وخير أمور الناس ماكان سنّة .... وشرّ الأمور المحدثات البدائعُ
فسبحان اللَّه! كيف يرضى لنفسه بذلك ذو عقل سليم، ونظر قويم؟! أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم؛ ذلك مبلغهم من العلم؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل؛ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
ولقد أذْكَرَ المقام، بما قاله الإمام، يحيى شرف الدين (ع)، في خاتمة قصص الحق؛ للتوسل بمن توسل، والسؤال لما سأل، والله ولي العصمة والتسديد، في كل مبدء وختام.
قال (ع):
يا سيد الرسل إنا معشر خُشُن .... في دينك الصدق نحييه ونحميهِ
من آل سبطك لاتنفك طائفة .... منا على الحق تخزي من يناويهِ
ولا تزال على أكتافنا خُذُمٌ .... تبيد خضراء قوم لا تراعيهِ
منا خليفة حق من تكون له .... شروط شرع بالاستخلاف تمليهِ
فنحن طائفة الحق التي وردت .... فيها الأحاديث مما الكل يرويهِ
تركتنا مع كتاب اللَّه جل إلى الـ .... ـحوض الذي لموالينا نُرَوِّيه
سفينة اللَّه تُنْجي مَنْ يلوذ بها .... ومن تخلّف في النيران تهويه
ونوركم أيها الأشباح صاربنا .... وهو الذي آية التطهير تعنيهِ
إجماعُنا حجة الإجماع وهو له .... أقوى دليل على ماالعلم ينبيهِ
/156(1/156)
إلى قوله:
وإنّ عبدك يارحمن يسألك الـ .... ـقبول والعفو والتوفيق توليهِ
إلى قوله:
وهب لنا رحمة يارب شاملة .... لنا جميعاً وعنا الشر تنفيهِ
وفي دعائي أولادي كذا سلفي .... وإخوتي وكذا أشياعنا فيهِ
والحمد لله في صدر المقال وفي الـ .... ـختام منه وفي الأثناء ننشيه
حمداً جميلاً جزيلاً لاكفاء له .... إلا جلال إله العرش معطيه
كذا الصلاة على المختار دائمة .... وآله ماشدا في الأيك شاديهِ
/157(1/157)
الفصل الثاني [في بيان ما عليه مفارقوا العترة(ع)]
في بيان ماعليه المفارقون لأهل بيت النبوة، من هذه الأمة، وما عاملوا به هذه الصفوة من الجفوة، واطراح عظيم الحرمة؛ لما ألزم اللَّه ـ عز وجل ـ من البيان، في محكم القرآن، بأمثال قوله ـ جل جلاله ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء: 135] حتى يكون الناظر على يقين وعرفان، وتحقيق وبرهان، في أحوال المحقين والمشاقين؛ وأعمال الموافقين والمفارقين.
فأقول والله المستعان، وبه الثقة وعليه التكلان: تالله، إن كل من له أدنى مسكة من الاطلاع، ورائحة من الإنصاف، ومادة من التوفيق، ليعلم تحريفهم، وانحرافهم، وتحاملهم على العترة الطاهرة، الذين طهرهم اللَّه عن الرجس، وأمرهم بمودتهم في الكتاب، وخلّفهم فيهم الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، وجعل نجاة الدنيا والآخرة في التمسك بهم، والاعتصام بحبلهم، في الأخبار المتواترة؛ ويعلم ميلهم إلى أعدائهم، المحاربين لهم، السافكين لدمائهم، من الفرق التي تواترت النصوص النبوية، عند كافة الأمة المحمدية، بضلالهم ونكثهم، وبغيهم ودعائهم إلى النار، ومروقهم عن /161(1/161)
الدين، من الناكثين والقاسطين والمارقين، ومن تلاهم من الجبارين.
[تعديل الخصوم لرؤساء النفاق، والأخذ عنهم ـ وشيء مما جاء فيهم]
وأي بيان في هذا الباب، أبلغ من توليهم وتعديلهم لرأس أحزاب البغي، وزعيم أرباب القسط، المحارب لسيد الوصيين (ع)، والقاتل للألوف المؤلفة من طائفة الحق والمحقين، معاوية بن أبي سفيان، وأبيه، اللذين لم يزالا يبغيان لدين اللَّه الغوائل، ويسعيان في إطفاء نور اللَّه ويجمعان القبائل، حتى ظهر أمر اللَّه وهم كارهون؛ وتوليهم وتعديلهم لشركائه في أمره، ووزرائه وأنصاره، كعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وطريد رسول اللَّه وابن طريده مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة؛ فهؤلاء عندهم من المركون عليهم في الدين، الموثوقين على تبليغ شريعة سيد المرسلين، المعتمد على رواياتهم في أصح صحاحهم، كالبخاري ومسلم.
ولا كلام فيهم؛ لشمول اسم الصحبة لهم عندهم؛ وقد عمّموا بذلك المدح والثناء مطيعَهم وعاصيَهم، ومحقَّهم وباغيهم، ومخلصهم ومنافقهم، ومؤمنهم وفاسقهم؛ وقد علموا ماورد عن اللَّه وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من النصوص المعلومة القاطعة؛ منها ماهو خاص لمسمى الصحابة أولاً وبالذات، ومتناول لمن شاركهم من غيرهم، كما ورد في الفرق الثلاث: الناكثين والقاسطين والمارقين؛ وغير ذلك مما هو معلوم في شأن أمير المؤمنين، وأخي سيد النبيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ من أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، وأن حربه حربه، وسلمه سلمه، المروي عند جميع المسلمين.
[حديث: المحلؤون يوم القيامة عن الحوض من الصحابة]
ومنها: ماهو وارد في الصحابة خاصة، كأحاديث الحوض، المتضمنة لطردهم وإبعادهم، وأنه لايخلص منهم إلا كهمل النعم، وأنهم غيروا وبدلوا، وأنه ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ يقول: ((أصحابي أصحابي)) فيقال: إنك لاتدري ماأحدثوا بعدك، فيقول: ((سحقاً سحقاً)).
ولم يقل: لا كلام فيهم؛ لأنهم صحابة، ولا لأنهم خير القرون، ولا إنهم كالنجوم، ولا إن فيهم من أهل بدر فيعملون ماشاؤا.
وأخبار الحوض، متواترة مروية عند آل محمد (ع)، وعند هؤلاء القوم في /162(1/162)
صحاحهم كالبخاري ومسلم.
وفي لفظ رواية لمسلم والبخاري، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا فرطكم على الحوض، فليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني؛ فأقول: أي رب، أصحابي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
وفي أخرى لهما عن أنس، أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((ليَرِدنّ عليَّ الحوض رجال، ممن صاحبني، حتى إذا رفعوا اختلجوا؛ فلأقولن: أي رب، أصحابي أصحابي؛ فيقال لي: إنك ماتدري ماأحدثوا بعدك)).
زاد في رواية أخرى: ((سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي)).
وغير ذلك كثير، فلا نطول بالبحث.
وما ورد في الكتاب العزيز في شأنهم خاصة، كقوله تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [الفتح: 10].
فيا عجباه، ممن يستدل ببيعة الرضوان، على استمرار طاعتهم، والقطع بنجاتهم، كابن تيمية، ومن مشى على منهاجه.
وقوله تعالى في أهل بدر: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } [آل عمران: 152].
وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } [آل عمران: 144].
وقوله ـ جل وعلا ـ مخاطباً لسيد رسله ومن معه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} [هود].
وفي الرواية /163(1/163)