الله عنهم -، كالإمام المتوكل على الله ـ وقد سبق كلامه ـ والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والسيد الإمام إبراهيم بن القاسم، صاحب طبقات الزيدية؛ والقاضي العلامة الحواري، أحمد بن سعد الدين المسوري.
ولم يزل أئمتنا وأشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ يتلقونها، خلفاً عن سلف، ويتداولون أسانيدها العلية، ويسمونها بمسلسل مذهب العترة النبوية، وهذا واضح البيان لناظريه، لائح البرهان لمقتفيه، فأما العناد فلا حيلة فيه؛ والله الموفق للسداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، وبه الاستعانة في كل إصدار وإيراد.
قال (ع): قال أبو العباس ـ رحمه اللَّه تعالى ـ: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد.
وقال الناصر الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ: الأسانيد سلاح المؤمن، وكل حديث لاسند فيه فهو خلّ وبَقْل.
قال ـ قدس الله روحه ـ: من فقه الرجل، بصره بالأسانيد.
قال: قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن سوادة بن أبي الجعد، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه قال: من طلب العلم بلا إسناد، فهو كحاطب ليل.
وقال في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف:44]، هو: حدثني أبي عن أبيه عن جده.
قلت:عثمان تقدم هو وأخواه ابنا أبي شيبة، وعدادهم في ثقات الشيعة، وعثمان ممن أخذ عنهم السيد الإمام أبو العباس، ومحمد بن منصور، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه؛ خرج له أئمتنا الخمسة (ع).
وسوادة أهمله السيد الإمام، وصاحب الجداول، ولم أقف على ترجمة له /390(1/390)


في شيء من كتب علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ، وترجم له بعض العامة فقالوا: سوادة بن أبي الجعد الجعفي، عن أبي جعفر.
إلى قوله: وثقه ابن حبان. انتهى.
فاختصاصه بالرواية عن الباقر (ع)، ورواية الإمام المؤيد بالله (ع) عنه، وليس من رجال المخالفين، يرجح كونه موثوقاً به، والله ولي التوفيق.
[افتتاح شرح التجريد بعد تمام الخطبة]
قال (ع) بعد تمام المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، أولى من حُمد، وأحق من عُبد، الذي شرع لنا الإسلام، وبيّن الحلال والحرام، فأقام عليهما الأدلة والأعلام؛ حمداً يفضي بنا إلى رضاه، ويوفقنا لسبيل هداه؛ وصلى الله على نبيه، وأمينه على وحيه، محمد وآله أجمعين.
كنتُ وعدتك ـ حين سهّل الله الفراغ من كتابي، الموسوم بالتجريد، لفتاوي القاسم، ويحيى بن الحسين (ع) ـ أن أفرغ لشرح ما أودعته من المسائل، بما يحضر من الحجاج والدلائل، وهذا أوان الشروع فيه، والله الموفق لما أضمره وأنويه، وإياه ـ عز اسمه ـ أسأل، أن يعيننا على ما يقربنا منه ويزلفنا لديه، ويعصمنا فيما نكدح له، ونسعى فيه، من أن نقصد غير وجهه، إنه سميع مجيب.
«كتاب الطهارة»
باب القول في المياه.
ثم ساق الكتاب متناً وشرحاً، يأتي بالتجريد مصدراً بـ(قال)، وهو نوع من التجريد البديعي المعروف، ثم يبسط الشرح عليه من الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، بعد تقرير قول الإمامين القاسم والهادي إلى الحق (ع) /391(1/391)


، موضحاً للنصوص، مميزاً لها عن التخاريج، مبيناً للمآخذ كلها على الخصوص؛ وهكذا طريقة أخيه الإمام الناطق بالحق، والسيد الإمام أبي العباس (ع) ومن حذا حذوهم؛ لا كما فعله بعض المتأخرين، من خلط النصوص المعلومة، بالتخاريج المفهومة، وفيه من الخبط ما لايخفى على ذي بصيرة.
[ما قد يحصل من الاستبعاد في توجيه الرد والاستدلال في شرح التجريد]
هذا، وقد يحصل في بعض المقامات نوع استبعاد، في توجيه الرد والاستدلال، فيشكل ذلك على من لاتحقيق عنده للمقاصد، ولا نظر سديد في المصادر والموارد.
أوْرَدها سَعْد وسعد مشتمل .... ما هكذا تُورد يا سعد الإبل
ولو تدبر لعلم أولاً أن القول المستدل عليه قد قرره وفرغ من الاجتهاد فيه مثلاً، إمامُ الأئمة، وهادي هداة الأمة ـ رضوان الله عليهم ـ، الذي بشّر به جده سيد الأنام، ووقفت ركائب الأعلام، بباب الخدمة لما أوضحه من الأحكام، وهدى به الأنام، إلى سبل السلام؛ وليس مقصد الإمام المؤيد بالله ومن سلك مسلكه من الأئمة الكرام (ع)، إلا الاستدلال لذلك المقرر المفروغ منه، بما أمكن من الدلائل؛ لمعرفة الوجه للناظر في المسائل، وقد صحّت بأدلتها لإمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، العالم بمكنون الكتاب والسنن، المحيي لرسوم العلوم، المفجر لينبوع المنطوق والمفهوم، ـ رضوان الله عليه ـ؛ وما أحسن قول بعض العترة الكرام:
إذا كان فضل المرء للناس ظاهراً .... فليس بمحتاج إلى كثرة الوصفِ
ألم ترَ نور الشمس في الأفق بادياً .... غنياً عن الوصف المرصّع بالرصفِ
نعم، فتلك طريقة غير طريقة المستدل لقوله، والمقرر لاختيار نفسه؛ ولهم في الاجتهاد لأنفسهم مجال، غير ذلك المجال، ومقال سوى ذلك المقال /392(1/392)


؛ وكل مجتهد مكلف بما صح له، وقد يورد ذلك بعض المعاندين، ويقصد التشكيك على من يستهويه من المقلدين، فيبرز مثلاً في مقابلة قول إمام اليمن ـ رضوان الله عليه ـ خبراً، أو يروي أثراً، يروم بذلك تضعيف أقوال الهداة، من سفن النجاة؛ ولو وفق للحق لعلم أن ذلك لا يلزم، ولا يرد على من لم يصح عنده، فأما الاعتراض بهذا على أعلام الإسلام، ونجوم الأنام، فلا سبيل إليه عند كل ذي علم وإنصاف؛ وما أحق المقام بقوله:
أقول لمحرز لما التقينا .... تنكّب لا يقطرك الزحام
والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق.
وهذا إنما هو للرد على من يروم التضعيف والتزييف، وإلا فلا حرج على من صح له خلاف ما اختاره الإمام الهادي؛ فإن الواجب على كل ناظر العمل بما صح عنده؛ وليس مقصد الهادي إلى الحق ولاغيره من أئمة الهدى (ع)، أن يتابعهم أحد، ويترك ما ثبت له، وحاشاهم، فهم الدعاة إلى اتباع الكتاب والسنة، والجهاد والاجتهاد؛ وإنما يحدث التعصب والتحجر ممن لا بصيرة لهم، وضررهم أكثر من نفعهم، والحق لله تعالى، أن في بعض التأويلات والاستدلالات في شرح التجريد وغيره بعداً لايحتمل؛ ولكن العذر ما سبق أنه يريد الاستدلال لما اختاره الإمام كيف ما أمكن، وإن كان خلاف ما يقرره وما يختاره لنفسه في أكثر المسائل، فتدبر.
هذا، وحال شرح التجريد، وعظم محله، وجلالة موقعه، من بين معتمدات العترة، وذخائر الآل، يغني عن الكلام في وصفه، والتعرض لشرحه، وما هو عند ذوي الحل والعقد من أرباب الاجتهاد، وأصحاب الإصدار والإيراد، إلا بمنزلة الدراري والأقمار، والشموس المسفرة، من سائر الكواكب والأنوار؛ وإنها لتقصر كثير من الأفهام، عن إدراك ما فيه، فضلاً عن استخراج ما يداني معانيه، أو استنباط ما يقارب مبانيه، ولا غرو، فهي /393(1/393)


نتائج أفكار إمام النظار، من العترة الأطهار، وربك يخلق ما يشاء ويختار.
[السند إلى شرح التحرير للإمام أبي طالب]
شرح التحرير للإمام الأعظم، الناطق بالحق الأقوم، أبي طالب (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام (ع)، وأذكر هنا سنداً، فيه فوائد غير ما تقدم، وهو له ولشرح التجريد.
فأروي شرحي التجريد، والتحرير، بالطرق السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، وهو يروي ذلك، وغيره، عن الإمام محمد بن علي السراجي، والسيد الإمام إبراهيم بن محمد، صارم الدين الوزير، والفقيه العلامة علي بن أحمد الشظبي -رضي الله عنهم -.
فأما الإمام محمد بن علي، فعن الإمام عزالدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى، عن أخيه الهادي بن يحيى، عن القاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
وأما السيد صارم الدين، فله طريقان:
الأولى، عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام محمد بن المطهر، عن أبيه الإمام المطهر بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن أبي الرجال، عن الإمام الشهيد أحمد بن الحسين، عن الحافظ أحمد بن محمد شعلة، عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
والأخرى، للسيد صارم الدين، إبراهيم بن محمد بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن السيد صلاح بن الجلال، عن السيد الهادي بن يحيى، صاحب الياقوتة، عن الإمام علي بن محمد، عن الفقيه العلامة /394(1/394)

80 / 135
ع
En
A+
A-