رجال البخاري، الذين هم على شرطه، وخرج لهم في صحيحه؛ وفي ذكر هذين الماردَين غنية عن غيرهما، فاعتبروا واستعبروا.
وقد شهد عليهم حافظهم ابن حجر في مقدمته بتوثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعي مطلقاً؛ قال: ولاسيما إن علياً ورد في حقه ((لايحبه إلا مؤمن، ولايبغضه إلا منافق)) إلخ كلامه.
مع أن البخاري تجنب الرواية عن سادات آل محمد (ع)، كالإمام زيد بن علي، وجعفر بن محمد الصادق، وعبدالله بن الحسن الكامل، وأمثالهم (ع).
وقال في إسناد أُويس القَرَني سيد التابعين المستشهد مع سيد الوصيين بصفين: نظر.
ولقد أحسن من قال:
قضيّة أَشْبه بالمرزءة .... هذا البخاري إمام الفئهْ
بالصادق المصدوق مااحتج في .... صحيحه واحتج بالمرجئهْ
ومثل عمران بن حطّا ن أو .... مروان وابن المرأة المخطئهْ
مشكلة ذات عوار إلى .... حيرة أرباب النهى ملجئهْ!
وحق بيت يممته الورى .... مغذة في السير أو مبطئهْ
إن الإمام الصادق المجتبى .... بفضله الآي أتت منبئهْ
قلامة من ظفر إبهامه .... تعدل من مثل البخاري مائهْ
وهكذا يعلم المنصف أنهم حاولوا سد الأبواب، على حمل السنة عن قرناء الكتاب؛ فمن أمكنهم الكلام فيه تناولوه، وغضوا منه، ولم يستحيوا من اللَّه تعالى، ولامن جده رسول اللَّه؛ ولم يراقبوا اللَّه في أفاضل قرابته؛ كما أنهم راعوه ـ على زعمهم ـ في أراذل صحابته.
ستعلم أروى أي دين تداينت؟ .... وأي غريم في التقاضي غريمها؟
قال السيد صارم الدين (ع) في علوم الحديث المسمى بالفلك /174(1/174)


الدوار عند قول يحيى بن سعيد القطان شيخ مشائخ البخاري ومسلم في إمام آل محمد جعفر الصادق بن محمد الباقر (ع): مجالد أحب إلي منه ـ مالفظه: وهذا القول مشعر بأن القطان كان من نواصب البصرة العثمانية؛ ولو وُفِّقَ مولى تميم، لم يَغُض من هذا الإمام العظيم؛ فإذا كان هذا كلام حافظ القوم في الصادق، فما ظنك بغيره؟ وقد كنت قلت:
رام يحيى بن سعيد .... لك ياجعفر هضماً
وأتى فيك بقول .... ترك الآذان صماً
وأرى عبد تميم .... عن طريق الحق أعمى
غلب النصب عليه .... فاغتدى يخبط وهماً
عكّس الترجيح لمّا .... عدم المخذول فهماً
يابني المختار لاقدِّس من .... رام لكم نقصاً وذماً
إنما الفائز من تا .... بعكم حرباً وسلماً
ومعاديكم شقي .... لم يصب علماً وحلماً
وغداً يحشر فيمن .... منع المستشهد الماً
غضب اللَّه عليهم .... فاصطلوا ناراً وإثماً
انتهى.
ومجالد هذا من أشياع آل محمد (ع)؛ ولكنهم نالوا منه لذلك؛ فترجيحه عليه من الهضم العظيم، وهو المجالد بن سعيد بن المجالد الهمداني؛ فالمجالد الأخير قال فيه صاحب الإكليل الحسن بن أحمد الهمداني في الجزء العاشر مالفظه: والمجالد بن ذي مرَّان، وهو القائل لمعاوية لما فطن تمويهه، وتمويه عمرو بن العاص على الناس في دم عثمان: /175(1/175)


يابن هند جَشَّمْتَ نفسك أمراً .... جُرْتَ فيه وقال صحبك هُجْراً
إن عمراً وعتبة حين مالا .... ك ومروان والوليد وبسراً
إلى قوله:
لو يذوقون طعم مااجترموه .... وجدوا طعم ذلك القول مُراً
ولعمري لئن همُ شتموه .... إنه أنضر الكواكب طهراً
وله طارت القلوب إذا السمـ .... ـر خلال العجاج تُحْسَبن جمراً
حتى قال:
فارس يضرب الكتيبة بالسيـ .... ـف دراكاً ويطعن القوم شزراً
شهد الفتح والنضير وأحداً .... وحنيناً وخيبراً ثم بدرا
وله في قريظة الخبر الأعـ .... ـظم إذْ رُدت الفوارس كسراً
وله ضربة الولاء على النا .... س بخم وكان ذا القول جهراً
ثم يوم البراء أُرْسل بالوحـ .... ـي فهذا من أعظم الناس قدراً
وله كل موطن يوجب الجنـ .... ـة جدعاً لشانئيه وعَقراً
لاكمن باع دينه أخسر البيـ .... ـع بمصر ومن تجرع جمراً
وأبي الأعور الشقي ومروا .... ن وبسرٍ قد شاركوا الأمر عمْراً
قال: وكان المجالد فقيهاً عالماً؛ ولد المجالد سعيداً، وكان فقيهاً فارساً بطلاً، قتله شبيب الحروري في أيام الحجاج، فأولد سعيد المجالد، وهو فقيه أيضاً..إلخ.
قلت: وهذا يدلك أن الهمداني صاحب الإكليل، لم يكن منحرفاً عن أهل البيت كل الانحراف؛ وإلا لما نقل هذا وغيره من سيرة الهادي (ع)، وأولاده الذي كان في عصرهم، ويدل على أن الهمدانية تأبى الميل عن آل محمد /176(1/176)


(ع) كيف ماكان صاحبها؛ فالمجالد بن سعيد عالم فاضل من ثقات محدثي الشيعة.
وقد أنكر على القطان الذهبي؛ فكيف بغيره؟!.
قال السيد صارم الدين (ع): قال الذهبي: هذه من زلقات القطان؛ بل أجمع علماء هذا الشأن، على أن جعفراً أوثق من مجالد، ولم يلتفتوا إلى قول يحيى. انتهى.
وفي كلام حافظهم هذا، في صادق العترة، وعالمهم، وإمامهم وابن إمامهم، دلالة تغني عن الإطالة.
[الطعن على الذهبي وابن تيمية]
وحسبك ماقاله المقبلي في العلم الشامخ في قصيدته التي منها:
والناصبيين أهل الشام كالذهبي
قال في الأرواح النوافح: المراد به صاحب التآريخ الجمة؛ ومصداق مارميناه به كتبه، سيما تاريخ الإسلام؛ فطالعه تجده لايعامل أهل البيت (ع) وشيعتهم عامة، إلا بما ذكرناه خاصة من تكلف الغمز، وتعمية المناقب، وعكس ذلك من أعدائهم، سيما بني أمية، سيما المروانية؛ وكفى بما أطبق عليه هو وغيره، من تسميتهم خلفاء؛ ثم يقولون: خرج عليهم زيد بن علي، وإبراهيم بن عبدالله، ومحمد بن عبدالله، ونحو ذلك؛ بل قال الذهبي في ريحانة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ: أَنِفَ البيعة ليزيد، وكاتبه أهل الكوفة فاغترّ، وفي قصته طول. هذه جملة ترجمته. انتهى.
قلت: ولا عجب أن يذهب الذهبي أسوأ المذاهب، وشيخه أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية عامله اللَّه بعمله، وأنصف منه العترة النبوية؛ وكفى بما في منهاجه من تحامله على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين؛ تارة بالتكذيب للنصوص المعلومة، وأخرى بالتمحل والتأويل، والتحريف والتبديل؛ /177(1/177)


ومرة بالتنقيص في عظيم جانبه، والحط من رفيع مناقبه؛ ولم يتجاسر أحد من المضلين، أن يقدم على ما أقدم عليه هذا الشيخ في شأن سيد الوصيين، ـ صلوات الله عليه ـ فإن أكبر أعدائه معاوية، كان يقر بفضله، ولم يعتل إلا بقتل عثمان؛وكذلك المارقة لم تعتل إلا بالتحكيم، ولم يستطع أحد منهم أن ينكر ما اختصه اللَّه به من الفضائل، ولا يجحد ماجعله اللَّه له من المنازل، ولو لم يتأخر به الزمان، لكان بلا شك في صف معاوية بن أبي سفيان، أو حزب ذي الثدية قتيل النهروان، إن لم يقعد به الجبن والهوان؛ ولئن لم ينصرهم بيده، فقد نصرهم بقلبه وقلمه؛ وكفى بتخطئته لأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، في قتاله للناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ فإنه حكم بذلك مراراً في منهاجه.
ويأبى اللَّه تعالى أن يحبه إلا مؤمن، وأن يبغضه إلا منافق.
وقد أنصف اللَّه تعالى من هذا الشيخ؛ فقيّض له من علماء عصره من انتصف منه، فمات في السجن عام ثمان وثلاثين وسبع مائة.
ومن فلتات لسانه ما يُحكى عنه من قوله: لولا تدارك الحسين نفسه بطلب الوصول إلى يزيد، لكان هالكاً.
فبالله عليك أيها المطلع، أيتكلم بهذا مؤمن يحفظ محمداً في عترته؟!.
واعلم أن ماننقله عن ابن تيمية مما يدل على موافقته، إنما هو من إخراج الحق على ألسنة الخصوم؛ وإلا فهو من أشدهم عناداً، وأبينهم فساداً؛ وسأنقل هنا ما فيه أكبر برهان على ذلك، مع بيان الرد عليه وعلى أمثاله بالأدلة الساطعة.
فأقول وبالله التوفيق: قال ابن تيمية في المنهاج، الجزء الأول ص (269) مالفظه: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.
إلى قوله: ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا الأمر من أبي بكر؛ ولا قاله أحد في أحد بعينه: إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر، وإنما قاله من فيه أثر جاهلية، عربية أو فارسية: إن بيت الرسول أحق بالولاية؛ لأن العرب في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء؛ وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي؛ بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي؛ وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول: الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام، فأما /178(1/178)

38 / 135
ع
En
A+
A-