وهو الذي قيل فيه: إنه لم يرحل إلى أحد في طلب الحديث بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما رحل إليه، وهو شيخ الشافعي، وأخذ عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن معين؛ وحكى الذهبي عنه كلاماً في أمر فدك، فيه غاية الصلابة؛ وذكر عنده رجل معاوية فقال: لاتقذر مجلسنا بذكر ابن أبي سفيان؛ وكان لايزال يروي حديث الغدير والاستخلاف وغيرهما، حتى نهاه بنو العباس، وقد أنكروا عليه، ونالوا منه، بسبب أحاديث يرويها في فضائل علي (ع) ومثالب أعدائه مثل: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، فقال ابن معين لمن قدح فيه بالتشيع: لو ارتد عبدالرزاق عن الإسلام ماتركنا حديثه.
وقال البخاري، لمن سأله عن الحافظ أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي، المتوفى سنة (219) تسع عشرة ومائتين المعدود في ثقات الشيعة؛ خرج له الإمام أبو طالب (ع)، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ والجماعة: مامذهبه في التشيع؟: هو على مذهب أهل بلده؛ ولو رأيتم عبدالله، وأبا نعيم، وجميع مشائخنا الكوفيين، لما سألتمونا عنه. انتهى.
فانظر كلامهم، لما علموا أن بطرح الشيعة، تنسد عليهم أبواب الشريعة.
وتناقض أقوالهم، واضطراب أحوالهم، واعتمادهم على الأهواء، لايخفى على أولي الألباب.
[قدح القوم في أبي الطفيل وهند بن أبي هالة والجواب عليهم]
نعم، فممن نالوا منه، من أفاضل أصحاب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ، أبو الطفيل، عامر بن واثله الكناني الليثي، المولود عام أحد، المتوفى سنة عشر ومائة، على الصحيح، آخر الصحابة موتاً ـ رضي الله عنه ـ.
قال في ترجمته في تهذيب التهذيب: كان أبو الطفيل ثقة في الحديث، /184(1/184)
وكان متشيعاً.
إلى قوله: وكانت الخوارج يرمونه باتصاله بعلي، وقوله بفضله وفضل أهل بيته؛ وليس في روايته بأس. انتهى.
وإن كنت ممن يعرف مصطلح القوم، علمت مافي هذه الكلمات من التوهين عندهم.
وحَكَى عن المغيرة، أنه كان يكره حديثه.
وأبو الطفيل ـ رضي الله عنه ـ ممن شهد مشاهد سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، كلها؛ وهو راوي حديث الشورى بطوله.
وروى عنه الإمام الأعظم، زيد بن علي (ع)، قال: كان أبي يحج بنا ونحن صغار، فرأيت أبا الطفيل الكناني شيخاً همّا، عليه مقطعات.
قال الإمام: سمعته يقول لأبي: سألني معاوية، كيف حبك علي بن أبي طالب؟
قال: فقلت: حب أم موسى لموسى. الخبر.
وقام مع من قام للطلب بدم الحسين، سبط سيد المرسلين، صلوات الله عليهم؛ ووصل مكة مع من وصل؛ لإنقاذ محمد بن علي أمير المؤمنين، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ، ومن معهم من قرابة الرسول الأمين، لما أراد عبدالله بن الزبير بن العوام إحراقهم بسجن عارم.
أفاد معنى هذا في طبقات الزيدية وغيرها.
وهند بن أبي هالة، الصحابي الأفضل، ربيب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابن خديجة سيدة أمهات المؤمنين، أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بكلماته، المبلَّغة للتسليم، عن الملك العظيم، المبشرة ببيت في الجنة، بلسان جبريل الأمين، سيد الملائكة المقربين؛ وأخو فاطمة سيدة نساء العالمين، وخال الحسنين، سيدي شباب أهل الجنة ـ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـ، والمستشهد بصفين، مجاهد الباغين، بين يدي أمير المؤمنين، ـ صلوات الله عليه ـ.
أدخله البخاري في الضعفاء.
وقد نقضوا كلامهم في شأن الصحابة، بكلامهم /185(1/185)
في هذين الصحابيين الفاضلين ـ رضوان الله عليهما ـ، لما كانا في جانب الحق، ومن طائفة أفضل الخلق، لم يبالوا بصحبتهما، ولم يراعوا جليل منزلتهما.
وأما طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الوزغ ابن الوزغ، مروان بن الحكم، وأضرابه، فالكلام فيهم غير مقبول، والمتكلم فيهم زائغ عن القصد مرذول.
قال ابن حجر في مقدمة شرح البخاري، في سياق من انتقد على البخاري في الرواية عنهم، في ذكر مروان مالفظه: يقال: له رؤية؛ فإن ثبت، فلا يعرّج على من تكلم فيه. انتهى.
فيا سبحان اللَّه! صارت الرؤية عاصمة لأعداء اللَّه، وأعداء رسوله، ولم تكن الصحبة مانعة عن الوقوع في أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ركوباً للهوى، وعدولاً عن السواء، وكم لهم من مناقضة واضحة، ومخالفة لسنن الحق فاضحه، يطلع عليها العالمون، ويقرّ بها المنصفون؛ مالكم كيف تحكمون؟!.
قال بعض سادات العترة (ع): وأقول: البخاري ككثير غيره، يزعمون عدالة كل من سموه صحابياً، بحسب اصطلاحهم الذي أحدثوه، حتى الذي سماه اللَّه فاسقاً، يقولون: إنه عدل.
قلت: كالوليد بن عقبة.
قال: وكذا من اشتهر بالزنا وشرب الخمر، ومن قتل المسلمين عمداً ظلماً، أطفالاً ورجالاً.
قلت: كبسر بن أرطأة.
قال: ومن أخبر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه يموت على غير الإسلام، ومن ذكر أنه من أهل النار.
قلت: كسمرة بن جندب.
قال: ولم أرهم جرحوا ممن يسمونه صحابة، إلا هنداً ربيب النبي، وأبا الطفيل.
إلى قوله: لجِدِّهما في قتال الطاغية، واختصاصهما بعلي؛ وعند اللَّه تجتمع الخصوم. انتهى.
[قدحهم في أصبغ، والحارث، والجواب عليهم]
وأصبغ بن نباتة، الحنظلي المجاشعي الكوفي.
قال في طبقات الزيدية: ذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في ثقات محدثي الشيعة /186(1/186)
قالوا: قال الخصوم: كان يأتي بطامات ـ يريدون الأحاديث المخالفة لمذهبهم ومعتقدهم ـ. انتهى.
قال السيد صارم الدين: روى الأصبغ عن علي (ع): إن خليلي حدثني، أني أضرب لسبع عشرة من رمضان، وهي الليلة التي مات فيها موسى (ع)؛ وأموت لاثنتين وعشرين من رمضان، وهي الليلة التي رفع فيها عيسى (ع).
وعن الأصبغ عن علي (ع)، قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من آذاني في أهل بيتي، فقد آذى اللَّه؛ ومن أعان على أذاهم، وركن إلى أعدائهم، فقد آذن بحرب من اللَّه، ولا نصيب لهم في شفاعتي)).
قال الإمام المنصور بالله: وهذا يعمّ جميع أعداء العترة.
روى له في الأمالي، وابن ماجه. انتهى.
قال في الطبقات: خرج له ابن ماجه، وأئمتنا الخمسة، إلا الجرجاني. انتهى.
والحارث بن عبدالله الهمداني، أبو زهير الكوفي، الأعور، المتوفى سنة خمس وستين.
قال السيد صارم الدين: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس.
وقد نال منه طائفة، وقد بسط في الطبقات وعلوم الحديث مانالوه به.
قال في الطبقات: وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في التوضيح، في ثقات محدثي الشيعة.
إلى قوله: وقال السيد أحمد بن عبدالله الوزير: لايمتري أهل البيت (ع) في عدالة الحارث، /187(1/187)
وجلالته وفضله.
وقال غيره: هو صاحب علي (ع)، وأحد شيعته.
وفيها: قال القاضي عياض: أُسيء الظن بالحارث، لما عرف من حاله التشيع. إلخ كلامه.
[قدحهم في كل من له أدنى إلمام بالحق، وأهله]
وقد جرحوا جماً غفيراً، وعدداً كثيراً، من التابعين، وتابعي التابعين، من عهد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، فمن بعده من الأئمة السابقين - صلوات الله عليهم -؛ ولا ذنب لهم، إلا متابعة أئمة الحق، وموالاة من افترض اللَّه ولايتهم على الخلق؛ وفي تعدادهم مايخرجنا إلى الإكثار، ويجانب ماقصدنا من الاختصار، وقد اشتملت على ذلك كتب أئمتنا (ع)، وشيعتهم - رضي الله عنهم -، وغيرهم من القوم ـ تولى اللَّه مكافأتهم ـ.
[تعديل جماعة من الثقات]
قال الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد (ع): ومنها أنهم قالوا: إنه ـ يعني أبا خالد ـ وضّاع؛ يريدون لما خالف مذهبهم.
إلى قوله: وقدحوا بذلك على جماعة من أهل الصدق، منهم: إسماعيل بن أبان، وجرير بن عبد الحميد، وخالد بن مخلد القطواني، وسعيد بن عمرو بن أَشُوْع، وسعيد بن فيروز البختري، وسعيد بن كثير بن عفير، وعباد بن العوام، وعباد بن يعقوب، وعبدالله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبدالملك بن أعين، وعبدالله بن عيسى العنسي، وعدي بن ثابت الأنصاري، وعلي بن الجعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وفطر بن خليفة الكوفي، ومحمد بن جحادة الكوفي، ومحمد بن فضيل بن غزوان، ومالك بن إسماعيل أبو غسان.
كل هؤلاء جُرحوا بالتشيع، وروايتهم لفضائل آل محمد.
وكذلك جرحوا عدة من أهل هذا الشأن، مما لاأحصي ولا يسعه /188(1/188)