والحسد واللدد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذات والشهوات؛ وليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالخير موسوماً.
إلى قوله: وأما ماجرى بعدهم من الظلم على أهل البيت (ع)، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، تكاد تشهد به الجماد والعجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور، ومرّ الدهور؛ فلعنة اللَّه على من باشر أو رضي أو سعى؛ ولعذاب الآخرة أشد وأبقى..إلى آخر كلامه.
نعم، وهكذا يُعْلَمُ تعصبهم في أكثر طرائقهم، ومصطلحاتهم، التي شرعوا لهم بها من الدين مالم يأذن به اللَّه، وأنها دعاوي مجردة عن البرهان، مجانبة لمحكم القرآن، وسنة سيد ولد عدنان؛ وإنما تنفق على غلف القلوب، صم الأسماع، عمي الأبصار، الذين يقلدون في دين اللَّه الرجال، فيميلون بهم من يمين إلى شمال؛ فقد صاروا لعمى البصيرة، مقتادين لترهاتهم وإن خالفت أحكام الضرورة.
[جواب مايقال: إن العترة رووا عن المنحرفين مصرحين ومتأولين]
هذا، فإن قلت: إن آل محمد (ع)، وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ، قد رووا في مؤلفاتهم عن هؤلاء الفريق، وسلكوا مع السالكين لتلك الطريق.
قلت: لايخلو هذا القائل من أن يكون من أهل النظر والاطلاع، أو من الهمج الرَّعاع، الواقفين على الجمود والاتباع.
إن كان الأول، فهو من الملبسين للحق بالباطل، وحسابه في ذلك على الملك العادل.
وإن كان الثاني، فيقال: إنه لملبوس عليك، وما كان لك أن تغمض عينيك، وتلقي بيديك، ولقد سمعتَ ومانظرتَ، وتوهّمْتَ وما فَكّرْتَ؛ وماحالك إلا كما قيل:
فقلْ لمن يدعي في العلم معرفةً .... حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ
/169(1/169)
والجواب: أما التولي لهؤلاء الظالمين، والترضي عن القوم الفاسقين، والمجادلة عن أولئك المختانين، فحاشا اللَّه، ومعاذ اللَّه؛ كيف؟! وأولهم وآخرهم، ومقتصدهم وسابقهم، وجميع أهل التوحيد والعدل، يحكمون على جميع هؤلاء بما حكم اللَّه تعالى به ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عليهم من البغي والنفاق، والنكث والشقاق، والمروق عن دين الملك الخلاق؛ وتبرؤهم عنهم، وإنكارهم لزيغهم معلوم، يصرحون به في جميع الدفاتر، ويبلغونه على فروع المنابر.
كيف؟! وإمامهم الأعظم، وسيدهم المقدم، أمير المؤمنين، وإمام المتقين ـ صلوات الله عليهم ـ مصرح بالبراءة منهم، واللعن لهم في الصلوات، التي هي أقرب القربات، وفي غيرها من المقامات؛ وهو أول من أجرى عليهم حكم اللَّه ورسوله في جهادهم وقتالهم، وسفك دمائهم؛ وهو في ذلك وغيره إمام الأئمة، وهادي هداة الأمة، والمبين لهم ما اختلفوا فيه، من بعد أخيه ـ صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله ـ.
وأما الرواية عنهم، فإن كانت لتأكيد الحجة على المخالفين، وإقامة البرهان على المنازعين، بما يقرون بصحته، ولا يستطيعون دفع حجته، فلا ضير في ذلك، ولا اعتراض عند أولي العلم على من سلك تلك المسالك؛ وهذا شأن علماء الأمة من موالف ومخالف.
وقد صرح بذلك أئمة آل محمد ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ، عند روايتهم عن المخالفين؛ كما أبانه الإمام الهادي إلى الحق في باب الأوقات من المنتخب؛ والإمام الناصر للحق في كتابه البساط؛ والإمام المؤيد بالله في خطبة التجريد؛ والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك؛ والإمام المنصور بالله في الشافي؛ والإمام شرف الدين، والسيد صارم الدين؛ وغيرهم من آل الرسول ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ.
وذلك معلوم لاريب فيه، مكشوف لناظريه، وإن كان قد اتخذه وسيلة إلى التغرير والتلبيس، على من لااطلاع له، بعضُ أولي التمويه؛ مع أنه في رواية قدماء أئمتنا(ع)، أقل قليل، كما يعلم ذلك أولوا التحصيل.
وإن كانت الرواية للاعتماد عليها، والاستناد إليها؛ فأما عن هؤلاء الفاسقين المجاهرين وأمثالهم فحاشا وكلا، وكلماتهم في ذلك ناطقة،/170(1/170)
ومؤلفاتهم على ذلك شاهدة متطابقة.
[القدح في الزهري، ووائل بن حجر]
هذا الإمام المؤيد بالله (ع) يقول، في شرح التجريد، في الزهري، ما لفظه: والزهري عندنا في غاية السقوط.
وفي وائل بن حِجْر مالفظه: وائل عندنا غير مقبول؛ لأنه فيما روي كان يكتب بأسرار علي (ع) إلى معاوية؛ وفي دون ذلك تسقط العدالة..إلخ.
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عند الكلام على بعض الرواة مالفظه: ومن دخل بغض علي قلبه، فأقل أحواله ألا تقبل روايته.
وسيأتي الكلام في جرحه وغيره من أئمة الهدى، لأئمة الضلال وأتباعهم، وكلام أئمة الآل، على هذا المنوال؛ فهذا جرحهم لمن كتب الأسرار، فكيف بالمكتوب إليه والمباشر للقتل والقتال ومن في حزب الأشرار، من الدعاة إلى النار؟!.
وأما عن أهل التأويل، الذين لم يقدموا إلا عن شبهة، فقد اختلفت الأقاويل، وكثر في ذلك القال والقيل، والمعتمد الدليل؛ وقد مال كثير من المتأخرين إلى القبول، ومحل البحث في ذلك علم الأصول؛ ولكنهم لم يقصدوا بذلك هؤلاء المتَجَرِّين المتهتكين، الذين قامت النصوص القاطعة على كونهم من الباغين، المنافقين المارقين، الداعين إلى النار، وبئس القرار.
وهذا الإمام المؤيد بالله والأمير الحسين (ع)، وغيرهما، جرحوا الزهري بمخالطة الجبابرة، ووائلاً بكتابة الأسرار، وجريراً باللحوق بالأشرار، وقيساً ببغض إمام الأبرار؛ وهما ممن يصرّح بقبول المتأولين؛ ولكنهما لم يريدا من لاشبهة له كهؤلاء المضلين.
وإنما بسطت الكلام؛ لأنه قد كثر الخبط والتخليط في هذا المقام، وصار من لا تحقيق له بمقاصد الأعلام، أو الأمر عنده واضح ولكنه يريد التلبيس على قاصري الأفهام؛ كما قال بعض أئمتنا (ع): يُدْمِج الإشكال عموماً، ويصير المعلوم موهوماً، فيتم ذلك على من لارسوخ لقدمه في مجال الأنظار، ولاثبوت لفهمه في مزالق الأخطار.
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره .... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
/171(1/171)
والقصد الخروج من العهدة، فيما أمر اللَّه تعالى به من بيان الحجة، وإيضاح المحجة، والقيام بواجب النصح، لمن ألقى السمع وهو شهيد، والله ولي التوفيق والتسديد.
[الكلام على المتسمين بأهل السنة]
نعم، ويعلم زيغهم وخذلانهم، في زعمهم لهؤلاء المعاندين للدين، أنهم من المجتهدين.
فسبحان اللَّه!.
ما أعظم الاجتراء على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه حكم بكونهم ناكثين وباغين وقاسطين، وداعين إلى النار، ومارقين عن الدين، ومنافقين؛ لبغضهم لأمير المؤمنين (ع)، الذي عُلم بالنصوص المتواترة أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، عند جميع المسلمين!.
ومعلوم ضرورة أنه لادليل على البغض في شيء من الأفعال أدلّ من القتل والقتال؛ مع أنها قد تطابقت على بغضه وسبه منهم الأفعال والأقوال، كما وقع من معاوية وأتباعه ـ كافاهم اللَّه تعالى ـ سبّه ـ صلوات الله عليه ـ على منابر الإسلام، وقتله هو وعماله من لم يعلن البراءة منه بعلم الخاص والعام، كما قال قائلهم:
يا أمة ضلّت وغابَ رشادها .... إذْ أصبحت بيد الضلال مقادُها
أَعَلَى المنابر تعلنون بسبّه .... وبسيفه قامت لكم أعمادُها؟
قال في الكشاف، في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }..الآية [النحل: 90]، مالفظه: وحين أُسقطت من الخطب لعنة الملاعين، على أمير المؤمنين، علي ـ رضي الله عنه ـ أُقيمت هذه الآية مقامها؛ ولعمري، إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً؛ ضاعف اللَّه لمن سنها غضباً ونكالاً وخزياً، إجابة لدعوة نبيه، ((وعاد من عاداه)). انتهى.
ودعاء معاوية لسعد بن أبي وقاص، أن يسب أمير المؤمنين (ع)، /172(1/172)
وامتناعه عليه، ونشره عند ذلك لفضائله مروي في الصحاح وغيرها.
وما أرادوا بذلك إلا سبّ اللَّه تعالى ورسوله، والرد عليه في قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وهم في ذلك من المجتهدين المأجورين، فحكم بذلك بزعمهم على المجتهدين المخطئين، والله ـ جل جلاله ـ يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب: 5] فرفع الجناح على المخطئين، ولم يكلف فوق الطاقة أحداً من العالمين؛ ولله القائل مع تغيير، لائق في التعبير!:
قال المخالف: قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: محال فلم قال النبي لنا: .... في النار قاتل عمار وسالبهُ
[تعديل أهل السنة لقاتل سبط رسول الله (ص)، وابن حطان، ونقمهم على الإمام الصادق، والجواب عليهم]
وحسبك أن من رجالهم المعدلين المؤتمنين ـ بزعمهم ـ على حمل السنة عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش القاتل لسيد شباب أهل الجنة، سبط رسول اللَّه وريحانته ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ.
قال السيد صارم الدين (ع) في علوم الحديث: إن المحدثين قد شابوا كتبهم بذكر أعداء أهل البيت (ع).
إلى قوله: وعظموهم، ورضوا عنهم، وعدلوهم؛ حتى تجاسر بعضهم على تعديل عمر بن سعد، قاتل الحسين (ع).
قال العجلي فيه: تابعي ثقة، روى عنه الناس. انتهى.
وقال في تهذيب التهذيب: روى عنه الناس، وهو تابعي ثقة، وهو الذي قتل الحسين، انتهى بحروفه؛ ذكره العلامة ابن عقيل.
ومنهم: عمران بن حطان الخارجي، من رؤوس المارقين عن الدين، وشر الخلق والخليقة، وكلاب النار، المثني على أشقى الآخرين ابن ملجم قاتل سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وهذا الطاغية المارد المارق المنافق، من /173(1/173)