سبيل التوحيد لله، والتعديل له، والتبري من أعداء اللَّه.
قال: وأما تسميتهم بالجماعة فإنه لما اضطر الحسن بن علي (ع) إلى صلح معاوية، وسلم وتمّ الأمر له، سموا العام عام الجماعة.
إلى قوله (ع): فقالوا: إنهم أهل السنة والجماعة.
وقال (ع): وذلك قاعدة دينهم، وعنوان يقينهم، لايكون السني سنياً على الحقيقة، مالم يكن منقطع القرين في حب معاوية، وآل معاوية، سمج الحال في علي وآل علي.
انتهى المراد.
وكلام نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وعيون أشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ، على هذا المنهج، على غير مخالفة لما سبق عن أعلامهم ولاعوج.
هذا، وقد روى إجماع آل محمد على أن الأنبياء - صلوات الله عليهم - يتوارثون، صاحب كتاب المحيط، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وهو الثابت بلا ارتياب، نطقت به السنة ومحكم الكتاب.
هذا، وقال نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي بعد كلام على حديث من صحاحهم: وكيف يسوغ لمسلم له مسكة من دين أن يقبل مثله؟! ولذا صار دعوى الصحة لكتب القوم من الدعاوي الساذجة، وتسميتها بذلك من الأسماء التي ماأنزل اللَّه بها من سلطان؛ فتأمل، وعليك بالنصفة، وباب حطة.
[الحديث الذي وضعه عمرو في آل أبي طالب، والرد عليه]
وكذا روى البخاري، ومسلم، بسند متصل بعمرو بن العاص، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء؛ إنما وليي اللَّه وصالح المؤمنين))؛ فرواية مثل هذا الحديث المعلوم بطلانه في صحيحيهما، مما يفيد أنهما عن الصحة بمراحل، وأنه لامعنى لقول من حكم بصحتهما من متعصبي العامة.
واستناده إلى أن البخاري مثلاً قد صحح كتابه، فالعهدة عليه.
أيكون البخاري قد صحح هذا الحديث، وكذا مسلم، فيكون قدحاً فيهما؟ /204(1/204)
أم لاعهدة عليهما في تصحيح ولاغيره، بل الواجب على الناظر التثبت؟!.
ثم حكى ماقدمنا سابقاً من قول المقبلي إن أحاديث رواها البخاري لاتمسها الصحة.
قلت: الحديث الذي رواه عمرو في النسخ الموجودة الآن بلفظ ((آل أبي فلان)).
قال في تفريج الكروب، للسيد العلامة الحافظ إسحاق بن يوسف بن الإمام المتوكل على اللَّه إسماعيل بن القاسم (ع) بعد روايته قوله: ((آل أبي فلان)): قد فسره الشراح بآل أبي العاص، منهم الحَكم طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ممن فسره بذلك القاضي عياض في شرح مسلم، وكذلك النووي في شرح مسلم أيضاً، وكذلك ابن حجر في مقدمة شرح البخاري. انتهى.
قال مؤلف التخريج ـ أيده الله تعالى ـ، في حاشيته على ذلك الكتاب: المروي عند ابن أبي الحديد ((إن آل أبي طالب)) ولعل الشراح كنوا ثم فسروه بما فسروه، محاذرة من افتضاح عمرو. انتهى.
قلت: فإن هذا من المصارحة بالرد لكتاب اللَّه، وسنة رسوله، ودين نبيه.
[تفسير: صالح المؤمنين]
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وقد قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في قوله /205(1/205)
تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم:4] قال: ((هو علي بن أبي طالب)) رواه الحاكم بأسانيده؛ فعن علي من أربع طرق، وعن أسماء بنت عميس من أربع طرق، وعن حذيفة، وعن أبي جعفر، وعن ابن عباس، وفي واحدة عن علي: ((والمؤمنون من بني أبيك الصالحون)).
وروى عن ابن عباس مسنداً قال: نزل {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } [التحريم: 3] في عائشة وحفصة {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] علي.
وروى عنه أيضاً من طريقين، ورواه عن أبي جعفر أنه قال: صالح المؤمنين علي.
وكذا رواه عن زين العابدين مرفوعاً مرسلاً؛ من الشواهد.
وأخرجه الثعلبي عن ابن عباس، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن علي.
وروى ابن المغازلي في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] عن مجاهد قال: ((هو علي بن أبي طالب)).
وروى الكنجي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] قال: ((هو علي بن أبي طالب)) أخرجه عن علي (ع)، وعن أسماء بنت عميس، وقال: هكذا رواه أئمة التفسير عن آخرهم. انتهى.
فإذا حديث عمرو ينقض آخره أولَه، ولذا قال الهادي إلى الحق في صحيحي البخاري، ومسلم: بينهما وبين الصحة مراحل، من رواية الإمام المهدي، ومحمد بن صالح.
[القدح في حريز بن عثمان]
وقال ابن الصلاح: إن في كتاب البخاري ماليس بصحيح.
إلى قوله: ومما يدلك إن كنت غير مخذول، أن حريز بن عثمان المشهور ببغض من بُغضه نفاق، قال إسماعيل بن عياش: سمعته يقول في حديث: ((إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ: إنما قال رسول اللَّه ـ صلى /206(1/206)
الله عليه وآله وسلم ـ: ((إنما أنت مني بمنزلة قارون من موسى)) فأخطأ السامع؛ ثم نقل المروي عن هذا المارق المنافق، الدال على عداوته لسيد الخلائق.
إلى قوله: ومع هذا أخرج له البخاري.
قلت: قال ابن حجر في ترجمة هذا الخبيث، في تعداد من انتقدوا عليهم من رجال البخاري: قال الفَلاَّس وغيره: إنه كان ينتقص علياً.
إلى قوله: وقال ابن عدي: كان من ثقات الشاميين، وإنما وَضَع منه بغضه لعلي، وقال ابن حبان: كان داعية إلى مذهبه، يُجتنب حديثه.
إلى قوله: وروى له أهل السنن.
قال ـ أيده الله ـ: فأين يتاه بأصحابنا ممن مال إلى العامة، ويعوّل على زخارفها، ثم يزعم أنه على دين آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف ومن سود فقد شرك؟! الخ كلامه ـ رضي الله عنه وبارك في أيامه ـ.
[الكلام على النصب والرفض]
هذا، ومن مباينتهم لآل رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومجانبتهم لأوليائهم، ماعُلِمَ منهم من التبديع لهم والتضليل، وعدم التأول لهم بأي تأويل، ورميهم لأوليائهم ـ من العصابة الناجية، والطائفة الهادية ـ بدائهم، من الرفض والغلو؛ وقد علموا أن النصب والرفض مع ماتقدم من أسماء الذم، واردة في أعدائهم.
أما النصب فواضح، وليس بين الأمة اختلاف، في أنه لأعداء آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال ابن حجر في تحديده: والنصب بغض علي، وتقديم غيره عليه. انتهى.
قلت: وظاهر هذا العموم في تقديم غيره عليه.
وقد قدمه اللَّه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعد أخيه وابن عمه سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ على الخلق، فهو الحق الذي نطقت به السنة والقرآن، ودلّت عليه صرائح /207(1/207)
حجج اللَّه القاطعة البرهان، لابالدعاوي المختَلقة التي لم ينزل اللَّه بها من سلطان؛ فقد أخرج اللَّه تعالى الحق على لسانه، ولم يزل يخرج اللَّه الحق على ألسنتهم، وإن حاولوا كتمه وخالف مافي أجنتهم.
فانظر إلى هذا وإلى ماتقدم له في تحديد التشيع المذموم عندهم، الذي هو من أعظم الجرح، ففيه التصريح بأن تقديمه على الشيخين غلوّ ورفض، وأن مجرد محبته تشيع وهو عندهم ذم وغض؛ لتعلم إن كنت من ذوي العلم، وتنظر إن كنت من أولي النظر، وتعتبر إن كنت من أهل الفِكَر؛ فقد صارت محبة أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ عندهم تشيعاً، وبغضه نصباً، وتقديمه على غيره رفضاً، وتقديم غيره عليه نصباً، وكل اسم من هذه الأسماء ذماً وجرحاً، وهضماً وقدحاً، فهل بقي على هذا للسالك من سبيل؟ وإلى أي جيل ينحاز طالب النجاة والحق عندهم، في شأن سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم؟ وفي أي قبيل؟ وليس هذا ببدع من تناقض أقوالهم، وتهافت أحوالهم.
ولئن رمتَ التأويل لهم في شأن التقديم، بأن المراد ـ بتقديم غيره ـ غيرُ المشائخ على بُعده وتعسفه؛ إذ ليس بين الأمة خلاف إلا في تقديمه عليهم، أو تقديمهم عليه، فلا يستقيم لك بوجه التأويل، في شأن المحبة والبغض؛ فليس بينهما واسطة في حقه عقلاً وشرعاً، إلا التوقف، وهو غير مراد إجماعاً وقطعاً.
وليس مرادهم بالمحبة إلا المحبة المطلقة؛ لأنهم جعلوا أول درجات الغلو فيها التقديم، كما صرح به الشيخ هذا وغيره، واعترضه كما تقدم السيد محمد بن إسماعيل الأمير.
وذلك واضح لمن لم يعم التعصب بصيرته، ولم يسلب الهوى فكرته، وما ذلك وغيره مما هو أعظم وأطم من مناقضتهم وتهافتهم، إلا مصداق الإصابة بالدعوة النبوية: ((واخذل من خذله)) وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى /208(1/208)