ونتوقف عند مايلزم الوقوف عنده.
وليكن على ذُكر منك، وفقنا اللَّه تعالى وإياك للصواب، وجنبنا سلوك الغي والارتياب، أن المفسدين في الدين لم يسلكوا طريقة أقرب إلى التلبيس والإضلال، من التحريف وخلط الحق بالباطل من الأقوال، وقد أنبأك اللَّه تعالى في كتابه، عن المحرفين لآياته، والمبدلين لكلماته؛ فلولا أن في هذا الكتاب، وماشاكله من أقوال آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ومذاهبهم، الحقَّ، الذي لاريب فيه، لما تمكنوا من شيء من ذلك، ولا سلكوا في شأنه تلك المسالك.
هذا، وقد طال الكلام، في هذا المقام، ولعله لايخلو ـ إن شاء الله تعالى ـ من الإفادة، والغرض ـ بحمد الله ـ صالح بما تحصل من المقصود والزيادة، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[سند الجامع الكافي]
نعم، أروي كتاب الجامع الكافي، بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، وهو يرويه بطرق:
الأولى: عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي، محمد بن المطهر (ع).
(ح)، الثانية: عن أبيه السيد الإمام، محمد بن عبدالله الوزير، عن عمه السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، عن شيخه السيد الإمام الحافظ، عالم آل محمد الكرام، علي بن محمد بن أبي القاسم، عن الشيخ العلامة، إمام المحققين، إسماعيل ـ المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة، عن نيف وسبعين ـ ابن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الشيخ العلامة الأوحد، المطهر ـ المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ـ ابن محمد بن حسين، المعروف بابن تريك (بضم المثناة /430(1/430)


الفوقانية، وفتح الراء، وسكون المثناة التحتية، وكاف) التميمي الصعدي ـ رضي الله عنه ـ، أحد أعلام الزيدية، ومن مشائخه الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع).
الثالثة: عن السيد الإمام أبي العطايا، عن أبيه، عن القاضي العلامة، عابد اليمن، ولي آل النبي المؤتمن، إبراهيم بن أحمد الكينعي؛ عن القاضي العلامة، العابد الزاهد، حاتم بن منصور الحملاني، رفيق الإمام يحيى بن حمزة في القراءة، وشيخ عابد اليمن إبراهيم بن أحمد، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد بسط السيد الإمام ترجمته، قُبض وهو يصلي صلاة التسبيح، سنة خمس وستين وسبعمائة، وقبره بصنعاء مزورـ رضوان الله عليه ـ.
عن القاضي العلامة الولي، محمد بن خليفة، عن السيد الإمام محمد بن إدريس الحمزي ابن علي بن عبدالله بن الحسن، أخي الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، من أعلام العترة الأطهار، وأعيان الأسرة الأبرار، لهمؤلفات كثيرة، منها: التيسير، والإكسير، والتحرير، والدراري المضيئة، في الآيات المنسوخة؛ وشفاء غلة الصادي، في فقه الهادي؛ والنور الممطور، في فقه المنصور؛ والذخيرة الفاخرة، في مناقب العترة الطاهرة؛ والنهج القويم، في تفسير القرآن العظيم؛ الثلاثة الأولوهذا الرابع في التفسير؛ وشرح على اللمع.
وقد استوفى ترجمته السيد الإمام (ع)، وأفاد أن وفاته في عشر الأربعين وسبعمائة، فأروي بهذه الطريق إليه جميع مؤلفاته.
الرابعة: عن الفقيه العلامة أحد أعيان شيعة الإمام، علي بن محمد العفيف ابن حسن المدحجي الصراري، عن القاضي العلامة، ولي آل محمد (ع)، صاحب رباطالزيدية بمكة المشرفة،المعلن بذكر أهل البيت في الحرم الشريف، صاحب مؤازرة الإخوان، شرف الدين، أبي القاسم بن محمد بن حسين الشقيف (بشين معجمة، فقاف، ففاء بينهما مثناة تحتية)، هذا هو الصحيح؛ ومافي إجازة الشوكاني من كونه النصيف، فغلط محض، لايلتفت إليه من /431(1/431)


له أدنى إلمام، وهو كما ذكرت في جميع المؤلفات الصحيحة، وماذلك إلا تصحيف قطعاً.
قال السيد الإمام: وكان إمام الزيدية بالحرم الشريف، وكان يدعو للإمام المهدي محمد بن المطهر، وكان فقيهاً عالماً مجتهداً، عمدة للمسترشدين. انتهى.
وكان سماعُ العفيف على أبي القاسم، بالحرم المكي، عام أربعة وخمسين وسبعمائة، وأجازه له.
نعم، وأربعتهميروونه عن القاضي، العلامة الفاضل الزاهد، محمد بن عبدالله الغزال، المضري (بالضاد المعجمة)، عن الشيخ العلامة محيي الدين، صالح بن منصور الخطيب، الكوفي الزيدي، عن الشيخ العلامة، أحمد بن أبي الفضل، عن السيد العلامة، تقي الدين أبي الغنائم، أحمد بن أبي الفتوح الحسيني، عن الشيخ العلامة سديد الدين، علي بن بدر الهمداني، عن الشيخ العلامة الملقب نصر الله، منصور بن محمد المدلل، عن الشيخ العلامة، أحد مشائخ الزيدية الأخيار بالكوفة، أبي علي، الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي، عن الشيخ العلامة العدل أبي منصور، يحيى بن محمد الثقفي ـ ترجم لهم السيد الإمام في رجال الزيدية، وأفاد مِن وصفهم ما في السند، ولم يذكر لصالح فمن بعده إلى المؤلف وفاة ـ عن المؤلف السيد الإمام، عالم العترة الأعلام، أبي عبدالله، محمد بن علي الحسني (ع).
[شيء من الجامع الكافي]
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ـ إلخ سورة الفاتحة ـ وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين.
أما بعد، فإنك ذكرتَ لي أنك رأيتَ الزيدية قِبَلنا بالكوفة، يعوّلون في مسائل الخلاف على مذهب أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي /432(1/432)


بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)..إلخ.
وقال فيه: (القول في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه) سُئل أحمد بن عيسى عن الولاية، أفرض هي كسائر الفرائض؟.
قال: نعم؛ لنداء النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بها.
وسُئل عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعلي صلوات الله عليه يوم غدير خم: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال: يقول: هو في كل حالاته لكم ولي.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى: الإسلام شهادة أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وولاية علي بن أبي طالب، والبراءة من عدوّه، والإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
قال الحسن: كان علي فريضة من فرائض الله، وعلماً نصبه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59]، وافترض الله في الكتاب طاعته وطاعة رسوله، وطاعة أولي الأمر، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء:83]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90].
إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ: ثم دلّ على أن إمام المؤمنين، وسيدهم علي بن أبي طالب، فقال لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67].
فلما نزل جبريل بهذه /433(1/433)


الآية، وأمر أن يبلغ ماأنزل إليه من ربه، أخذ بيد علي ـ صلى الله عليه ـ فأقامه، وأبان ولايته على كل مسلم، فرفع يده حتى رؤي بياض إبطيهما، وذلك في آخر عمره، حين رجع من حجة الوداع متوجهاً إلى المدينة، ونادى الصلاة جامعة، ولم يقل ((الصلاة جامعة)) في شيء من الفرائض، إلا يوم غدير خم؛ ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يعيد ذلك ثلاثاً، يؤكد عليهم الطاعة، ويزيدهم في شرح البيان.
قالوا: بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فأوجب له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الطاعة، ماأوجب لنفسه، وجعل عدوّه عدوّه، ووليه وليه، وجعله علماً لولاية الله، يعرف به أولياء الله من أعداء الله؛ فوجب لعلي على الناس ماوجب لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الولاية والنصر، فمن تولاه وأطاعه، فهو ولي الله، ومن عاداه فهو عدوّ الله، ومن عصاه وخالفه ووضع من عظيم حقه مارفع الله، فقد عصى الله ورسوله.
ثم أنزل الله في علي (ع): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]، فدل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على علي بصفته؛ فوجب على أهل الإسلام معرفة علي، وولايته وطاعته بإمامته، وأن يكون متبوعاً غير تابع، بالأخبار المشهورة عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من غير تواطؤ.
وقال الحسن في قول الله سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، إلى ولاية علي، وأهل بيت النبي (ع).
وقال: /434(1/434)

88 / 135
ع
En
A+
A-