البيهقي عن الربيع بن سليمان أحد أصحاب الشافعي: أن ناساً لايصبرون على سماع منقبة، أو فضيلة لأهل البيت، فإذا رأوا أحداً منا يذكرها يقولون: هذا رافضي، ويأخذون في كلام آخر، فأنشأ الشافعي:
إذا في مجلس ذكروا علياً .... وسبطيه وفاطمة الزكيهْ
فأجرى بعضهم ذكرى سواهم .... فأَيْقِنْ أنه لِسَلقلقيهْ
إذا ذكروا علياً أو بنيه .... تشاغل بالروايات العليهْ
وقال تجاوزوا ياقوم هذا .... فهذا من حديث الرافضيهْ
برئت إلى المهيمن من أناس .... يرون الرفض حبّ الفاطميهْ
على آل الرسول صلاةُ ربي .... ولعنتُه لتلك الجاهليهْ
نقل هذا في جواهر العقدين بعد أن قال: ولم تزل جماعة من الأشقياء ينتقصون علياً ـ رضي الله عنه ـ، وأهل بيته، ويكرهون من يذكر فضائلهم، وينسبونه بمجرد ذلك إلى الرفض.
إلى قوله: وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عقيب حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)): قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مسؤولون عنها يوم القيامة، وروي في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات] أي: عن ولاية أهل البيت؛ لأن اللَّه أمر نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ألا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القربى.
إلى قوله: يشير إلى ماأخرجه الديلمي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً ((وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ)) /214(1/214)
ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: ((والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي؟)) وأخرج أبو الحسن المغازلي من طريق عبدالله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم، لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ))، وسيأتي في الذكر العاشر حديث: ((والذي نفسي بيده لاتزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل اللَّه الرجل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله مم اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)).
فقال له عمر: يانبي اللَّه، وماآية حبكم؟
فوضع يده على رأس علي وهو جالس إلى جنبه، فقال: ((آية حبي، حب هذا من بعدي)).
فكيف يبغض مع هذا من يذكر فضل أهل البيت، وينسب بمجرد ذلك إلى الرفض؟ انتهى المراد من كلامه.
قلت: بل مع مالا يحصى، ولايستقصى، من كتاب اللَّه، وسنة رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما علم، ووضحت حجته على الخلق أجمعين.
وقد سبق مصطلحهم في الرفض، الذي رتبوا عليه معظم الجرح والغض، وأنهم حرّفوه عن موضوعه، ونقلوه عن معناه، ورموا به نجوم أهل الأرض، الحافظين للسنة والفرض، الحامين لدين اللَّه في ذات الطول والعرض، إلى يوم العرض، والحق أنه مع النصب داؤهم كما قيل في المثل: (رمتني بدائها وانسلت) فكيف يرجى علاجهم، ودواؤهم؟ ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً؛ وكيف نقلوه إلى من يقول /215(1/215)
بتقديم أخي سيد المرسلين، وإمام المتقين؟ مع أن روايتهم التي رووها من وقوع سبب الرفض إنما هي: الاختلاف بينهم وبين الإمام الأعظم، لما طالبوه في البراءة لاالتقديم.
ولم يجر بينهم، وبين الإمام (ع) كلام في التفضيل، ولا حرف واحد من ذلك القبيل.
وبهذا تعلم أن ليس لهم في ذلك مستند، ولاشبهة دليل لابالتحقيق، ولا بالادعاء، وإنما هي مجرد افتراء؛ فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
قال ابن حجر كما سبق في مقدمة الفتح: والتشيع محبة علي، وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي. انتهى المراد.
[تراجم بعض عظماء الصحابة الذين لم يزالوا مع أمير المؤمنين]
فعلى مقتضى كلامهم أن جماعة آل محمد - صلوات الله عليهم - أولهم وآخرهم، وجميع بني هاشم روافض.
منهم: أبو الفضل العباس بن عبد المطلب، عمّ رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ساقي الحجيج، المستنزل به الغيث، المستجاب الدعوة، المتوفى بالمدينة عام [34هـ] أربعة وثلاثين من الهجرة سلام اللَّه عليه ورضوانه.
وولده: أبو العباس عبدالله بن العباس، بحر العلم، وحَبْر الأمة، وترجمان القرآن، المناصر لابن عمه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ المهتدي بهديه، المستمد من علمه، والمجاهد معه في جميع مشاهده، والمتولي /216(1/216)
لأعماله، والمبلغ لفضائله، الذي ذهب بصره لبكائه عليه بعد فراقه، المتوفى بالطائف عام [68هـ] ثمانية وستين، سلام اللَّه عليه ورضوانه.
وسائر بني هاشم وبني المطلب، وأعيان صحابة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من المهاجرين، والأنصار.
منهم: أبو اليقظان عمار بن ياسر، الطيب المطيب، الموعود هو وأهل بيته بالجنة، المملوء إيماناً، الدائر مع الحق أينما دار، علم سادات السابقين، المعذبين في اللَّه، الشاهد جميع مشاهد رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي صار استشهاده مع سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، من أعلام نبوة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ وإخباره عن الغيب بوحي رب العالمين ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو ذر: جندب بن جنادة الغفاري، السابق الصادق، بشهادة سيد الخلائق، الصادع بالحق، الذي لاتأخذه في اللَّه لومة لائم، المتوفى بالربذة عام [32] اثنين وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عبدالله سلمان أهل البيت (ع) سلمان الخير، مولى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أحد المخصوصين بالبِشارات من اللَّه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المدرك للعلم الأول والآخر، البحر الذي لا يُنزح بشهادة سيد الوصيين، المترقب لبعثة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ المستدل عليه بالعلامات الموصوفة، في الكتب المنزلة، كخاتم النبوة، المتوفى بالمدائن عام [35] خمسة وثلاثين، بعد أن عُمّرَ على ماقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة رضوان الله عليه.
وأبو الأسود المقداد بن عمرو الكندي، أحد الرفقاء والنجباء، والسابقين الأولين المبشرين، المهاجرين الهجرتين، الشاهد بدراً وما بعدها، وهو فارس رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، المتوفى بالمدينة عام [33] ثلاثة وثلاثين - رضوان الله عليه - /217(1/217)
وأبو عبد الرحمن عبدالله بن مسعود الهذلي، أحد العلماء السابقين، الشاهد جميع مشاهد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المتوفى سنة اثنتين ـ أو ثلاث ـ وثلاثين، كان من الجبال في العلم، وعلى قامة القاعد في الجسم، وهو القائل: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب؛ قال في فتح الباري شرح البخاري: رواه البزار، رجاله موثوقون، انتهى من الجزء السابع صفحة 58 - وهو القائل: قرأت القرآن على رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأتممته على خير الناس بعده علي بن أبي طالب ـ رواه الإمام الحجة (ع) في الشافي.
قال الإمام أبو طالب (ع) بعد أن روى عنه أنه قال: أُمِرَ علي بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين: هذا حديث مستحسن؛ لأن عبدالله بن مسعود توفي وقد حدث بأمر هؤلاء القوم قبل وقوعه بمدة إلخ ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عمارة خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي، الذي أقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شهادته مقام شاهدين، الشاهد بدراً وما بعدها، ومع أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قتال الناكثين يوم الجمل، واستشهد بين يديه بصفين، بعد أن وقف لينظر معجزة الرسول الأمين - صلوات الله عليه وآله - في الإخبار بقتل عمار، وقال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((تقتل عماراً الفئة الباغية))؛ ثم سلّ سيفه فقاتل حتى قُتل.
ومثل هذه الآية العظمى التي يزداد المؤمنون بها إيماناً، والموقنون إيقاناً، وتطمئن إليها القلوب عرفاناً، قد تَطَلّبَها إبراهيم الخليل (ص) ولم يُعِب عليه في ذلك الملك الجليل ـ سبحانه وتعالى ـ مع أنه لم يتضيق عليه الإقدام، وهو قائم في صف الإمام؛ فأي حرج في الانتظار، بين يدي إمام الأبرار ـ صلوات الله عليه؟ وقد جاهد الناكثين معه يوم الجمل، وهو القائل عند المنبر، لما بويع الوصي ـ صلوات الله عليه ـ:
/218(1/218)