{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: عن ولاية علي صلى الله عليه.
وفيه، نقلاً عن الإمام أحمد بن عيسى (ع)، قال: أوصى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أولى الناس به، وأفضلهم عند الله وعنده، وأعلم الناس من بعده، علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
وقال الحسن بن يحيى: أوصى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - إلى علي - صلى الله عليه ـ، أول ذلك الخبر المشهور، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن الله سبحانه لما أمر نبيه أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً، وإن منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق، فأمر علياً (ع)، فعمل لهم طعاماً من فخذ شاة، وصاعاً من طعام، ثم جمعهم، فمسح بيده على الثريد، وسمى الله، ثم قال لهم: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وما أثّروا في ذلك الطعام إلا يسيراً؛ ثم قال لهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يابني عبد المطلب، كونوا في الإسلام رؤوساً، ولاتكونوا أذناباً، أدعوكم إلى الإسلام؛ إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، أيكم يجيبني إلى الإسلام، على أن يكون أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي في أهلي وقومي، يقضي ديني، وينجز موعدي؟))
فقام إليه علي، وهو يومئذ أصغرهم سناً، فأجابه إلى ما دعاه إليه؛ فتفل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في فيه، ومسح بيده على وجهه، ودعا له، وضمّه إليه، فقال أبو لهب: لبئس ماحبوت به ابن عمك، أن أجابك إلى ما دعوته إليه من بينهم، أن ملأت فمه بصاقاً؛ فقال النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((بل ملأته فَهماً وحُكماً وعِلماً)).
فهذا أول ولاية علي ـ صلى الله عليه ـ.
إلى أن قال:
ولما حضر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الوفاة، دعا بسيفه ورمحه وسلاحه، وبغلته وناقته، وكلما كان له، حتى عصابة كان يعتصب بها في الحرب على الدرع، فدفع إليه جميع ماكان يملك، ثم دفع إليه خاتمه، وبنو /435(1/435)


عبد المطلب، والمهاجرون، والأنصار، حضور.
ومن وصايا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخاصة لعلي، دون الناس، أنه علّمه ألف باب، كل باب منها يفتح ألف باب، ودعا الله له أن يجعل أذنه الواعية، ودعا له حيث وجهه إلى اليمن أن يهدي قلبه، ويثبت لسانه.
إلى أن قال: وأعلمه بما هو كائن إلى يوم القيامة.
والدليل على ذلك قول علي ـ صلى الله عليه ـ: لاتسألوني عن فئة، تضل مائة، أو تهدي مائة، فيما بينكم وبين الساعة، إلا أخبرتكم بناعقها، وقائدها وسائقها،.. إلخ كلامه (ع).
[شيء من الجامع في علي وفي ولديه]
وفيه، قال أحمد بن عيسى: نتولى أمير المؤمنين في ظاهر الأمر وباطنه، ونوجب له العصمة.
إلى أن قال: أمر الله بولايته، وقد أخبرنا بعصمته، وتطهيره على لسان نبيه (ع).
قال محمد: وسمعتُ أحمد بن عيسى يقول ـ وذكر علياً، وحسناً، وحسيناً ـ فقال: لايجوز عليهم حكم.
قلت: مثل أي شيء؟.
قال: لاتقبل عليهم دعوى.
إلى أن قال: وإلا فَسِّرْ لي قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيهم ـ يعني قوله: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) ـ.
وفيه: قال محمد: سمعت إسماعيل بن إسحاق، قال: سمعت ابن عيسى، وسُئل، هل يثبت لك عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن علياً معصوم لايضل أبداً؟)) قال: نعم، فقيل له: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك في غيره؟
قال: نعم في الحسن، والحسين.
إلى أن قال: قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربتما، وسلم لمن سالمتما)).
قيل له: أقال ذلك لأحد غيرهما؟.
قال: لا إلا المنتظر المهدي.
وفيه، بإسناده عن محمد قال: ذكرت لأبي عبدالله ـ
قلت: يعني الإمام أحمد بن عيسى.
أَمْرَ علي ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ تقدمه، فذكر منزلة علي (ع)، وما كان من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من القول فيه، وتقدمته إياه ((ومن كنت مولاه فعلي مولاه))، وقوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وغير ذلك.
إلى أن قال: وليس للأمة أن يؤثروا رجلاً /436(1/436)


فيولوه ويجعلوه إماماً، قبل أن ينظروا في الكتاب، والسنة.
إلى أن قال: وكان خير هذه الأمة وأتقاها، وأخشاها، وأعلمها بالسنة، وأدّاها على العدل، وأهداها إلى الحق، وأقدمها هجرة، وأكثرها عملاً في الجهاد، وأحق الأمة بالإمامة، وأن يكون متبوعاً ولايكون تابعاً محكوماً عليه؛ بفضله في كتاب الله.
أجمع على ذلك علماء الأمة، إلا من دفع ذلك بعد بيان ومعرفة.
قال محمد: وسئل أحمد بن عيسى عن أمر عثمان، فقال: مافي أمره شبهة على ذي عقل، وعلم، والدليل أن أمير المؤمنين لم يَقُدْ مِنْهُ، ولم يَدِهِ من بيت المال، ولو لزمه ذلك ماتركه لشيء.
إلى أن قال: قال الحسن بن يحيى: الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ لم يعتقد بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامة علي صلى الله عليه، لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة، ولاحجاً ولا صوماً، ولاشيئاً من أعمال البر.
وبعده الحسن، والحسين.
وقال الحسن: إن الله سبحانه أكمل لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الدين الذي افترضه على عباده.
إلى قوله (ع): وليس في الفرائض فريضة أكبر قدراً، ولا أعظم خطراً، من الإمام الذي يقوم مقام نبيه، وقد بين ذلك في محكم كتابه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فجعل اللَّه تعالى الإمامة، في أهل بيت الصفوة والطهارة، والهدى والتقوى، من ذرية إبراهيم، وذرية محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولا تصلح في غيرهم.
ثم ساق الحجج من الكتاب والسنة، حتى قال: ورسول الله قد قدم من قدم الله، فمن قدم من أخر الله ورسوله، وأخر من قدم الله ورسوله، فقد خالف سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وقد روي عن علي ـ صلى الله عليه ـ أنه قال على المنبر: والله، لقد قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنا أولى الناس بالناس، مِنّي بقميصي هذا.
وروي في الخبر المشهور أن بريدة وقع في علي عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فتغير لون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله /437(1/437)


وسلم ـ، وأظهر الغضب، وقال: ((يابريدة، أكفرت بعدي؟))، فقال: أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسول الله.
قال: ((فإن علياً مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي)).
وقال علي أيضاً وهو على المنبر: عهد إليَّ النبي الأمي أن الأمة ستغدر بي بعده.
وقد سمى الله علياً من نفس رسوله فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61)} [آل عمران].
وذلك حين باهل النصارى، فأحضر علياً، وزوجته، وابنيه، فأخبر الله في كتابه أنه نفس رسول الله، وأن ابنيه أبناء رسول الله؛ وأن زوجته ابنة رسول الله نساؤه، فضلها على نساء العالمين.
إلى قوله: ثم استخلفه بمكة، حين عزمت قريش على أن يثبتوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فخلفه واضطجع على فراشه، ووقاه بادرة الحتوف بنفسه، وكان يأتيه بالطعام ليلاً، وأمره أن يؤدي عنه الأمانات.
إلى قوله: ثم قدم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المدينة، فبنى المسجد وبنى فيه بيتاً لنفسه، وبنى لعلي بيتاً إلى جانب بيته، وأذن له في سكناه، وحرّم على جميع العمومة والأقربين، والمهاجرين، والأنصار، أن يبيتوا في مسجده، رفعة منه له، وإبانة لفضله، ورفعاً لقدره.
إلى قوله: أُتي النبي بطائر، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك، يأكل معي من هذا الطائر)) فخص الله علياً، وأكرمه بتلك الدعوة.
إلى قوله: ولما بعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً إلى اليمن، فقال: يارسول الله، إني حدث السن، ولا أعلم القضاء.
فقال: ((إن الله هاد قلبك، ومثبت لسانك)).
ثم مسح بيده على صدره، ثم قال: ((اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه)).
إلى قوله: وقال: ((يا علي إني قد دعوت الله أن يجعل أذنك الأذن الواعية)).
وقال الله ـ عز /438(1/438)


وجل ـ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)} [الحاقة]، وعلّمه ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.
وقال لفاطمة حين قالت له: زوجتني علياً عديم قريش: ((ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)).
إلى قوله: وجعله أفقه أصحاب رسول الله في دين الله، وأقضاهم بمحكم كتاب الله، وسنة نبيه (ع).
ثم قال لأصحابه: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله)).
فقال أبو بكر: أنا هو يارسول الله؟.
فقال: ((لا)).
فقال عمر: أنا هو يارسول الله؟.
قال: ((لا، ولكنه خاصف النعل)).
إلى أن قال:كل ذلك يدل على أنه مستحق مقامه، وأنهما لايستحقان مقامه، وليس لهما أن يقاتلا على تأويل القرآن؛ ثم أمره بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
فقال علي: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وروي عن ابن مسعود قال: أُمر علي بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي أيوب قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((تقاتلون الناكثين، والقاسطين، والمارقين)).
قلنا: مع من يارسول الله؟.
قال: ((مع علي)).
وروي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخبر المشهور، أنه قال: ((يأتي قوم من بعدي، يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية))، فإنما مرقوا على علي ـ صلى الله عليه ـ فالإسلام علي، ومن كان مع علي.
إلى قوله: فخص الله علياً ـ صلى الله عليه ـ بفضل الجهاد، والاحتواء على درجته، التي هي أرفع الدرجات عند الله؛ فكان له يوم بدر، الذي خصه الله به، من قتل المشركين، والنكاية فيهم، مالم يكن لأحد مثله.
إلى قوله: فأيده الله بالنصر، ونزل القرآن بفضله، والشهادة له بالجنة، بما من الله عليه من حسن الفعال وطاعة ربه {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي /439(1/439)

89 / 135
ع
En
A+
A-