنا /443(1/443)
النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف الإمامة بعد هؤلاء المسمين بأعيانهم ـ يعني بعد علي والحسن والحسين ـ فقال: ((إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله: ولن يخلو أهل بيت رسول الله في كل عصر وزمان، أن يكون فيهم مأمون على كتاب الله، وسنة نبيه، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه من جَهِلَه.
إلى قوله (ع): فهذا إجماع من مضى من آل رسول الله الأتقياء الأبرار، الذين بهم يُقتدى.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى (ع): سألت عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسائرها في النار))، وما مذهب هذه الفرقة الناجية؟.
فإن الفرقة الناجية هي الفرقة التي تبعت كتاب ربها، وتمسكت بعلي بن أبي طالب، وبأهل بيت نبيها.
إلى أن قال: قال محمد: بلغنا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)).
إلى قوله: وقد سُئل علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ عن الفرقة الناجية، فقال: أنا، ومن تبعني؛ وسائر الناس منها برءاء.
إلى قوله (ع): إن الله فرض على العباد طاعته، وطاعة رسوله، وأمر باتباع سنة رسوله.
إلى قوله: وعلّم رسوله الفرائض، وأكمل له الدين.
إلى قوله: ولم يطلق لأهل الإسلام أن يستخرجوا دين الله من تلقاء أنفسهم، فقال لنبيه (ع): {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب:36]، وقال:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص:68].
ثم ساق الحجج على هذا من كتاب الله، وسنة نبيه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم. /444(1/444)