يوسف القزويني، عن المؤيد بالله (ع).
قلت: ووقع البحث البليغ عن اسم القزويني هذا، وأحواله، فلم يتضح إلا ما قال السيد الإمام (ع) في الطبقات: حيث قال: والأظهر أنه القاضي يوسف بن الحسن.انتهى.
وهو الخطيب المتقدم في السند الجامع، فتكون هذه طريقاً أخرى إليه.
فأروي بهذا السند الصحيح، وبالأسانيد الصحيحة السابقة، جميع كتاب التجريد؛ والله ولي التوفيق والتسديد.
[جمل من خطبة شرح التجريد، وسبب نقل الإمام المؤيد بالله عن المخالفين]
قال الإمام الأواه، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، أبو الحسين، المؤيد بالله (ع) في خطبة شرح التجريد: سألني بعض من وجب علي حقه، عند فراغي من كتابي المسمى بالتجريد، أن أورد فيه من الأخبار الصحيح عندي سندها، بأسماء الرواة المجمع على عدالتهم، عند الفريقين، من أصحاب الحديث، وغيرهم.
قلت: المراد أن من يسند عنه من آل محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأوليائهم فهو عدلٌ عندهم، ومن يسند عنه من غيرهم فهو عدل عند فريقه؛ ليستقيم الاحتجاج على المخالفين بما يلتزمونه؛ وليس مراده أن كل من روى عنه فيه، فهو عدل عند الجميع، فذلك خلاف المعلوم، فلا يحمل عليه مع إمكان سواه؛ ومثل هذه العبارة من إرادة التفصيل قوله ـ عز وجل ـ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } [البقرة:135]، أي قالت اليهود: كونوا هوداً، وقالت النصارى: كونوا نصارى؛ والمعنى واضح لمن تدبر.
قال (ع): وأسماء الرواة الذين يروون عن أمير المؤمنين (ع)، وعن الأئمة من ولده، بما لاينكره الجميع، ملخصاً.
قلت: وهذا يدلك على المقصود بالأسانيد، التي أنهاها إلى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - فيما يأتي.
قال (ع): فأجبته إلى ذلك، مستعيناً بالله سبحانه، معتمداً عليه، لكيلا يقول من نظر في كتابنا هذا من مخالفينا: إن الخبر المروي عن رسول الله /380(1/380)


ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يصل إلينا إلا من جهة سلفنا (ع) من طريق واحدة.
قلت: وهذا تصريح بالعذر الموجب للرواية عن المخالفين، وقد صرح بالاعتذار بذلك، وأنه للاحتجاج على المخالفين، إمامُ الأئمة الهادي إلى الحق في الأوقات من المنتخب، والإمام الناصر للحق في البساط، والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك، وقد نقلتُ كلامه بلفظه، في التحف الفاطمية ؛ وهذا كلام المؤيد بالله (ع)؛ مع أن مذهبه في العدالة ألين من مذهب الأئمة المتقدمين (ع) فلا معنى لكلام بعض من لم يمارس علومهم، إلا مشارفةً: أن روايتهم عنهم لأجل القبول.
وقد غرّ بعضهم صنيع المتأخرين؛ فإنهم توسعوا في ذلك جداً، والمعتمد الدليل؛ والله الهادي إلى خير سبيل.
قال (ع): ولعل قائلاً من أصحابنا يقول: وما الغرض في نقل الأخبار عن المخالفين؟ ولو علم في ذلك ما علمناه، لسرّ في مجالس النظر بما حصلناه ونقلناه.
قلت: والذي يشير إليه (ع) هو ما سبق من قطع العذر على المخالف، حتى لا يبقى له مجال، إلى الجدال والإنكار؛ ولقد جهل كثير من الأتباع الفائدة في ذلك، فاستنكر الرواية عن المخالفين غاية الاستنكار.
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: المرء عدوّ ما جهله.
وما أحسن قوله:
أتاني أن سهلاً ذمّ جهلاً .... علوماً ليس يدريهنّ سهلُ
علوماً لو دراها ماقلاها .... ولكن الرضى بالجهل سهلُ
/381(1/381)


قال (ع): ولكنه رضي لنفسه بالجهل، فعدل عن سبيل أهل الفضل؛ فاقتصر على طرف من الفقه، أخذه عن مثله، وظن أنه على شيء من جهله، يخطّئ مخالفيه، ويصوّب موالفيه، ولايدري أخطاؤهم في أصل أو فرع؟ أو فيما يوجب التكفير، والقدح، والخروج عن الملة، والشذوذ عن الجملة؟.
قلت: وموضع التقريع منه (ع) لمن هو كذلك لخوضه فيما لايعلم، لا لأصل التخطئة والتصويب؛ ألا ترى كيف وصفه بكونه لا يعلم ما خطؤهم فيه، وما يوجب ذلك الخطأ؟ فهو محطّ التوبيخ؛ وهذا واضح لمن أبصر.
قال (ع): وسنفرد لها ـ يعني الأخبار التي من طرق آل محمد صلوات الله عليه وآله، دلّ عليه كلامه السابق ـ، كتاباً يرجع في معرفتها إليه، ويعتمد في صحتها عليه، ينتفع به الناظر، ويرتفع به بين الملأ المناظر.
قلت: وهذا مما يبين أنه قصد بما أورده من طرق المخالفين تأكيد الحجة عليهم لا التصحيح لها، والاعتماد عليها، وأن المراد بالإجماع على عدالة الرواة عند الفريقين على سبيل التوزيع، كل فريق عند فريقه، كما تقدم.
[شرط المؤيد بالله في الرواية]
قال (ع): وشرطنا فيه السماع، والعدالة.
قلت: وإلى هذا أشار الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع) بقوله: ولنا من طرق أهل الحديث، الأحاديث الصحاح في شرح التجريد للمؤيد بالله (ع) بالسند المتقدم إليه، شرط فيه (ع) أشد مما شرط البخاري، ومسلم، في ديباجة شرح التجريد المذكورة.. إلخ.
قلت: وكلامه (ع) مجاراة للخصوم بإظهار النصفة، وإرخاء العنان، وإلا فلم يوقف على شرط للبخاري ومسلم على التحقيق، وقد صرّح بعض حفاظهم أن ليس لهما شرط إلا كونه في كتابيهما كما لايخفى على ذوي الانتقاد، /382(1/382)


فأما أولوا التقليد والعناد، فهم متهالكون لايرعوون لحجة، ولايهتدون إلى محجّة.
ومن البلية عذل من لايرعوي .... عن غيّه وخطاب مَنْ لايفهم
نعم، وفي كلام الإمام المتوكل على الله هذا وكلام غيره من الأعلام ما يدفع التشكيك في صحة الخطبة الواقع من بعض المعرضين عن علوم آل محمد ـ صلوات الله عليه وآله ـ لما لم يتدبروا معنى بعض كلام الإمام (ع) فيها.
وكم من عائب قولاً صحيحاً .... وآفتُه من الفهمِ السقيمِ
وقد أشرت إلى بعض ذلك، ونتم الكلام بإعانة اللَّه تعالى.
قال (ع): وعندنا لايحل لأحد، أن يروي الحديث عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه؛ ثم يحدث به كما سمعه.
قلت: وليس معنى كلامه (ع) إلا ثبوته عن العدل بطريق الصحة، لاقصر الرواية على السماع، ولكن المراد طريق الصحة من السماع، أو ما شاركها في ذلك، لكنه اقتصر على ذكر أعلاها.
ألا ترى أنها تحل الرواية عند الإمام، وغيره قطعاً، للمتواتر، وإن لم يتحقق سماعه، من شخص معين، وهو يجب العدول عن الظاهر، إذا قام على خلافه الدليل المعلوم، ثم ليس فيه ما يوجب بطلان الخطبة الثابتة بطرق الصحة؛ غايته أن هذا مذهب الإمام(ع)، لكنه ليس بمراد، وإنما هو مبالغة في الاحتياط في الرواية عند ذوي العرفان بمخارج الكلام.
قال (ع): فإن كان إماماً تلقاه بالقبول،.
قلت: يعني (ع) أنه إن كان المسموع عنه إماماً تلقاه السامع بالقبول، من دون بحث، ولا مطالبة له بالسند؛ إذ العهدة عليه مع إرساله، وهو بالمحل الرفيع لإمامته من الانتقاد، والتحري.
وهذا يفيد أن الإمام (ع) يجيز قبول /383(1/383)


المراسيل، لكن من الأئمة الموثوق عليهم في التصحيح.
قال (ع): وإن كان غير إمام فكذلك.
قلت: (أي) سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه.
قال (ع): ثم رواه غير مرسل، فإن المراسيل عندنا، وعند عامة الفقهاء، لا تُقْبل.
قلت: أراد (ع) مراسيل غير الأئمة، بدليل ما تقدم له من التصريح، بقوله: تلقاه بالقبول، وبدليل أنه (ع) كثيراً ما يرسل في شرحه هذا، وأيضاً سيأتي التصريح له (ع) قريباً بقبول المراسيل، فوجه الجمع ماذكرناه، وهو واضح لا غبار عليه، لمن لم يعم التعصب قلبه.
قال (ع): والحجة على السماع قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } [التوبة:122].
[تراجم لأبي الحسين الأدَمِي، والعباس الدوري، وأبي ليلى، وولده، وحفيده، وثابت بن قيس بن شماس]
إلى قوله (ع): حدثنا أبو الحسين، أحمد بن عثمان الأَدَمِي ببغداد.
قلت: ترجم له في الطبقات، وساق خبر السماع هذا، وقال: أخرجه المؤيد بالله، وأخرجه الحاكم في أنواع العلوم، في النوع التاسع عشر في معرفة الصحيح والسقيم، واتفق عليه هو، والمؤيد بالله سنداً، ومتناً، وشيخاً، وهو أحمد بن عثمان الأدمي، ثم قال: قد وصف رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا الحديث أربع طبقات؛ إلى قوله: ولاشيء للأدمي في الستة، وذكره الحاكم أبو عبدالله، توفي سنة [349هـ] تسع وأربعين وثلاثمائة، وكذا في التذكرة، قال: عن أربع وتسعين سنة. انتهى.
قال الإمام (ع): قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري.
قلت: قال السيد الإمام: العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري، البغدادي الهاشمي، مولاهم، وعدد مشايخه، فذكر منهم /384(1/384)

78 / 135
ع
En
A+
A-