قال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير ـ ومقامه شهير ـ معترضاً على تحديد ابن حجر للشيعي مالفظه: فعلى هذا كل زيدي رافضي، وكل مؤمن شيعي؛ فإنه يحبه ـ يعني علياً ـ كل مؤمن.
إلى قوله: وصح أنه لايخرج عن اسم الشيعي، إلا من تجرد عن محبته، فحينئذ يخرج عندهم عن هذه الوصمة؛ وهذا عجيب. انتهى.
قال بعض أئمة العترة (ع) مالفظه: فهؤلاء القوم قد جعلوا مجرد التشيع وصمة في اصطلاحهم، ينزهون كبارهم عنه؛ لكن يرد عليهم سؤال: مايقول أهل السنة؛ هل كان النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يحب علياً وأهل بيته أولا؟.
إن قلتم بالثاني، خالفتم ماورد في كتبكم، وكتب أهل الإسلام، الناصة على أنه كان يحبهم؛ بل خالفتم الضرورة.
وإن قلتم بالأول، فلا يخلو إما أن يحبهم، ولايقدم علياً على المشائخ، أو يقدمه عليهم.
إن كان الأول، لزمكم على اصطلاحكم أنه شيعي، والشيعي عندكم فيه وصمة.
وإن كان الثاني، لزمكم على اصطلاحكم أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شيعي، غال رافضي، إلخ، لاتقبل روايته في أهل البيت؛ مع أنه قد روي بالتواتر أنه قدمه؛ لأنه في آية المباهلة جعله نفسه، ونفس النبي أقدم.
قلت: وقد تقدم الكلام في ذلك بما فيه كفاية.
قال: وكذا في خبر المنزلة؛ لأن هارون أقدم من سائر بني إسرائيل.
وفي خبر الغدير؛ لأنه قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
والمعلوم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مولى الصحابة.
وخبر براءة فإنه قدمه على أبي بكر.
قلت: وكلها من الأخبار المتواترة، وقد سبق البحث فيها، وفي غيرها.
قال: وخبر جمع بني هاشم بعد نزول آية إنذار الأقربين، فإنه قدمه على الكل.
هذا لايمكنهم /194(1/194)
دفعه إلا بالبهت.
وكذا خبر الثقلين، فإنه مقدم لأهل البيت على كافة الأمة، وخبري السفينة فإنه حكم فيهما بوجوب اتباعهم، والمتبوع أقدم وأفضل من التابع.
والخبران هذان لايمكن دفعهما إلا بالمكابرة.
هذا من غير مارووه من الأخبار القاضية بتقديمه؛ فعلى هذا إن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته على مصطلح أهل السنة روافض غلاة مبتدعون؛ صانهم اللَّه عن ذلك، وأعلا درجتهم في الدارين.
ثم إنهم رووا مع الشيعة أن اسم الرفض لمن سماهم به الإمام زيد بن علي.
قلت: وممن رواه منهم النووي في شرح مسلم، وكذا غيره، وهو إجماع الأمة؛ وسيأتي لهذا مزيد بحث إن شاء اللَّه.
قال: فنقلوا هذا الاسم فجعلوه فيمن فضل علياً، أو قدح فيمن حاربه من أعدائه، فإنه ضال مضل؛ مع أنهم قد رووا قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في أهل بيته: ((أنا حرب لمن حاربتم))، ونحوه مما يؤدي معناه.
فقد قدح النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيمن عادى أهل البيت، أو حاربهم؛ فلزمهم أنه رافضي، وهذا بيّن.
إلى قوله: فلا يخلو أهل السنة من أحد أمرين:
إما أن يقتدوا بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته (ع)، ولزمهم التشيع، ولزمهم من الوصمة مالزم الشيعة.
أو لايقولوا بالمحبة لهم، لزمهم العداوة للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته (ع)؛ لأن القرآن قابل التشيع بالعداوة في قصة موسى {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } [القصص: 15] فليتبوؤا أي الأمرين.
ولله من قال:
وأُقْسِمُ ماجَاْزَوْهُ في أهل بيته .... وفي نفسه إلا جزا أمّ عامر
/195(1/195)
ثم إنه قد اشتهر عن أمير المؤمنين أنه نال من معاوية وأضرابه، وتجرم من أهل السقيفة؛ ومن فعل هذا فهو عندهم ضال مضل، رافضي غال؛ إلى آخر عباراتهم الشنيعة.
فيلزمهم أن علياً ـ كرم اللَّه وجهه ـ كذلك.
وكذلك النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد سمى أعداء أمير المؤمنين بالناكثين، والقاسطين، والمارقين الباغين.
فيلزمهم في النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن هذه السمات من أبلغ السب.
[قدحهم في الحاكم والكلام على النسائي]
ولذا قال بعضهم: لايُقبل من الحاكم؛ لأنه كان ينال من معاوية.
حتى قال السبكي: لايليق بالحاكم ذلك.
ورموا النسائي بالتشيع؛ لإمتناعه من التأليف في فضل معاوية.
قلت: النسائي هو أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب الخراساني، صنف كتاب الخصائص في فضائل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ.
قال السيد صارم الدين (ع): خرج من مصر إلى دمشق، فسئل بها عن فضائل معاوية، فقال: لايرضى رأساً برأس حتى يتفضل؟!؛ لا أعرف إلا حديث: ((لاأشبع اللَّه بطنه)).
فداسوه بأرجلهم، فتوفي بعد ذلك شهيداً.
وذكر مثل هذا في طبقات الزيدية، قال فيها: قال الإمام أبو علي النيسابوري: حدثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة، أبو عبد الرحمن النسائي، وكان له في الرجال شرط أشد من شرط البخاري ومسلم.
وذكر فيها أنه لما سُئل عن معاوية أي شيء؟ أخرج حديث: ((اللهم لاتشبع بطنه)) /196(1/196)
فسكت السائل.
وفيها: وحُمل إلى مكة وتوفي بها، كذا قيل، والصواب إلى الرملة.
وقال الدارقطني: خرج حاجاً فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة.
فحُمل فتوفي بها.
وهو مدفون بين الصفا والمروة.
وكان وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة. انتهى.
وفي الخلاصة: سنة أربع وثلاثمائة شهيداً..إلخ.
خرج له الإمام المرشد بالله (ع)، وعده السيد صارم الدين، وابن حميد، وابن حابس: في ثقات محدثي الشيعة.
[إقرار حفاظهم أنها لم تصح لمعاوية فضيلة]
قلت: وقد أقرّ حفاظهم أنه لم يصح لمعاوية بن أبي سفيان فضيلة.
وكيف يصح لرأس الدعاة إلى النار، ومحارب إمام الأبرار، وقاتل عمار، والألوف من المسلمين، والراد لقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الولد للفراش، وللعاهر الحجر)) فضيلةٌ؟!.
قال ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري: وقع الإجماع على أن معاوية لم تصح له فضيلة، وتواتر عن إسحاق بن راهويه، أن كل فضيلة تروى لمعاوية فإنها كذب على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وإنما ذكر البخاري معاوية ـ وإن لم يكن له فضيلة ـ دمغاً لرؤوس الروافض. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: فسبحان اللَّه! كيف يدمغ رؤوس الروافض بذكر فرعون هذه الأمة؟!.
إلى قوله: وقد صحّ وقطع بأنه منافق؛ لبغضه علياً، وقد تواتر أن بغضه نفاق، وثبت أنه حرب لرسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وقد صح أنه قال في علي: ((حربك حربي)).
فمن أحق بالدمغ، الروافض، أم النواصب؟.
هذا إن أريد بالروافض من رفض الجهاد مع الأئمة من آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، /197(1/197)
كزيد بن علي (ع)، فأما إن أريد من قدم وفضل علياً، فأطمّ وأطمّ أن يدمغ رؤوس العترة وأنصارهم، بذكر عدوّهم وعدوّ محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إن هذا ليوجب كفر الدامغ، فكيف بتصحيح سنده؟
إلى قوله: والحديث الذي فيه: ((لاأشبع اللَّه بطنه)) أخرجه مسلم عن ابن عباس؛ وهو الذي أشار إليه النسائي.
وروى في الإقبال للسيد الإمام المهدي بن الهادي النوعة ـ رضي الله عنه ـ، عن أبي برزة قال: تغنّى معاوية، وعمرو بن العاص؛ فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم اركسهما في الفتنة ركساً، ودعّهما في النار دعّاً)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: أخرجه أحمد في المسند، وأخرجه أحمد، وأبو يعلى عن أبي برزة، وقَبِلَه الطبراني.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى أبي برزة الأسلمي.
وذكره ابن الأثير في النهاية. انتهى.
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير، عن ابن عباس؛ أفاده في النصائح لابن عقيل.
وروى الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عن الحاكم، رافعاً له إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاضربوا عنقه)).
وقال (ع): رواه جماعة، منهم أبو سعيد الخدري، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وعبدالله بن مسعود.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه نصر بن مزاحم، بسنده إلى ابن مسعود؛ قاله ابن أبي الحديد.
وروى الذهبي في الميزان: ((إذا ارتقى معاوية على منبري فاقتلوه)).
وفي رواية: ((فابقروا بطنه)).
وأورد أيضاً: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) بثلاثة أسانيد، عن أبي سعيد. انتهى من التفريج.
قال ابن بهران: وقواه الذهبي، وأخرجه ابن عدي، عن أبي سعيد مرفوعاً.
وأخرجه العقيلي عن الحسن بلفظ: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)).
ورواه سفيان بن محمد بسنده إلى الباقر، عن جابر مرفوعاً. انتهى من النصائح لابن عقيل.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى أبي سعيد في مناقبه.
ورواه عن الحسن البصري، من طريقين. انتهى. /198(1/198)