شرح النهج وغيره.
رجعنا إلى تمام الخبر.
قال: واختلف أهل البيت، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ ومنهم من يقول ماقال عمر.
انظر كيف رجعت مسألة خلاف، بين رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وعمر بن الخطاب؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: وفي رواية: ومنهم من يقول غير ذلك؛ فلما أكثروا اللغط والاختلاف، قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قوموا عني)).
قال: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية، ماحال بين رسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب.
وساق رواية أخرى قال فيها: ثم بكى ـ أي ابن عباس ـ حتى بل دمعه الحصى.
وأَمْرُ هذه الواقعة معلوم، وإنما آثرت رواية الصحاح لتسليم الخصوم.
فبالله عليك، أترى هذا خلافاً لرسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أم لا؟ وهل هذا يبطل حجية قوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ؟.
بل نقول: لااعتبار بمن خالف الحجة، وإن خالف من خالف، وإن اختلفت أحكام المخالفة، وعند الله تجتمع الخصوم؛ وأما عدم إنكار الوصي صلوات الله عليه المخالفة فخلاف المعلوم، من أقواله وأفعاله، وخطبه منادية بالإنكار على الاستمرار، منها قوله: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم؟.
وقوله: أين يتاه بكم عن علم تنوسخ عن أصلاب أصحاب السفينة؟.
وقوله: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب؛ ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً.
وقال في ذم المخالفين له: لايقتصون أثر نبي، ولايقتدون بعمل وصي.
إلى غير ذلك مما يفوت الحصر.
وأورد ابن تيمية في فتاواه ص24 في الجزء (20) ـ الطبعة الأولى ـ: وقال عليٌ في قصة التي أرسل إليها عمر فأسقطت لما قال له عثمان وعبد الرحمن بن عوف: أنت مؤدب ولا شيء عليك: إن اجتهدا فقد أخطآ، وإن لم يكونا اجتهدا فقد غشّاك.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنّها الأهواءُ عمّت فأَعْمتِ
وهذا هو القول المعمول به، عند قدماء العترة ـ صلوات الله عليهم ـ؛ كما قرره إمام /146(1/146)
الأئمة الهادي إلى الحق في الأحكام، وغيره من مذهبه ومذهب آبائه (ع).
وكرره الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد.
وقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، في الشافي: وكلام علي(ع) حجة..إلخ.
[أدلة لزوم علي للحق ـ مخرجوها]
قال المولى الحسن ـ أيده الله ـ في التخريج: قال علي بن الحسين في المحيط: ومن خصائص علي (ع) أن قوله حجة يجب المصير إليه؛ وذلك إجماع أهل البيت، لايختلفون فيه.
ثم استدل بأخبار فقال:
روى الناصر للحق.
إلى قوله: بسنده إلى أم سلمة قالت: سمعتُ النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ثم قال: وحدثني السيد يحيى بن الحسين الحسني؛ وساق سنده إلى زيد بن علي قال: كان علي بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علماً في الحق والباطل؛ لو أخذ الناس جانباً، أخذنا مع علي.
وروى بإسناده إلى زيد بن علي قال: نحن أهل البيت، لم نستوحش إلى أحد من هذه الأمة، إذا ثبت لنا الأمر عن أمير المؤمنين، لم نَعْدُهُ إلى غيره.
وقال: حدثني القاضي أبو علي الحسن بن علي الصفار؛ وساق إلى ابن عباس قال: إذا بلغنا شيء عن علي (ع)، من قضاء، أو فتيا؛ وثبت، لم نجاوزه إلى غيره.
قلت: وفي الجزء السابع من فتح الباري شرح البخاري ص 73: فقد روى ابن سعد بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا، لم نتجاوزها.،انتهى.
وفي الاستيعاب، بالسند إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي، لم نعدل به. انتهى.
قال: وحدثني والدي؛ وساق إلى عبدالله بن الحسن قال: كان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يذكر الفتن، وما يكون في أمته؛ فمرّ علي بن أبي طالب فقال: ((ياحذيفة، هذا وحزبه الهداة إلى يوم القيامة، لو أخذت الأمة جانباً، وأخذ علي جانباً كان الحق مع علي، وعلي مع الحق)). من المحيط /147(1/147)
قلت: وقد سبق للإمام رواية خبر عمار، بسنده إلى علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، فقلنا له: إن اللَّه تعالى أكرمك بمحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك.
إلى قول أبي أيوب: إني أقسم لكما بالله، لقد كان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا البيت الذي أنتما فيه، ومافي البيت غير رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وعلي جالس عن يمينه، وأنا قائم بين يديه، إذ حرّك الباب، فقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا أنس انظر من بالباب)).
فنظر فرجع، فقال: هذا عمار بن ياسر.
قال أبو أيوب: فسمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول: ((يا أنس افتح لعمار، الطيِّب المُطيَّب)).
ففتح أنس الباب.
إلى قول رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعمار: ((فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني علياً (ع) ـ وإن سلك الناس كلهم وادياً، وسلك علي وادياً، فاسلك وادي علي، وخل الناس طراً؛ يا عمار، إن علياً لايضل عن هدى؛ ياعمار، إن طاعة علي من طاعتي، وطاعتي من طاعة اللَّه عز وجل)).
قال ـ أيده الله ـ: ورواه الإمام أبو طالب (ع)، بإسناده إلى أبي أيوب الأنصاري.
وأخرجه ابن البطريق في العمدة؛ ذكره علي بن عبدالله بن القاسم بن محمد (ع) في الدلائل.
وأخرجه الديلمي وهو معنى ماذكر.
قال: وقال أبو جعفر الهوسمي: إن خبر ((علي مع الحق)) صحيح بالإجماع.
قال في المحيط: حديث ((علي مع الحق، والحق مع علي))؛ روي ذلك رواية عامة، لم يدفعه أحد.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال لعلي: ((أنت باب علمي، والحق معك، وعلى لسانك)) أخرجه الكنجي، عن علي (ع).
وروى محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى سعد، وأم سلمة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((علي مع الحق، والحق معه)).
إلى قوله: وروى بإسناده، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((من أحبني فليحب علياً؛ ألا إنه مني، وأنا منه)) /148(1/148)
وساق إلى قوله: ((فالحق معه وهو حيث الحق))؛ ثم التفت إلى علي، وقال: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لانبي بعدي)).
وروى ـ أي محمد بن سليمان ـ بإسناده إلى أم سلمة قالت: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول لعلي: ((أنت مع الحق، والحق معك)).
وروى بسنده إلى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي، إنك الهادي لمن اتبعك؛ ومن خالفك ضلّ إلى يوم القيامة)).
وروى بسنده إلى محمد بن ثابت الأنصاري، عن أم سلمة، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((لايزال الدين مع علي، وعلي معه، حتى يردا عليّ الحوض)).
وروى بسنده إلى ابن عباس، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((يامعشر المسلمين، لاتخالفوا علياً فتضلوا، ولاتحسدوه فتكفروا)).
قلت: ورواه محمد بن منصور، بسنده إلى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع).
قال: وقد مرّ حديث بريدة، الذي أخرجه الكنجي، عن عمران بن الحصين، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في علي (ع)؛ وفيه: ((فلا تخالفوه في حكمه)).
قال: ورواه أبو عيسى الحافظ ـ يعني الترمذي ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مخاطباً لعائشة.
إلى قوله: ((وأنه مع الحق، والحق معه)) من حديث طويل، أورده أبو جعفر الإسكافي، عن أم سلمة.
ومن حديث أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أطيعوا علياً، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني؛ ألا لعن اللَّه من خالف علياً)) رواه في الكامل المنير.
وقال: ((ألا إن التاركين ولاية علي، هم الخارجون من ديني، فلا أعرفنّ خلافكم على الأخيار من بعدي)) رواه أبو العباس الحسني، عن حذيفة.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به، لن تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((هذا علي))..الخ من حديث رواه أبو نعيم، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن الحسن بن علي من ثلاث طرق، والطبراني والكنجي، عن الحسن السبط أيضاً؛ وأخرجه ابن المغازلي، عن زيد بن أرقم.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((وإن /149(1/149)
الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك)) من حديث جابر؛ رواه القاسم بن إبراهيم (ع)، وابن المغازلي؛ ورواه عنه محمد بن سليمان الكوفي، من طريقين؛ ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر؛ ورواه الإمام المنصور بالله، بطريقه إلى الناصر للحق (ع)، يبلغ به جابراً؛ وقد مرّت روايته (ع)؛ ورواه الكنجي، بسنده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((فإنه ـ يعني علياً ـ لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة)) من حديث زيد بن أرقم؛ أخرجه الحاكم في المستدرك، والطبراني، والكنجي، ومحمد بن سليمان، وأبو نعيم؛ ورواه فقيه الخارقة، بسنده إلى أبي إسحاق، عن زياد بن مطرف، عن زيد بن أرقم.
قلت: وإنما رواه لقصد التصويب على رواية الشيخ محيي الدين للخبر؛ وهو من إخراج الإقرار بالحق على ألسنة المبطلين.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا المنذر وأنت الهادي؛ بك ياعلي، يهتدي المهتدون))؛ أخرجه في المحيط، عن ابن عباس؛ وأخرجه ابن عساكر، عن علي(ع)؛ والديلمي، والكنجي؛ وأخرج في المحيط أيضاً نحوه، عن زين العابدين (ع)؛ وأخرج نحوه الناصر للحق، عن أبي برزة الأسلمي، من دون زيادة ((بك يهتدي)) إلخ؛ أخرجه ابن مردويه؛ والضياء في المختارة، عن ابن عباس، وابن مردويه أخرجه أيضاً عن أبي برزة؛ وأخرجه في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وابن عساكر، عن علي (ع)؛ وأخرجه ابن جرير، وأبو نعيم، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار، والثعلبي، والنقاش؛ وأخرجه الحاكم الحسكاني، عن علي (ع)، وعن ابن عباس من ست طرق، وعن أبي برزة من ثلاث، وعن أبي هريرة، وعن يعلى بن مرة، وعن مجاهد، وعن زرقاء الكوفية.
وخبر: ((علي مع الحق، والحق مع علي))، رواه في المحيط، بإسناده إلى أبي اليسر، عن عائشة.
ورواه ابن المغازلي، بسنده إلى أبي سعيد؛ ورواه أيضاً عن علي من حديث المناشدة؛ ورواه الإمام أبو طالب ـ عليه /150(1/150)