نعم، وأما الرفض فقد أجمع الجميع على أنه اسم للفئة الرافضة للإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين ـ صلوات الله عليهم ـ كما صرح به النووي في شرح مسلم، وصاحب القاموس، وغيرهما من علمائهم.
قال ابن تيمية في الجزء الأول من المنهاج (ص 21): لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين.
إلى قوله: فقال: (رفضتموني) فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدياً؛ لانتسابهم إليه.
وقال في (ص 67): ومن حينئذ انقسمت الشيعة.
ثم قال: فالزيدية خير من الرافضة، أعلم، وأصدق، وأشجع. انتهى.
وهو معلوم لانزاع فيه بين الأمة، وإنما النزاع في السبب، وآل محمد (ع) أعلم بذلك، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه؛ مع أنه لو فرض صحة ماروته العامة أنهم رفضوه لعدم تصريحه بالبراءة من الشيخين، فلا مستروح لهم في ذلك.
أما أولاً، فلا يلزم إظهار البراءة ولو كانت عنده جائزة، لخشية افتراق الجمع، وانشقاق العصا، وإثارة الفتنة، ولو لم يدل على ذلك إلا قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108]؛ وله بأبيه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ أعظم أسوة، فقد كان يسكت على أشياء كثيرة هي عنده منكرة، كما عُلم ذلك من صرائح كلماته المنقولة بالتواتر، لمن اطلع على سيرته ـ صلوات الله عليه ـ.
وأما ثانياً، فليس ذلك إلا سبب الرفض للإمام ولآل محمد (ع) بالاتفاق، والذم والوعيد واردان على الرفض، لاعلى الباعث عليه ولا على علامته.
ألا ترى أن من ترك الصلاة مثلاً لأجل محبة الراحة، أو نحو ذلك من الدواعي المباحة، وعلامته أنه مثلاً يلبس الثياب السود، يكون مذموماً ومعاقباً /209(1/209)


على ترك الصلاة قطعاً لاعلى السبب والعلامة؟.
وأما السبب ونحوه، فأمر آخر موقوف على الدليل.
وقد روى إمام الأئمة الهادي إلى الحق عن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ بعد أن حكى سبب رفضهم، وأنهم تعللوا عليه بما يدعون من الوصية والنص على جعفر بن محمد (ع) مانصه: فلما كان فعلهم على ماذكرنا، سماهم - أي الإمام زيد بن علي (ع) - روافض، ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك، ولعنة آبائي وأجدادي، ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حرورا علي بن أبي طالب حتى حاربوه. انتهى.
فانظر على أي شيء وجَّه اللعن، وعلل الرفض؟ أعلى البراءة؟ أم على رفضه، والخروج من بيعته، كما رفض أهل حرورا جده ـ صلوات الله عليهم ـ؟
ولم يذكر البراءة ولا ذكر كونه جعلها الموجب، ولا أنه علّق عليها الذم أحد من الرواة، لامن آل محمد (ع) ولا من غيرهم، وإن كانوا قد رووا أنها السبب في رفضهم له.
[قول صاحب التهذيب في كلام الإمام زيد (ع) في الرافضة]
وهذا الحافظ المزي صاحب تهذيب الكمال، وهو الذي عليه المدار عندهم في علم الرجال، روى عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) في ترجمته، مالفظه: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة؛ مرقت الرافضة علينا، كما مرقت الخوارج على علي (ع).
ونقله صاحب الخلاصة بلفظه.
وقال في التهذيب: قالوا: إذاً نرفضك؛ فسميت الرافضة.
وقال في شأن الزيدية: فخرجوا مع زيد بن علي فسُميت الزيدية. انتهى المراد.
فهذا نقل أئمة آل محمد (ع)، ونقل ثقات غيرهم، وإقرارهم أنها مرقت عليه، كما مرقت الخوارج على جده، وأنها سميت الرافضة لرفضها له (ع)، وهو المعلوم. والأخبار والآثار دالة على ذلك.
وروى صاحب المحيط ـ رضي الله عنه ـ: بسنده إلى أبي الطيب محمد بن /210(1/210)


محمد بن فيروز الكوفي، قال: حدثنا يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم(ع).
قلت: يعني إمام الأئمة الهادي إلى الحق (ع).
قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: لما ظهر زيد بن علي، ودعا الناس إلى نصرة الحق فأجابته الشيعة، وكثير من غيرهم وقعدوا عنه، وقالوا: لستَ الإمام.
قال: فمن هو؟
قالوا: ابن أخيك جعفر.
فقال لهم: إنْ قال جعفر هو الإمام فقد صدق، فاكتبوا إليه واسألوه.
فقالوا: الطريق مقطوعة، ولانجد رسولاً إلا بأربعين ديناراً.
قال: هذه أربعون ديناراً، فاكتبوا وأرسلوا إليه.
فلما كان من الغد أتوه، فقالوا: إنه يداريك.
فقال لهم: ويلكم إمام يداري من غير بأس؟ أو يكتم حقاً؟ أويخشى في اللَّه أحداً؟
اختاروا: إما أن تقاتلوا معي، وتبايعوني على مابويع عليه علي، والحسن، والحسين(ع)، أو تعينوني بسلاحكم، وتكفوا عني ألسنتكم.
فقالوا: لانفعل.
فقال: اللَّه أكبر، أنتم والله الروافض الذين ذكر جدي رسول اللَّه: ((سيكون من بعدي قوم يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل بيتي، ويقولون ليس عليهم أمر بمعروف، ولانهي عن منكر، يقلدون دينهم، ويتبعون أهواءهم)) انتهى.
وقد روى هذا السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع).
فمن الذين يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل البيت ويقولون: ليس عليهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ويرون تحريم الخروج على الظلمة، ويوجبون الطاعة للجبابرة المتغلبين على الأمة، فيعينونهم بذلك على تعدي حدود اللَّه، وانتهاك كل حرمة، وينصرونهم على قتل الآمرين بالقسط، الحافظين لحدود /211(1/211)


اللَّه من الأئمة، وقد علموا أن الله تعالى لم يجعل بنص كتابه للظالمين عهداً، وأنه لايتخذ المضلين عضداً؟!.
وعلى الجملة، قد قضت المعلومة من الأدلة، وإجماع جميع أهل الملة، أن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وطائفته هم المحقون، وأن هذه الفرقة الرافضة له مبطلون؛ وليس النزاع إلا فيما كان عليه من البراءة عن الشيخين، أم الولاية لهما، أم التوقف فيهما؛ وهو أمر آخر يجب على المتدين الاعتماد فيه على الدليل، من غير تقليد ولاتعويل، على متابعة الأقاويل.
والمعلوم من حال الإمام الأعظم ـ صلوات الله عليه ـ بالإجماع من الجميع أنه لم يبحث عن معتقدهم في ذلك، ولم يسألهم عن البراء، ولا التولي، وأنه لم يسمهم الرافضة، ولم يلعنهم، ولم يتبرأ منهم؛ إلا حين خذلوه، ورفضوه، ولم ينصروه؛ وبذلك يعلم أنهم لم يستحقوا ذلك، إلا لرفض إمام الحق، والخروج عن طاعة سادة الخلق، كائناً في ذلك السبب ماكان؛ هذا معلوم بأبين بيان، وأوضح برهان، والله المستعان.
فكيف يكون رافضياً من تولاه، ونصره وقاتل بين يديه، ومن أتى من بعده متبعاً لأثره، مقتدياً بهديه، مهتدياً بنوره؟! فقد صارت هذه الطائفة المتسمية بالسنية ترمي به قطعاً أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه، القانتين من هذه العصابة، تجارياً على اللَّه، واطراحاً للمفروض عليهم من حقوق القرابة، ومعاندةً للحق، ومضادة لبراهينه، وقواطعه، فإن كنت أيها الطالب للنجاة، المراقب لله، ممن اطلع على الأحوال، ومارس علم الرجال، لم تحتج إلى تجشم بيان، ولاتكلف برهان.
[ذكر بعض من رماه القوم بالرفض]
فممن رموه بدائهم من الرفض، من خلّص أتباع الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الآخذين عنه، القائمين بنصرته، المجيبين لدعوته، أبو الجارود زياد بن المنذر الكوفي، الذي تُنْسب إليه الجارودية.
قال السيد صارم الدين (ع): قال الناصبة: رافضي متهم، له أتباع؛ يروي في الفضائل والمثالب، إلى قوله: روى له الترمذي، انتهى /212(1/212)


ومنهم هارون بن سعد العِجْلي، قال في التقريب: صدوق، رُمي بالرفض، ويقال: رجع عنه إلخ.
قال السيد صارم الدين (ع): قالوا فيه: صدوق، من المعلنة بالتشيع، رافضي بغيض، وهذا منهم تحامل ونصب. انتهى.
وهو ممن حملتهم الضرورة إلى الأخذ عنه. روى عنه مسلم، فلذا قالوا: صدوق.
وكلامهم في جماعة الآل، على هذا المنوال، فقد نالوا بذلك علماء الأمة، وأعيان الملة، كما ذلك مأثور، وعلى صفحات الصحائف مسطور.
قال محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الموالي لأبناء الوصي، والقائم بدعوة الأئمة من أسباط النبي: فيما رواه في جواهر العقدين للسمهودي الشافعي، عن البيهقي، عن المزني: قال: سمعت الشافعي ينشد:
إذا نحن فضلنا علياً فإننا .... روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وروي أيضاً عن الجمال الزرندي، عن الشافعي أنه قال:
قالوا ترفضت قُلْتُ كلا .... ماالرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غير شك .... خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوصي رفضاً .... فإنني أرفض العباد
قال: وروي أيضاً عن الربيع قال: أنشدنا الشافعي:
ياراكباً قِفْ بالمحصب من منى .... واهتف بقاعد خيفها والناهضِ
سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى .... فيضاً كملتطم الفرات الفائضِ
قِفْ ثم نادِ بأنني لمحمد .... ووصيه وابنيه لست بباغضِ
إنْ كان رفضاً حبُّ آل محمد .... فليشهد الثقلان أني رافضي
هكذا في الجواهر؛ إلا البيت الثالث، فليس في النسخة المنقول منها، ولعله سقط، فهو ثابت في كتب أهل البيت (ع) وغيرهم عنه.
قال: وقد نقل /213(1/213)

45 / 135
ع
En
A+
A-